الرئيسية ثقافة وفنون إعصار تأملي جارف في “قلق الكتابة” للناقد المغربي محمد رمصيص

إعصار تأملي جارف في “قلق الكتابة” للناقد المغربي محمد رمصيص

FB IMG 1521628137101.jpg
كتبه كتب في 21 مارس، 2018 - 10:30 صباحًا

 

صوت العدالة – متابعة أدبية

 

في كتابه «قلق الكتابة… تأملات نقدية في الكتابة الأدبية» (طوب بريس- المغرب)، يعرّف الباحث المغربي محمد رمصيص قلق الكتابة بأنّه «حيرة فكرية وإعصار تأملي جارف، مخاض عسير مصحوب بأوجاع لا قرار لها». يعتبر أنّ هذا النوع من القلق يساعد على تحرير الذات الكاتبة، بمعنى التحرر مما تمثلته الأنا الكاتبة أثناء فعل الكتابة، وهو نفي للثوابت وانحياز للتجدد. بل يراه نبتة برية متوحشة تنمو بالضرورة خارج إيقاع الفصول والزمن الخطي. لهذا يعتبره الباحث في شكل مجازي لعباً جاداً مع الوعي بطبيعة الماضي والتاريخ والتراث، فهو يدفع المبدع إلى التمرّد على البقاء في سطوح الأشياء، ويدعوه إلى الغوص في الأعماق.

7fec5516adde4e9a80aeaade3f7a2168

يسرد الكاتب في مقدمته تجليات هذا القلق ومستوياته، ويميل إلى اعتباره قلقاً صحياً، فهو «حالة وجدانية وفكرية تضع الذات في حالة تأهب للانكتاب والتحقق بصرف النظر عن موضوعية ما تكتب مادامت الحقيقة ذاتية في الغالب وأجمل قوس قزح هو ما يكمن في أنظارنا لا ما في الطبيعة كما يقال». كما يرى رمصيص أن قلق الكتابة إعادة لترميم الذات، ومن ثم إعادة لترتيب العالم من جديد وفق رغبات جديدة ومختلفة، ويتساءل: «هل المتحقق من اللغة يسعف على ذلك؟ ألا نكون أضعنا الحقيقة عندما ابتكرنا اللغة كوسيط لامتلاك العالم أو على الأقل قوله؟ إن قلق الكتابة لا ينفك يجدد الأسئلة على الشاكلة التالية: لماذا نواصل الكتابة؟ هل لتحقيق حالة ارتواء وإشباع نفسي أم أن هذه مجرد أمنية مادام النقص والحاجة يدخلان في التركيبة الأنطولوجية للإنسان؛ وهل نكتب للإضاءة أم للتعمية؟ وهل نحن أحرار لحظة الكتابة أم مجبرون عليها؟ وهل تشكل الكتابة ذاكرة بديلة؟». ويرى الباحث أن مقاربته مفهوم الكتابة تشتبك مع مفاهيم جعلها في تقسيمه للكتاب فصولاً منفصلة. هي تشتبك مع مفهوم الموت، الصحراء، السجن، الحب، الحرب، الحلم، وعلاقة المرأة بالكتابة. لكنّ الباحث يؤكد أن ما يطرحه ليس هو المفهوم الأمثل ولا الفيصل في مقاربة هذا الموضوع، بل هو لا يقارب هذه المفاهيم في اشتباكها واختلافها بيقين، بقدر ما يسائلها ويطرحها على طاولة البحث، للاختلاف أو الاتفاق حولها.

وفي مقاربته علاقة الكتابة بالموت، يتساءل: هل يمكن أن يموت الكاتب؟ ويورد قولاً شائعاً إن الكتّاب لا يموتون؛ لأن ميراثهم الإبداعي الذي يتركونه يخلدهم، ويتأمل الموت من داخل الكتابة، ما يجعله أقل صدمة وإيلاماً؛ لأن عالم الأدب يمكِّننا من رسم شخصيات لا تخشى الموت، بل تعرف كيف تختار المنيّة التي تناسبها، وأخرى تختاره لغيرها. ثم يعرض رمصيص مفارقات الموت والكتابة، ويذكر أن إحدى مفارقات الموت أنه فردي وعام في الوقت ذاته، يعيشه كل فرد على حدة، ولكننا جميعاً نكتسب خبر الموت من خلال موت الآخرين. ومن أهم مفارقاته أنه ديموقراطي لا يفرق بين غني وفقير، ولا رجل وامرأة.

ثم يستجلي اختلاف تَمثُّل الموت باختلاف الأنساق الثقافية والمعتقدات وتاريخ الجماعات البشرية. ويعرض بعد ذلك بعض تجليات الموت في الشعر العربي، بداية من الوقوف على الأطلال، مستعرضاً نصوصاً شهيرة تعاملت مع الموت كموضوع إنساني بسيط وكتبته من دون معادلات فلسفية، منذ العصر الجاهلي وحتى الشعر الحديث.

ويعتبر المؤلف أنّ بين الكتابة والصحراء يوجد رابط طريف، وهو أنهما مجالان شاسعان يصعب ارتيادهما من دون دليل، «فدخولهما كالخروج إلى رحلة صيد إن لم تتوافر لك العدة اللازمة قد تجد هلاكك في أول منعطف. يتشابهان في القسوة والتمنع والهبة والبهاء، فقسوة المكان توازيها برود بياض الورق وحياديتها القاتلة». ويؤكد أن تفاعل الإنسان مع الصحراء كمجال أنتج لنا ثقافة ومعارف شديدة الخصوصية، ما أهلها لأن تصبح منبعاً للتصوف، كما أنتجت شعر «التبراع»، وفيه تتغزل المرأة بالرجل مخلخلة ضوابط بداوة مجتمع الصحراء وتقاليده وعاداته. ويؤكد رمصيص أن الصحراء كمجال للكتابة تتلون بجنس الكاتب، إذ إن كتابات المرأة غير كتابة الرجل، كما أن الجنس الأدبي يفرض نفسه لحظة انكتاب الصحراء، مستشهداً بروايات إبراهيم الكوني وعبد الرحمن منيف، وغيرهما. وقد أثّرت الصحراء في لغة كتابها، فهي ـ وفق الباحث ـ «أنتجت لغة لعوباً وخطاباً ماكراً هدفه التقليل من سطوة المنطق الذكوري على مستوى التسمية مثلاً؛ ونحن نعلم ما للاسم من سلطة على الوجدان والمعيش الفردي والجماعي».

يتحدث الباحث أيضاً عن علاقة الكتابة بالسجن، مستعرضاً تاريخ أدب السجون المغربي، ومراحل تطوره، وبعض النماذج التي اتخذت من السجون مكاناً لها. يحكي عن الكتابة السجنية، التي تشمل الكتابة في السجن وعن السجن، كما يتحدث عن اشتراطات الكتابة السجنية ومدى نجاح الكاتب أو فشله في تصوير هذه الأجواء. ويذكر مصيص نماذج من أدب السجون لكتّاب اليسار المغربي. ويخلص إلى أن الكتابة عن السجن تعد سلطة مضادة للسجّان، فإذا كان الجلّاد يحاول طمس معالم جريمته، فبالكتابة يحاول المعتقَل التذكير بها والتنصيص على حجم تجاوزات السلطة.

وفي حديثه عن المرأة والكتابة، يتوقف عند خصوصية الكتابة النسائية، وعلاقة المرأة باللغة، مستعرضاً مواضع تحيز اللغة العربية ضد النساء، وكيف أن الوعي الذكوري ينتج لغة ذكورية تهمش النساء. ويستعرض رحلة المرأة نحو الكتابة، والخطاب النسوي الذي يمكن أن تنتجه المرأة الكاتبة. وأخيراً، يتوقف في فصل «الكتابة عن الذات» عند روافد السيرة الذاتية، وأسئلة الذات القلقة. ولعلّ هذا الفصل تأخّر كثيراً في ترتيبه، بحيث كان من الأجدر أن يأتي عقب المقدمة الطويلة عن قلق الكتابة مباشرة.

عن الحياة اللندنية

مشاركة