الرئيسية آراء وأقلام الخبرة القضائية في المادة الجبائية بالمغرببين النص القانوني والعمل القضائي-دراسة تحليلية-

الخبرة القضائية في المادة الجبائية بالمغرببين النص القانوني والعمل القضائي-دراسة تحليلية-

IMG 20230519 WA0008.jpg
كتبه كتب في 19 مايو، 2023 - 9:27 صباحًا

    بقلم..د.عبد العزيز موهيب

يعتبر الخبراء القضائيون من مساعدي السلطة القضائية إلى جانب مجموعة من المهن القضائية الأخرى يمارسون مهامهم وفق الشروط المنصوص عليها في القانون المنظم للمهنة والنصوص التطبيقية[8].
والخبرة القضائية حكم تمهيدي تأمر به المحكمة لانتداب خبير للبحث في جوانب محددة قد تستعصي على القاضي لطبيعتها الفنية والتقنية، وقد نظمها مشرع قانون المسطرة المدنية من خلال الباب الثالث تحت عنوان إجراءات التحقيق، والتي بالاستناد إليها يمكن للقاضي، بناء على طلب الأطراف أو أحدهم أو تلقائيا، أن يأمر قبل البت في جوهر الدعوى بإجراء خبرة أو الوقوف على عين المكان أو بحث أو تحقيق خطوط أو أي إجراء من إجراءات التحقيق مع إمكانية حضور ممثل النيابة العامة لكل إجراءات التحقيق                          [9]                                             
      ووفقا لمقتضيات الفصل 55 من ق م م أعلاه يكون المشرع المغربي قد اعتبر الخبرة بمثابة إجراء من إجراءات التحقيق وليست وسيلة من وسائل الإثبات[10]،الهدف منها الإحاطة بمعطيات القضية والتي تتطلب معرفة فنية أوتقنية محضة تستلزم معارف خاصة قد لا يملكها القاضي، حيث ينتدب خبيرا أو خبراء عند الاقتضاء في الحالات الآتية:
النوازل التي لا يمكن الفصل فيها من طرف القاضي إلا بعد فهم النقاط الفنية أو التقنية المرتبطة بها والتي قد يجهلها، وهو أمر طبيعي لأن تكوينه قانوني صرف[11].
الوقائع المادية في النزاع التي يصعب على القاضي القيام بها شخصيا لكثرة التزاماته المهنية كالوقوف بعين المكان في الأراضي العقارية موضوع النزاع لأجل معرفة حدودها وأبعادها والمساحة الحقيقية لها وغيرها من الوقائع المادية. التي يرتكز عليها  في تكوين قناعته الشخصية وتقليص هامش الأخطاء التي قد تتسرب إلى حكمه بسبب عدم الإحاطة الجيدة بهذا العقار[12]، وهنا وجبت الإشارة أنه متى أمرت المحكمة بالمعاينة إما تلقائيا أو بناء على طلب الأطراف وفق ما جاء في الفصل 67 من ق م م،[13]وجب على القاضي أن يقف بنفسه على عين المكان، وله وحده حق الاستماع إلى الأشخاص الذين يعينهم ويقوم بمحضرهم بالعمليات التي يراها مفيدة وبهذا قضت محكمة النقض :” إذا أمر القاضي بالمعاينة وجب أن يقف بنفسه على عين المكان، وله وحده حق الاستماع إلى الأشخاص الذين يعينهم ويقوم بمحضرهم بالعمليات التي يراها مفيدة.[14]

ونحن نعالج موضوع الخبرة القضائية في مجال المنازعات الجبائية، لابد من الإشارة إلى أنواع الخبرة التي يمكن أن تأمر بها المحكمة وذلك باقتضاب:
1-الخبرة المضادة: تلجأ إليها المحكمة في حالة ظهور أسباب تقتضي انتداب خبير أو خبراء جدد، ويصدر بشأنها أمرا أو قرارا تمهيديا وتنجز وفقا للشروط والشكليات المتطلبة قانونا،
2-الخبرة الجديدة: لا يمكن الحديث عن خبرة جديدة إلا في حالة رفض الخبرة الأولى حيث تصدر المحكمة أمرا جديدا بإجراء خبرة جديدة وفق الشروط والشكليات القانونية.
3- الخبرة التكميلية: يكون هذا النوع من الخبرات متى ظهر للقاضي قصور في الخبرة الأولى إما لعدم تطرق الخبير لجميع النقط الفنية المعين من أجلها، أو أنه لم يقم بالبحث المطلوب منه كاملا ومطابقا للقانون.
وقد حدد المشرع مجموعة من الشروط القانونية التي يجب توفرها في الخبير ليكون مؤهلا لممارسة مهامه حيث نصت المادة 3 من القانون رقم 45.00 المتعلق بالخبراء القضائيين على ما يلي:
لا يمكن ممارسة الخبرة القضائية إلا بعد التسجيل في أحد جداول الخبراء القضائيين.
 
 
يشترط في كل مترشح للتسجيل في جداول الخبراء الاستجابة للشروط الآتية[15]:
1- أن يكون المترشح مغربيا، مع مراعاة قيود الأهلية المشار إليها في قانون الجنسية[16] أو من رعايا دولة تربطها بالمغرب اتفاقية تسمح لمواطني كل منهما بممارسة الخبرة القضائية في الدولة الأخرى؛
2- ألا يقل عمره عن ثلاثين سنة ميلادية كاملة؛
3- أن يكون في وضعية سليمة إزاء الخدمة العسكرية[17].
4- أن يكون متمتعا بحقوقه الوطنية وذا مروءة وسلوك حسن.
5- ألا يكون قد حكم عليه من أجل جناية أو جنحة باستثناء الجرائم غير العمدية.
6- ألا تكون قد صدرت في حقه عقوبة تأديبية من أجل تصرفات مخلة بالشرف أو النزاهة أو الأخلاق الحميدة.
7- ألا يكون قد حكم عليه بإحدى العقوبات المالية التي ينص قانون التجارة على إمكانية الحكم بها في حق مسيري المقاولة أو بسقوط الأهلية التجارية.
8- أن يكون متوفرا على مقاييس التأهيل التي تحدد بنص تنظيمي[18] بالنسبة لكل نوع من أنواع الخبرة؛
9- أن يكون له موطن بدائرة اختصاص محكمة الاستئناف التي يرغب في ممارسة مهامه بدائرتها.
إلا أنه في حالة عدم وجود خبير مدرج بالجدول يمكن للقاضي وبصفة استثنائية أن يعين خبيرا لهذا النزاع، وفي هذه الحالة يجب على الخبير أن يؤدي اليمين أمام السلطة القضائية التي عينها القاضي لذلك، على أن يقوم بأمانة وإخلاص بالمهمة المسندة إليه وأن يعطي رأيه بكل تجرد واستقلال ما لم يعف من ذلك اليمين باتفاق الأطراف[19].
وفي الحالة التي يرى فيها القاضي تبعا لسلطته التقديرية أن النزاع يحتاج إلى عدد محدد من الخبراء يمكنه الأمر بتعيين ثلاثة خبراء أو أكثر حيث يقوموا مجتمعين بإنجاز مهمة الخبرة، ويحررون تقريرا واحدا مشتركا في حالة الاتفاق، فإذا كانت آرائهم مختلفة بينوا رأي كل واحد والأسباب المساندة له مع توقيعه من طرف الجميع.[20]
وتعد الخبرة القضائية في منظور القانون المغربي وسيلة من وسائل التحقيق غايتها إطلاع المحكمة بكل الجوانب المشكلة التي تتطلب معرفة فنية علمية لا علاقة لها بالقانون[21]، يأمر بها القاضي المقرر أو القاضي المكلف بالقضية وذلك بحسب درجة النزاع، فيعين الخبير مع تحديد موضوع الخبرة والعناصر التي يستند عليها الأمر بالخبرة بكل دقة، وكذا جميع النقط التي تجري فيها، وذلك على شكل أسئلة فنية لا علاقة لها مطلقا بالقانون[22]، كما يمكن للأطراف أو لأحدهم المطالبة بإجراء خبرة قضائية، حيث يأمر القاضي شفويا كتابة الضبط أن تبلغ طالب الخبرة بضرورة إيداع مبلغ مسبق تحدده المحكمة لتسديد الصوائر القانونية أو صوائر إضافية  لفائدة الخبير كأتعاب تكميلية  في الحالة التي يدعي فيها هذا الأخير تقديم إيضاحات حول النقط الغامضة في تقريره، وفي حالة تقاعس طالب الخبرة فإن المحكمة تعتبر الطلب كأن لم يقدم وتصرح بعدم قبوله[23]، وهو ما قضت به المحكمة الإدارية بالبيضاء[24]:
“…وحيث إن المحكمة وأمام عدم توفرها على العناصر الضرورية للبت في القضية أمرت بإجراء خبرة حسابية استنكف الطرف المدعي عن إيداع صائرها المسبق رغم توصله بالإشعار بواسطة مكتب الضبط بتاريخ 2011/11/17.
وحيث إنه وطبقا لمقتضيات الفصل 56 من قانون المسطرة المدنية فإنه يتعين التصريح بعدم قبول الدعوى.”
والجدير بالذكر أنه وبمجرد توصله بأمر الانتداب لإجراء خبرة يستدعي الخبير جميع أطراف النزاع ووكلائهم للحضور، ويتضمن هذا الاستدعاء تحديد تاريخ ومكان وساعة إنجازها وذلك بخمسة أيام على الأقل قبل الموعد المحدد لها، ولا يباشر مهامه إلا بحضورهم أو بعد التأكد من توصلهم بالاستدعاء بصفة قانونية ما لم تأمر المحكمة بخلاف ذلك لتوفر حالة استعجال[25]، ويضمن في محضر أقوال الأطراف وملاحظاتهم ويوقعون معه على المحضر مع وجوب الإشارة إلى من رفض منهم التوقيع، وإرفاق هذا المحضر بالتقرير القضائي المنجز ويباشر الخبير المهام المكلف بها من طرف القاضي تحت المراقبة الفعلية لهذا الأخير، الذي له الحق في الأمر بإرجاع التقرير إلى الخبير قصد إتمام المهمة متى تبين أنه غير مستوفي للنقط الفنية والعلمية المأمور بها. وفي جميع الأحوال تتم مناقشة تقرير الخبرة، حيث تبلغ  المحكمة أطراف النزاع  بتاريخ جلسة المناقشة بواسطة طرق التبليغ المحددة قانونا، فإذا لاحظ القاضي أن تقرير الخبير لم يجب على النقط المحددة في الأمر القضائي أرجعه إلى الخبير لإتمام ما شابه من نقصان، كما يمكنه إما بشكل تلقائي أو بطلب من أحد الأطراف استدعاؤه لحضور الجلسة التي سيستدعي لها أيضا جميع الأطراف لتقديم الإيضاحات والمعلومات اللازمة والتي توضع في محضر يوضع رهن إشارة الأطراف[26].وهي مقتضيات تكاد تنطق مع ما ورد بالمادة 283 من قانون الإجراءات الفرنسي:
« Si le juge ne trouve pas dans le rapport les éclaircissements suffisants, il peut entendre l’expert les parties présentes ou appelées »
إذا لم يقم الخبير بالمهمة المسندة إليه داخل الاجل المحدد له أو لم يقبل القيام بها، عينت القاضي بدون استدعاء للأطراف خبيرا آخر بدلا منه وأشعرت الأطراف فورا بهذا التغيير.
بصرف النظر عن الجزاءات التأديبية، يمكن الحكم على الخبير الذي لم يقم بالمهمة المسندة إليه أو رفضها بدون عذر مقبول بالمصاريف والتعويضات المترتبة عن تأخير إنجاز الخبرة للطرف المتضرر، كما يمكن الحكم عليه بغرامة لفائدة الخزينة.[27]
وإذا احتاج الخبير أثناء قيامه بمهامه إلى ترجمة شفوية أو كتابية تعين عليه اختيار ترجمان من بين المدرجين بالجدول أو الالتجاء إلى القاضي. يمكن للخبير أن يتلقى على شكل تصريح عاد كل المعلومات الضرورية مع الاشارة إلى مصدرها في تقريره عدا إذا منعه القاضي من ذلك.[28]
والملاحظ أن المشرع يلزم  الخبير باحترام مبدأ الحضورية أو الوجاهية خلال عمليات تنفيذ الخبرة، ويظهر ذلك من صيغة الوجوب الواردة في الفصل63 من ق م م، حيث إنه اعتبره التزام من النظام العام.[29] وذلك لأن  في حضور الأطراف ووكلائهم مراقبة مباشرة لإجراء الخبرة، كما أن الخبير قد يستعين بتصريحاتهم كلما احتاج الأمر ذلك، وقد اعتبرت محكمة النقض في أحد قراراته أن ” الفصل 63 من قانون المسطرة المدنية يكتسي صبغة آمرة ويتعلق بحقوق الدفاع  يجب احترامه مهما كانت طبيعة الخبرة، ولهذا تكون المحكمة قد خرقت النص المذكور عندما بررت عدم استدعاء الأطراف لحضور الخبرة الطبية بكونه شخصا عاديا لا يمكن له القيام بأي دور في موضوع الخبرة التي تستند على معلومات وأجهزة طبية هي في متناول الخبير وحده”[30].
وحتى يضفي مشرع قانون المسطرة المدنية المزيد من الضمانات القانونية لفائدة الطرفين نص على إمكانية سلوك مسطرة تجريح الخبير إذا توفرت شروطها، حيث خول الفصل 62 من ق م م هذا الحق لمن له المصلحة في تقديم طلب التجريح، وحدد الأمد الزمني للبت في هذا الطلب، بحيث يتعين تقديمه داخل أجل خمسة أيام من تاريخ تبليغ المقرر القضائي بتعين الخبير، وتبث المحكمة فيه داخل خمسة أيام من تاريخ تقديمه، ولا يقبل هذا المقرر أي طعن إلا مع الحكم البات في الجوهر[31]، وفي ذلك ضمانة قوية لحقوق الدفاع المقررة لأطراف النزاع بغية المحافظة على مصالحهم وصيانتها من احتمال غياب عنصر الحياد لدى الخبير، أو عدم أهليته التقنية لمباشرة المهمة المنوطة به، فتجريح الخبير المقصود به تنحيه عن المهمة التي أنتدب إليها، حتى يأتي رأيه بعيدا عن مظنة التحيز ومحاباة خصم على حساب خصم آخر، وبعيدا أيضا عن دافع الحقد أو الانتقام لكي تكون خبرته موضع طمأنينة للخصوم وللمحكمة كذلك عند الاستعانة بها، وعموما فقد حدد قانون المسطرة المدنية حالات التجريج على سبيل الحصر وهي[32]:
·       إذا كان بينه وبين أحد أطراف الدعوى نزاع.
·       إذا عين لإنجاز الخبرة في غير مجال اختصاصه.
·       إذا سبق للخبير القضائي أن أدلى برأيه أو بشهادة في موضوع النزاع.
·       إذا كان الخبير القضائي في مركز إستشاري لأحد أطراف النزاع.
·       إذا كان هناك سبب خطير آخر يعهد بتقدير قيمته لمحكمة الموضوع.

ونرى أنه من خلال هذه الصياغة يكون المشرع قد تجاوز بعض الملاحظات التي وجهت للمادة 62 من قانون المسطرة المدنية قبل التعديل

مشاركة