الرئيسية غير مصنف إشكالية مقاضاة الدولة لنفسها امام القضاء

إشكالية مقاضاة الدولة لنفسها امام القضاء

IMG 20190713 WA0073
كتبه كتب في 13 يوليو، 2019 - 1:41 صباحًا

ساتيفي- د. العربي محمد مياد
عن مكتب الرباط

ظاهرة غريبة تلك التي تعرض أمام القضاء المغربي وتتمثل في تنازع مصالح إدارية فيما بينها حول ملكية بعض العقارات التابعة للدولة ، فتجد وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك تتدافع مع وزارة الاقتصاد والمالية، وتجد هاته الأخير ة تتدافع مع المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر ، وتجد كل هؤلاء يتقاضون مع مؤسسات عمومية تابعة للدولة ، أو تحت وصايتها ، لدرجة أن هذا الأمر أصبح هو القاعدة ، ويعتقد كل مسؤول إداري في مديرية تابعة لأحد المرافق الإدارية أنه على حق وأنه من مهامه الدفاع عن حقوق الدولة ولو ضد نفسها، ويتناسى ان الدولة هي شخصية معنوية عامة ووحدة وحيدة غير مجزأة ، وأن جميع المسؤولين والأطر الإدارية تعمل تحت إشراف وتسيير وتدبير رئيس الحكومة، طبقا لمقتضيات الفصل 90 من الدستور ، الذي ينص على أنه تعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها ، على تنفيذ البرنامج الحكومي وعلى ضمان تنفيذ القوانين ، والإدارة موضوعة تحت تصرفها ، كما تمارس الإشراف والوصاية على المؤسسات والمقاولات العمومية.

وهذا يعني أن رئيس الحكومة هو المشرف الفعلي على كل تصرفات الإدارة سواء تعلقت بالتدبير أو التسيير أو النزاعات. وهو بهذه الصفة يمارس السلطة التنفيذية بكل اختصاصاتها، وهي إحدى سلط الدولة إلى جانب السلطة القضائية والتشريعية.

ناهيك عن أن الفصل 515 من قانون المسطرة المدنية جعل الأصل في التقاضي نيابة عن الدولة منحصر في شخص رئيس الحكومة، والباقي استثناء.
وفي غياب احصائيات دقيقة عن عدد الملفات المتعلقة بالنزاعات التي يكون أطرافها الدولة بمكوناتها، نقول بأن الوكالة القضائية للمملكة تجد نفسها مختصة للترافع ضد هذا وذاك نيابة عن المرافق الإدارية المتنازعة استنادا إلى ظهير 1953 وكذا المرسوم المنظم لوزارة الاقتصاد والمالية لسنة 2008، والمستفيد من هذا التضارب هو الشخص العادي ولا سيما المتقاضي بسوء نية.
هذا ما دفع الوزير الأول (رئيس الحكومة)إلى اصدار المنشور رقم4/2002 بتاريخ 27 مارس 2002 في موضوع مقاضاة الوزارات والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية فيما بينها أمام المحاكم ، حث فيها أعضاء الحكومة ومديري المؤسسات العمومية على العمل قدر المستطاع على حل النزاعات فيما بينها عن طريق التفاوض والتوافق للوصول إلى حلول رضائية، مما يصبح معه اللجوء إلى المحاكم غير ذي موضوع . وعند استحالة نجاح هذا المسعى يرفع الأمر إلى الوزير الأول (رئيس الحكومة ) بهدف تقريب وجهات النظر بين الأطراف والقيام عند الضرورة بدور الحكم والفصل النهائي في النزاع .

أما بخصوص الجماعات الترابية فقد أهاب الوزير الأول(رئيس الحكومة) برؤساء الجماعات الترابية بأن يعملوا في حالة قيام نزاع بين الإدارات التي يشرفون عليها ، وعند استحالة الوصول إلى حي توافقي ، على رفع الأمر إلى الوزارة الوصية قصد القيام بنفس المهمة في إطار الوساطة والتحكيم ، تحقيقا للصالح العام.

غير أن السواد الأعظم من المشرفين على الإدارات العمومية والترابية، لم تستوعبوا بعد هاته الفلسفة، إلا استثناء و بشكل محتشم،وذلك بإبرام اتفاقيات ثنائية لحل النزاعات بطرق حبية، أو عن طريق عدم الطعن ضد الأحكام الابتدائية الصادرة ضد المصالح التابعة لها .

ولا ريب أن هذا الموقف السلبي للإدارة لا يلقى استحسنا من طرف جانب من القضاء ، نظرا لأن الملفات المحالة عليه تتعلق في جلها بنزاعات التحفيظ العقاري أو دعاوى الاستحقاق أطرافها مصالح الدولة، حتى أن بعض مطالب التحفيظ تودع مثلا من طرف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على أساس الحيازة ، وتنازعها وزارة أخرى في هاته الحيازة المكسبة ، والحال أن الأوقاف تتم بالوقف أو المعاوضة أو الهبة وليس بالحيازة المكسبة ، وإذا تعلق الأمر بأراض الموات تدخلت مديرية أملاك الدولة استنادا إلى مدونة الحقوق العينية.
وفي هذا الإطار أصدر رئيس المحكمة الإدارية بمراكش الأستاذ الفقيه جعفر حسون أمرا قضائيا تحت عدد 85 بتاريخ 28 يوليوز 2009 في الملف رقم 09.1.69 تكفل موقع العلوم القانونية بنشره ، ومؤدى هذا الأمر أنه من غير المقبول أن تقاضي الدولة نفسها أمام قضائها بخصوص نزاع بين مرفقين حكوميين من مرافقها، كما أنه من غير المقبول أن يقاضي الشخص بنفسه ، وأن مثل هذه النزاعات بين المرافق الإدارية والقطاعات الحكومية التابعة للدولة لا بد أن تجد لها آليات وإجراءات للحل خارج النزاع القضائي بالاحتكام إلى الأجهزة العليا بما فيها المجالس الحكومية أو الوزارية عند الاقتضاء مما يتعين التصريح بعدم قبول الطلب شكلا .

ولا شك أن هذا الأمر القضائي يؤسس لأخلاقيات جديدة يتعين على الإدارة التحلي بها ، تتمثل في القطع مع الأنانية وتبشر بعهد جديد في التسيير ، ذلك أن بعض الموظفين العموميين يعتقدون أنهم يسيرون ضيعاهم بالطريقة التي يرتضونها دون الالتفات إلى أنهم فقط يسيرون قطاعا عاما تحت أعين الدولة ومراقبة المواطنون، وهذا ما يفسر حجم النزاعات القضائية المعروضة امام القضاء وكذلك تلك غير المنفذة لصالح الدولة ضد نفسها ولا سيما في مجال الاعتداء المادي ضد أراضي الأحباس وغيرها.

أمام هاته المعطيات وللتذكير فقد تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب بمقترح قانون حول هيأة قضايا الدولة يعهد إليها بالتحكيم والتقاضي باسم الأشخاص العامة وغير ذلك، إلا ان هذا المقترح تم إقباره حسب علمي لأسباب سياسية أكثر منه قانونية وإلا لماذا تعمل بمقتضاها بعض الدول القريبة من النظام القضائي المغربي كمصر ولبنان وغيرها . ناهيك عن أن وزير الاقتصاد والمالية المقال لم يكن متحمسا للمقترح قانون بحكم إشرافه المباشر على الوكالة القضائية للمملكة التي تحولت بقدرة قادر من ملحقة إدارية إلى محامي الدولة مدعية كانت أو مظلومة ، والحال أنه كان من المفترض أن تكون الناصح الأمين للمسؤولين الوزاريين وكبار الإداريين.
لذلك فإن السلطة التشريعية مدعوة إلى التدخل عن عجل من أجل مناقشة هذا المقترح قانون وتجويده قبل التصويت عليه ، لما في ذلك من مصلحة عامة .

مشاركة