أهميَّة الأمن في حياة الفرد والمجتمع..

نشر في: آخر تحديث:

علي الذهبي، واعظ و مرشد و خطيب جمعة

هنالك نعمة لا يستطيع فردٌ أو أسرةٌ، أو بلد أو أمَّة أن تعيشَ بدونها، نعمةٌ لا يهنأ العيش بدونها، ولا يقرُّ قرارٌ عند فَقْدها، إنها النِّعمة التي يبحَثُ عنها الكثير، المسلم وغير المسلم، الصغير والكبير، الغني والفقير، إنها نعمة الأمن والأمان.

هذه النعمة امتنَّ الله بها على قريش حين أعرضوا عن دِين محمد صلَّى الله عليه وسلَّم فقال سبحانه: ﴿ أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ وذكرهم بأحوال الذين فقَدُوها من حولهم؛ فقال – عزَّ مِن قائل -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ… ﴾، ثم جعلها لعظمها داعيًا لهم إلى الإيمان؛ فقال – جلَّ ذِكرُه -: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ

وحين خاطب المولى سبحانه صحابةَ نبيِّه صلَّى الله عليه وسلَّم ذكَّرهم أيضًا وامتنَّ عليهم بنصره لهم وإيوائه: ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾.

إنَّ مِن أعظم نِعَمِ الله عزَّ وجلَّ على بني الإنسان – بعد نعمة الدِّين والإسلام – نعمة الأمن والاستقرار.

إنَّ حاجة الإنسان للأمن والاطمئنان كحاجته إلى الطعام والشراب والعافية للأبدان، كيف لا وقد جاء الأمنُ في القرآن والسنة مَقرُونًا بالطعام الذي لا حياة للإنسان ولا بقاء له بدونه؟! وقد امتنَّ الله به على عباده، وأمرهم أنْ يَشكُروا هذه النِّعَم بإخلاص العبادة له؛ فقال تعالى: ﴿ فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ وقال تعالى في الوعد بحسن الجزاء وعظيم المثوبة للمؤمنين: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾

إذا عَمَّ الأمنُ البلادَ، وألقى بظلِّه على الناس، أَمِنَ الناس على دينهم، وأَمِنَ الناس على أنفسهم، وأَمِنَ الناس على عقولهم، وأمِنُوا على أموالهم وأعراضهم ومحارمهم، ولو كتَب الله الأمن على أهل بلد من البلاد، سارَ الناس ليلاً ونهارًا لا يخشَوْن إلا الله.

وفي رِحاب الأمن وظلِّه تعمُّ الطمأنينة النُّفوس، ويسودُها الهُدُوء، وتعمُّها السعادة؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: ((مَن أصبح آمنًا في سِرْبِه، مُعافًى في جسده، عنده قوتُ يومه – فكأنما حِيزَتْ له الدُّنيا بحذَافِيرها)).

إِذَا اجْتَمَعَ الإِسْلاَمُ وَالقُوتُ لِلْفَتَى
وَكَانَ صَحِيحًا جِسْمُهُ وَهْوَ فِي أَمْنِ
فَقَدْ مَلَكَ الدُّنْيَا جَمِيعًا وَحَازَهَا
وَحَقٌّ عَلَيْهِ الشُّكْرُ للهِ ذِي الْمَنِّ

والناس في هذه الحياة لهم مَآربُ شتَّى، وأحوالٌ متعدِّدة، تختلف أديانهم وتوجُّهاتهم، وتختلف رغباتهم، إلا أنَّ هناك أمورًا هم جميعًا مُجمِعون على طلبها والبحث عنها، بل هي غاية كثيرٍ منهم، ويظهر هذا الأمر جليًّا وواضحًا في المطلب الذي يُكابِد من أجله شعوبٌ، ويسعى لتحقيقه فئامٌ كثيرون، إنَّه الأمن على النفس والمال والولد.

الأمن في الأوطان مطلب الكثير من الناس، بل هو مطلب العالم بأَسْرِه، حياةٌ بلا أمن لا تساوي شيئًا، كيف يعيش المرء في حالةٍ لا يأمن فيها على نفسه حتى من أقرب الناس إليه؟! خوف وذعر وهلع وترقُّب وانتظارٌ للغد، لا يفكر الإنسان في شيءٍ إلاَّ في حاله اليوم، ليس عنده تفكيرٌ في مستقبل، وما كان ذلك إلاَّ بسبب فقدان الامن

اقرأ أيضاً: