الديمقراطية و حقوق الإنسان

نشر في: آخر تحديث:

الحفيرة يوسف.
طالب باحث في ماستر التواصل السياسي.

تمثل الديمقراطية حكم الأغلبية من حيث الممارسة الفعلية، ويمثل إعلان حقوق الإنسان الطرف الآخر في معادلة التساوي بين المواطنين والحفاظ على كرامتهم والدفاع عن حقوق الأقليات التي لا تشارك في الحكم.
الديمقراطية إحدى القيم والمبادئ الأساسية العالمية للأمم المتحدة و يشكل احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية مظهرا من مظاهر الديمقراطية، و إن إشاعة ثقافة حقوق الإنسان والديمقراطية تفرض التوفر على مجتمع يتمتع أفراده بالكرامة والتقدير والاحترام، فالإنسان بحاجة دائمة إلى ما يجعله يشعر بأن مكانته الإنسانية محفوظة، بوجود معايير إنسانية عادلة، لأن حقوق الإنسان لا تشترى ولا تكتسب ولا تورث، وهي ليست منحة من احد بل هي حق للبشر لكونهم بشر.
نسترجع ما قاله صمويل هنتينغتون عن الديمقراطية أنها نهج للحكم يقوم على الانتخابات الحرة، والمؤسسات الثابتة، وعلى تداول السلطة بين الأحزاب، في نظام تعددي، يكفل الحرية وتكافؤ الفرص لجميع الأحزاب السياسية القائمة، وحرية الاختيار لكل الناخبين.
قد يبرز تساؤل هنا، يرتبط بالسبب الذي يقف وراء التصورات السلبية تجاه مفاهيم كالديمقراطية والحريات العامة، في ظل ظروف سياسية وأمنية ومعيشية صعبة كالتي يشهدها العالم في ظل أزمة كورونا.
كان الناس في الغالب يجدون أنفسهم غير معنيين بالانتخابات أو من سيتسلم السلطة السياسية، بل همهم الوحيد قضاء أمورهم المعيشية واليومية في أدنى حدود التفاعل مع مؤسسات الدولة، على عكس ما هو متعارف عليه من الديمقراطية والانتخابات الحرة النزيهة وأن الشعب هو مصدر السلطة، وأن طريق الحرية متمم للديمقراطية و هو أطول طريق بين نقطتين تمكن من الوصول إلى حلول معقولة وعادلة لجميع المواطنين.
حقوق الإنسان تدخل في صلب مفهوم الديمقراطية، التي يعتبر تطبيقها هو الذي أرسى بشكل أساسي تلك الحقوق، و يتمتع بها جميع المواطنين في أي مجتمع ديمقراطي من خلال قوانينه ودستوره، حقوق أزلية غير القابلة للتصرف، ولا يجوز تعديلها في التشريعات و الدساتير اللاحقة. أي أن الحرية هي احترام القوانين في الأنظمة الديمقراطية، كما تعتبر حقوق الإنسان والمواطنة من أهم الآليات لتفعيل الديمقراطية الحقيقية.
و قد أكد الرئيس الأمريكي ابرهام لنكولن انه لا يحق لأي شخص أن يحكم الآخرين دون رضاهم، حيث أن الدولة الديمقراطية ما هي إلا حكومة من الشعب وللشعب.
و يقول إدوارد كلاباريد عالم النفس التنموي :” علينا في المجتمع الديمقراطي السليم أن نفسح أوسع مجال ممكن للمبادرات الفردية، بحيث تبقى وتستمر وحدها، تلك المبادرات التي يثبت بالتجربة أنها نافعة للجماعة.”
ويرى أرسطو أن المثل العليا للدولة هي سيادة أحكام القانون والعدالة والتعليم، وأن الدولة إنما وجدت لصالح الإنسان ولم يوجد الإنسان لصالح الدولة إنما ولد الإنسان ليسعد.
إن حقوق الإنسان في جوهرها حقوق في حالة حركة وتطور وليست حقوقا ساكنة، كما أن الديمقراطية مفهوم نسبي قابل للتطوير، والشيء الذي عايشه العالم من إجراءات اتخذتها الحكومات كفرض حالات الطوارئ لمدة شهور، وإصدار قوانين استثنائية، وفرض حالة الحجر الصحي، و منع حق التنقل والتجول قد يتقبله الإنسان حماية لصحته ولكن يمكن القول أن الديمقراطية وحقوق الإنسان تخضعان لامتحان صعب، وهو ما أثار اهتمام المنظمات الدولية التي حذرت بعض الدول من استغلال التدابير الاستثنائية للإجهاز على الديمقراطية وحقوق الإنسان.
الديمقراطية مرتبطة بالممارسة وهي لا تتحقق إلا إذا كانت الأغلبية الساحقة من المواطنين مؤمنة بمبادئها، لنعود ونقول أنها ثقافة مجتمعية منعكسة في سلوك المواطنين والقوى الفاعلة، وكما هو معروف أن الحريات والحقوق، تعتبر الشرط الذي يؤهل الأنظمة الديمقراطية للاستمرار والديمومة، لذا لا يمكن لأزمة كورونا أن تغير القيم الأساسية للمجتمعات الحرة وهو ما جاءت به وثيقة الأمينة العامة لمجلس أوروبا لجميع الدول الأوروبية.
وبالتالي فان الاختيار الديمقراطي يلزم الدول ويمكنهم من الاندماج في المجتمع الدولي لتحقق تنميتها وارتقاءها، لكن بالتركيز على الحقوق والحريات العامة التي تمثل الأساس الراسخ لأي نظام ديمقراطي قادر على تحقيق التوازن في بنية المجتمع، و به فإن حالة التشوه الفكري في المجتمع تتبين من خلال الخلل السائد في العلاقات الإنسانية، و هذا ما ينعكس سلبا على كافة العلاقات القائمة في المجتمع و على جميع الأصعدة. وترسيخ ديمقراطية قوية ممثلة في إرادة المواطنين للمساهمة في تدبير الحياة العامة، واختيار ممثليهم، وتقييم أدائهم، ومحاسبتهم.

اقرأ أيضاً: