من إعداد: العربي لطفي
طالب باحث بسلك الدكتوراه
محام بهيئة المحامين بالرباط
انطلاقا من كون أن حق الدفاع هو حق دستوري وكوني، فإنه يشكل ركيزة أساسية للبت في القضايا داخل آجال معقولة، باعتبار أنه يقيد القاضي بمراقبة أن الزمن الإجرائي لكل قضية قد احترم ممارسة حق الدفاع بشكل فعال، وعليه فإنه جزء من الحق في الحصول على حكم قضائي داخل أجل معقول.
ويكون الحكم القضائي هو ثمرة مجموعة من الإجراءات التي ينبغي أن تصان فيها حق الدفاع لحسن سير العدالة والوصول الى الحقيقة باحترام شروط المحاكمة العادلة.
و ذلك تماشيا مع المقتضيات الدستورية التي أكدت على المبدأ العام لربط المسؤولية بالمحاسبة الفصل 1 من الدستور، ولكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول الفصل 120 من الدستور المغربي[1].
وتنزيلا للمبادئ الدستورية فقد شكل الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة لبنة أساسية وخريطة الطريق من أجل الارتقاء بمنظومة العدالة، وجاء في الخطاب الملكي لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره بمناسبة تنصيب أعضاء الهيئة العليا للحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة ب 8 مايو 2012..” قد حرصنا على تتويج هذا المسار الإصلاحي بمقتضيات الدستور الجديد للمملكة التي تنص على ضمان الملك لاستقلال القضاء وتكريس القضاء كسلطة مستقلة قائمة الذات عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإحداث المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية برئاستنا وبالنص على حقوق المتقاضين وقواعد سير العدالة ودور القضاء في حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم …”.
كما تضمن الميثاق الوطني لإصلاح العدالة من بين أهدافه في الهدف الفرعي الرابع البت في القضايا و تنفيد الأحكام خلال آجال معقولة[2].
وكل ذلك شكل أرضية تبرزأهميته” ، ورغم ذلك نسجل أنه لم يتم تفعيله وتنزيله بعد مضي ما يزيد عن 7سنوات من انطلاق ورش إصلاح منظومة العدالة.
إلا أننا شهدنا في الآونة الاخيرة مع الأوضاع الاستثنائية التي تعرفها بلادنا المتمثلة في جائحة كورنا و بعد توقف أكثر الجلسات بالمحاكم باستثناء جلسات قضايا الجنايات و الجنحية و المادة الاستعجالية، أن السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وجه مذكرة يطالب السادة رؤساء المحاكم بتهييئ القضايا لمرحلة ما بعد رفع حالة الطوارئ الصحية على ضرورة إصدار الأحكام العادلة داخل آجال معقولة تضمن الحقوق و تصون الحريات و تحقق الأمن القضائي و تكرس الثقة ، و يدعو فيها السادة القضاة بالإعداد المسبق لمشاريع الأحكام و القرارات بخصوص الملفات المعينين فيها ليتسنى البت فيها في أقرب الآجال….”
وهذا يدفع بنا لطرح مجموعة من التساؤلات حول كيف سيتم إعداد مسبق لمشاريع أحكام في ظل توقف تام للجلسات داخل المحاكم؟ هل يمكن تحقيق الأمن القضائي والأحكام العادلة دون مذكرات الأطراف وأوجه دفاعهم؟ هل سيتم البت في القضايا داخل آجال معقولة في غياب تام لمتطلبات هذا المبدأ ومحدداته في الحالة العادية؟ فكيف سيتحقق ذلك في ظل هذه الظروف الاستثنائية؟
كان بالأحرى تفعيل تقنيات التواصل بين هيئة الدفاع والمحاكم من أجل تبادل المذكرات وأوجه الدفاع لربح الوقت ومواجهة الوضعية الراهنة والوقوف على أهمية التقاضي عن بعد وإيجاد الحلول والحفاظ على حق الدفاع للمتقاضين لحسن سير العدالة في بلادنا لأن العبرة بجودة الأحكام أي بالكيف وليس بالكم.
وعلى ضوء ما سبق يحق لنا طرح السؤال المحوري حول مكانة حق الدفاع من البث في القضايا داخل آجال معقولة لحسن سير العدالة؟
وعليه سنجيب عن ذلك وفق ما يلي:
المحور الأول: الإطار التشريعي للبت في القضايا داخل آجال معقولة وأسسه.
وسنتناول هذا المحور من خلال نقطتين الإطار التشريعي على المستوى الوطني والدولي أولا، ثم ثانيا الأسس المعتمدة للبت في القضايا داخل آجال معقولة من خلال المعايير المحددة له.
النقطة الأولى: الإطار التشريعي على المستوى الوطني والدولي:
- على مستوى التشريع الوطني:
فمن خلال الدستور يجد أساسه في المادة 1 من الدستور والمادة 120 وفق ما بيناه أعلاه.
وفي القوانين نجد القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة في المادة 45 منه التي نصت أنه ” يحرص القاضي على البت في القضايا داخل أجل معقول، مع مراعاة الآجال المحددة بمقتضى نصوص خاصة”.
والمادة 97 منه ” يمكن توقيف القاضي حالا عن مزاولة مهامه إذا توبع جنائيا أو ارتكب خطأ جسيما و يعد خطأ جسيما:
- …….
- الإهمال أو التأخير غير المبرر والمتكرر في بدء أو إنجاز مسطرة ….”
كما جاء في المادة 75 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية: ” يراعي المجلس عند ترقية القضاة…الحرص على إصدار الأحكام في أجل معقول”.
- على المستوى التشريعات المقارنة:
- العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية في المادة 9 منه “.. يقدم الموقوف أو المعتقل بتهمة جزائية، سريعا الى أحد القضاة أو أحد الموظفين المخولين قانونا مباشرة الوظائف القضائية، ويكون من حقه أن يحاكم خلال مهلة معقولة أو أن يفرج عنه”
كما جاء في المادة 14 منه ” لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية خلال مدة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة وغير منحازة ومشكلة طبقا للقانون…”
- الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية في الفصل 6 منها ” لكل شخص الحق في أن تسمع دعواه هيئة محكمة بصورة عادلة وعلنية خلال مهلة معقولة”.
- الاتفاقية الأمريكية لحقوق الانسان في المادة 8 منها” لكل شخص الحق في محاكمة تتوفر فيها الضمانات الكافية خلال مدة زمنية معقولة أمام محكمة مستقلة وغير منحازة ومشكلة طبقا للقانون..”
- القانون الفرنسي يحيل على مقتضيات الفصل 6 من الاتفاقية الأوربية لحماية حقوق الانسان والحريات الأساسية المشار إليها أعلاه بناء على مبدأ سمو الاتفاقيات الدولية على التشريعات الوطنية.
النقطة الثانية: معايير البت في القضايا داخل آجال معقولة
من الأمور المتعارف عليها أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة مهما كانت التهم المنسوبة إليه في أجل معقول باحترام حقوق الدفاع.
وعليه فإن المعايير المحددة للبت في القضايا داخل آجال معقولة هي:
أولا تعقيدات القضية la complexité de l affaireحيث عندما نكون أمام قضية معقدة وصعبة يمكن أن تأخذ مدة أطول للوصول للحقيقة.
ثانيا قضية النزاع l enjeu du litige الفائدة القابلة للتقاضي التي تعتمد على نتيجة الإجراءات القضائية في آجال معقولة.
ثالثا تقدير السلوك l appréciations des comportements من خلال مراقبة القاضي الآجال المعقولة للإجراءات بما يسمح بممارسة حقوق الدفاع بشكل فعال[3].
و يستفاد من هذه المعايير أنه ينبغي الاحترام تام لحقوق الدفاع في سائر الإجراءات بكيفية يتم فيها توفير دفاع جيد و فعال لتحقيق الغاية من العدالة و هي الوصول للحقيقة و حماية الحقوق و الحريات.
المحور الثاني: واقع البث في القضايا داخل آجال معقولة وآفاقه
سنتحدث عن ذلك بإبراز أهم أسباب بطء العدالة أولا، ثم ثانيا عن وسائل علاجها من أجل حسن سيرها وخدمة المتقاضين.
النقطة الأولى: معيقات البت في القضايا داخل آجال معقولة.
تعد من بين أهم أسباب بطء العدالة هي الزيادة في عدد القضايا بشكل مستمر[4]، وتعقيد الإجراءات واتجاه الأطراف للحل القضائي أكثر من اللجوء للوسائل البديلة لحل النزاعات، وظاهرة التقاضي بسوء نية لغرض إطالة نزاع، وعدم تحيين المساطر المدنية والجنائية بشكل مستمر لمواكبة التطورات التي يعرفها المجتمع، والصعوبة في التواصل بين المتدخلين في منظومة العدالة، وقلة الاستعمال للوسائل الحديثة و التأخير في طبع الأحكام و تسليم النسخ منها…
النقطة الثانية: متطلبات البت في القضايا داخل آجال معقولة.
لا بد لنا هنا قبل الحديث عن الإصلاحات اللوجستيكية والموارد البشرية وتحسين ظروف الاشتغال للمحاكم التي هي في تطور مستمر منذ بداية ورش إصلاح العدالة حسب مجموعة من الإصلاحات فإن ذلك كان وما زال مثار نقاش هل هي كافية أم لا؟ هذا النقاش لا أريد الخوض فيه، بل يتعين الحسم في هذا الأمر وتوفير كل الإمكانيات في حالة عدم كفايتها.
أما فيما يخص مراجعة القوانين الإجرائية ولا سيما قانوني المسطرة المدنية والمسطرة الجنائية بما يساهم بتبسيط وتسريع إجراءات البت في القضايا فإن هذا الأمر نستغرب عن سرعدم إخراجها للوجود وأن الضرورة تستدعي ترك كل المزايدات وإخراج هذه القوانين.
وينبغي كذلك توحيد إجراءات الحصول على الوثائق داخل المحاكم ووضع دلائل بخصوص المساطر الرائجة بالمحاكم والتسريع بطبع الأحكام أو نسخها.
وكما يتعين اعتماد على الإدارة الإلكترونية للقضايا لتسريع الإجراءات والمساطر القضائية من خلال حوسبة المساطر والإجراءات القضائية واعتماد نظام معلوماتي قائم على معايير موضوعية لضمان توزيع القضايا على القضاة بمجرد تسجيلها.
والاتجاه نحو اعتماد وسائل الاتصال الحديثة لضبط وتسريع إجراءات التبليغ وإحداث آلية لضبط العناوين من خلال سجل عام لعناوين السكان يعد من قبل القطاعات الحكومية المعنية لتجاوز صعوبات التبليغ.
وتطوير عمل اللجان الثلاثية المهنية المكونة على صعيد محاكم الاستئناف، بهدف النهوض بنجاعة الإدارة القضائية للمحاكم واجتماع الرؤساء الأولين والوكلاء العامين للملك والنقباء بانتظام[5].
وأن ضرورة معالجة البت في القضايا داخل آجال معقولة ستساهم في تحسين مكانة جهازنا القضائي باعتبار أن تقييم اللجنة الأوربية للنجاعة القضائية CEPEJ للأنظمة القضائية الأوربية يعتمد على آجال البت في القضايا[6].
و نستشف مما سبق أن الأمر يتطلب إشراك الهيئات المهنية
لهيئة الدفاع في هذا الورش باعتبار أن حق الدفاع من الأسس المحددة لمعايير البت في
القضايا داخل آجال و باعتبارها شريك أساسي في إنتاج العدالة، وكما أن الأمر يتطلب
أن تعمل كل من السلطتين التشريعية و
القضائية في تعاون فيما بينهما وفق مقاربة تشاركية لتنزيل كل متطلبات البت في
القضايا داخل آجال معقولة من خلال وضع
تصورات تشريعية على شكل مقترحات و مشاريع القوانين، والعمل على تحديد آجال البت في
القضايا تخضع لرقابة المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتمكين المتقاضين المتضررين
من التأخير الغير المبرر لقضاياهم من التعويض وفق ما سارت عليه التشريعات المقارنة
نذكر منها على سبيل المثال قانون التنظيم القضائي الفرنسي الذي جاء فيه بالمادة
l 141-1 على حق المتقاضي في الحصول من الدولة على
تعويض عن الأضرار الناتجة عن الأداء المختل للعدالة المدنية في حالات وجود خطأ جسيم،
ومنها التأخير الفاحش في إصدار الأحكام” ، وكل هذه النقط ستسهام بالارتقاء
بعدالتنا و خذمة المتقاضين و تحقيق حسن سير العدالة.
[1] دستور المملكة المغربية الفصلين 1 و 120 منه.
[2] الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ص 145.
[3] مقال منشور على الموقعwww.cabinetaci.com/delai raisonnable/
[4] nicolas braconnay.la justice et les institution juridictionnelles.2019.
[5] الميثاق الوطني لإصلاح منظومة العدالة، ص 146.
[6] ندوة حول البت في القضايا داخل آجال معقولة منشورة على الموقع justice.gov.ma، ص 10.