الرئيسية آراء وأقلام الحركة الحقوقية وهيمنة الفعل السياسي الحزبي على الحقوقي

الحركة الحقوقية وهيمنة الفعل السياسي الحزبي على الحقوقي

IMG 20190805 WA0000.jpg
كتبه كتب في 5 أغسطس، 2019 - 12:08 صباحًا


بقلم : محمد ناعم

نشأت جمعيات ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية لحقوق الإنسان في المغرب وارتبطت منذ بدايتها بتنظيمات سياسية، حيث كانت ولادتها الأولى من رحم الأحزاب السياسية الكبرى في بداية السبعينيات من القرن الماضي، فبتاريخ 11ماي من سنة 1972 نشأ أول تنظيم حقوقي يختص بالدفاع عن حقوق الإنسان وهو ”العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان” بقرار سياسي من حزب الاستقلال، إذ أن أغلب الأعضاء المؤسسين كانوا من هذا الحزب بالإضافة إلى مجموعة من العناصر ” اليسارية ” التي كانت آنذاك أعضاء ناشطة في لجنة مناهضة القمع. وقد تركز نشاط العصبة حتى بداية الثمانينات على القضايا ذات الطابع السياسي أكثر منه حقوقي، وكانت أهم انجازات العصبة في هذا الجانب ما قامت به من دفاع عن ملف المعتقلين السياسيين بالرغم ما طال هذا الملف من بعض التمييز في التركيز أحيانا على المطالبة بالإفراج عن معتقلين سياسيين تبعا للانتماء السياسي المهيمن على هذا التنظيم دون غيرهم، في فترة زمنية حارقة ونظام حكم شمولي.
كما أن تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بتاريخ 28 يونيو من سنة 1979 جاء بمبادرة واقتراح من لجنة مصغرة تضم أعضاء لجنة الحريات بحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ومن بعض العناصر القلائل الذين تم اختيارهم بشكل فردي من حزب الاستقلال وحزب التقدم والاشتراكية ( الحزب الشيوعي سابقا ) ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وبعض الشخصيات لا انتماء حزبي لها ، مما سمح لهيمنة مطلقة وواسعة لأعضاء حزب لاتحاد الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سواء في المؤتمر التأسيسي للجمعية أو فيما أصبح يتعلق لاحقا بإدارة وقيادة الجمعية أو بتوجهاتها ومواقفها، وهو نفس الأمر بالنسبة للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان مع حزب الاستقلال.
وبخصوص قضية هيمنة الفعل السياسي على الحقوقي يمكن أن نستشفها من بيانات الحركة الحقوقية في المغرب، أو من خلال الإشارات الواردة في مقالات وكتابات بعض رموز الحركة الحقوقية التي تروم نحو تأريخ لدينامية هذه الحركة وتحدياتها، وما أنجزته منذ الاستقلال إلى اليوم. وقد سبق إثارة ومناقشة هذا القضية في مجموعة من اللقاءات والمناظرات التي نظمتها جمعيات ومنظمات ناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية بشكل محتشم، لكن بنوع من التفصيل والجرأة كان حاضرا في الجزء الأول والثاني من المائدة المستديرة ، المنظمة من طرف مؤسسة الأستاذ المرحوم إدريس بنزكري (ندوة ماي 2010 بالرباط وندوة دجنبر 2010 بمراكش) حول موضوع: أية أجندة للحركة الحقوقية بالمغرب ؟، وأشارت أمينة بوعياش، رئيسة المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سابقا، وكانت أول المتدخلين في هذه الندوة، “واختارت الانطلاق من فكرتين اثنتين أولهما أن ارتباط النضال من أجل حقوق الإنسان والديمقراطية متداخل ومعقد في ارتباط بالحركة السياسية، وثانيهما أن الانشغال وهاجس التأسيس لا زال حاضر في انشغالات الجمعيات وعملها، وأحيانا يتم الالتقاء فيما بينها حول نفس الإطار العام ” الذي يحيل إلى المهام الأساسية كما هي متعارف عليها دوليا، الحماية التي تعني العديد من العمليات الآنية في فترات وجيزة ولها أشكال أدوات. والنهوض الذي يتم على المدى الطويل لارتباطه بتغيير السلوكيات والعقليات. وأضافت بوعياش فكرة أخرى مفادها: أن المنظمات غير الحكومية المغربية ارتبطت نشأتها بمنظمات سياسية معارضة، وجاءت هياكلها التنظيمية مطابقة لهياكل المنظمات السياسية وأن عملها كان منصبا على دعم ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان”.(1)
“المنظمات الحقوقية انخرطت بشكل أساسي في الشأن العام الوطني وتقاطعت أنشطتها مع الفاعل السياسي، علما أنها )المنظمات غير الحكومية( لا تعمل من أجل السلطة السياسية، ولا تدعم طرفا ضد طرف آخر، وإنما عبرت عن أنها لا تملك القدرة على تغيير وضع الانتهاكات، وأنها تعتمد بالأساس على قيم حقوق الإنسان والديمقراطية ونشرها من خلال التقارير « ” (2)
و أشار محمد الصبار، الذي كان يشغل مهمة رئيس المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف سابقا، بأن الحركة الحقوقية المغربية التي ظهرت مع جمعيات ومنظمات ناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية والفعل الحقوقي المغربي ولدت ” من رحم الحركة السياسية، و أساسا المعارضة المغربية، تم انتعشت الحركة منذ انهيار جدار برلين وما يسمى التيه الإيديولوجي وبدأت الحركة السياسية تنهل من المعجم الحقوقي من باب الاستنجاد ولاحظ الصبار أن هذه النشأة خلقت تداعيات أهمها تماثل الفعل الحقوقي بالسياسي من حيث الخطاب، و أحيانا على مستوى الآليات المعتمدة في العمل الحقوقي، ربما لفقر في المعرفة والتأصيل الحقوقي.
ويبدو ذلك من الخلط بين آليات الفعل الحقوقي و السياسي، وعدم إدراك ميكانزمات العمل داخل الجمعيات الحقوقية التي نشأ أغلبها منذ منتصف القرن الماضي ، و بذلك اقتصرت الجمعيات الحقوقية على تسجيل المواقف، ولم تتمكن من استعمال الآليات المعرفية في الرصد والمتابعة والاقتراح لتطوير الفعل الحقوقي.” (3)
وعن علاقة الفاعل الحقوقي بالفاعل السياسي الحزبي أشار السيد حسن طارق الناشط الحقوقي وعضو حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في هذا الإطار بأن هناك ” عددا من الأفكار، أولها يتعلق باستقلالية الفاعل الحقوقي، حيث تعيش الحركة الحقوقية لحظة تعزيز الانتقال الكامل كفاعل مدني. ذلك أن انطلاق الحركة للدفاع عن الذات تم في البداية في حضن الأحزاب.
” هذا اللقاء الذي كان حينذاك، تاكتيكيا سيورط الفاعل السياسي، بشكل إيجابي، في خطاب الفاعل الحقوقي، سيساهم في تأصيل هذا الخطاب، ولم يكن الأمر تعبيرا عن أزمة إيديولوجي. ودعا طارق إلى تعضيد وتوسيع هذا المشترك الإنساني، والانخراط في القيم الكونية والعمل المشترك في كل الجوانب ، إضافة إلى تعضيد سيرورة المطالبة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية مع الحقوق السياسية التي بدأت فعلا”.(4)
وانطلاقا من هذه الشهادات السابقة لبعض رموز الحركة الحقوقية، وبالرجوع إلى تاريخ الأحزاب السياسية المغربية، نجد أنها أسست لنفسها هيئات حقوقية تتابع من خلالها ملفات حقوق الإنسان، و تدافع عن معتقليها باعتبارهم سجناء الرأي، وبذلك أصبح الفعل الحقوقي لدى هذه الهيئات جزءا ملحقاً بالفعل السياسي الحزبي ، وأصبح الفاعل السياسي ناشطا حقوقيا كلما تطلب منه الأمر، فهو يقوم بالمهمّتين معا وفي نفس الوقت فالانتماء السياسي لنشطاء حقوق الإنسان جعلهم متماهين في أنشاطتهم وبرامجهم مع اهتمامات الأحزاب التي كانت تنحصر بصورة رئيسية في ضمان موقع تنافسي قوي على الساحة السياسية يضمن ربح عدد كاف من أصوات الناخبين يوصل إلى السلطة أو البرلمان، أكثر من تماهيهم مع اهتمامات جمعياتهم ومنظماتهم المدافعة والناشطة في مجال حقوق الإنسان، لذلك نجد أن جل تدخلاتهم وأنشطتهم على الساحة الوطنية والدولية لا تخرج عن قضايا التنمية السياسية وحقوق الإنسان وتمكين المرأة، واختزال الحقوق العامة في أبعادها السياسية .
وفي الجانب الآخر نجد أن مجموعة من المعارضين السياسيين التحفوا بغطاء النشطاء الحقوقيين بغية الحصول على مكاسب شخصية أو حزبية، وحصل لديهم خلط بين السياسي والحقوقي، الأمر الذي كان سببا في ريبة وتوجس الحكومات من النشطاء الحقوقيين حيث سارعت أجهزتها إلى تطويقهم أو التضييق عليهم أو احتوائهم أو ترويضهم ، مما انعكس سلبا على المعركة الحقوقية وعلى الجمعيات والمنظمات الناشطة في مجال الحقوق والحريات الأساسية.
وإذا كانت بعض من هذه الجمعيات والمنظمات فشلت في محاولة فصل حقوق الإنسان عن السياسة في بعدها الحزبي نظرا لعلاقتهما المتداخلة التي أصبحت أمرا واقعا لا فكاك منه عند الكثير منها ، فهناك من يعتبر أن هذا التداخل منطقي نظرا للسياق الذي فرض ذلك .
وكل هذا حال دون قدرة الجمعيات والمنظمات الحقوقية من تخريج دفعات من النشطاء والفاعلين الحقوقيين المدربين والمؤهلين، لكنها استطاعت تخريج نشطاء سياسيين حزبيين بوجه حقوقي، مما يؤكد وجود مشكلة حقيقية لدى الجمعيات والمنظمات والحركة الحقوقية بصفة عامة، تكمن في النقص الحاصل في التدريب والتأهيل بالدرجة الأولى، علاوة على أسباب أخرى تتمثل في تأثيرات السياقات المجتمعية والأنظمة السياسية الشمولية الحاكمة التي تحد من فاعلية ومساحة تحرك الجمعيات والمنظمات، مما قادها إلى استقطاب نخبة من المثقفين دخلوا المجال الحقوقي من الباب السياسي والحزبي، وفي الجانب الآخر كان لقوة السياسة الحزبية وجاذبيتهما وتأثيراتهما دورا أساسيا في انصهار فئة أخرى من الناشطين الحقوقيين معها بوعي منهم أو بغير وعي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ العدد ما قبل الأول من مجلة دفاتر حقوق الإنسان بالمغرب / مؤسسة ادريس بنزكري / تقرير عن أشغال المائدة المستديرة حول موضوع: أية أجندة للحركة الحقوقية بالمغرب ، ص 19 .
2 ـ نفس المصدر السابق ص19 .
3 ـ نفس المصدر السابق ص 20.
4 ـ نفس المصدر السابق ص24 .

مشاركة