بقلم عزيز بنحريميدة
أن تكون قاضياً أو نائب وكيل الملك، فذلك يعني أن تمارس سلطة تُلامس المصير البشري، أن تُقرر – بحروف من توقيعك – مصير إنسان، أن تُصدر أوامر بالاعتقال باسم القانون، دون أن يخطر ببالك يوماً أن تدور الدائرة… وأن تكون أنت من تقف في قفص الاتهام.
لحظة لا توصف. لحظة صدور أمر بالمتابعة في حالة اعتقال ضدك، وأنت رجل قانون، لا تُشبه أي لحظة أخرى. ليس فقط لأنها تسلبك حريتك، ولكن لأنها تقتلعك من موقع اليقين إلى هاوية الشك، من موقع الآمر إلى موقع المأمور. في تلك اللحظة المشؤومة، تصير السلطة التي مارستها طوال السنين سيفاً موجهاً نحوك، وتغدو الذاكرة خزاناً لكل قرار اعتقال وقّعت عليه… لكنها هذه المرة تسترجعه من زاوية أخرى، من زاوية الضحية.
تتداعى أمام عينيك مشاهد لم تُعرها كثيراً من التأثر حينها: دموع الأمهات، انهيار زوجات المعتقلين في القاعات، عويل الأطفال، نظرات الانكسار… لحظات كنت تراها روتيناً يومياً في جلسات المحاكمة، فتقسو على نفسك لتتماسك كقاضٍ، لكنك لم تتخيل أبداً أنك ستتذوق ذات الكأس.
اليوم، تذوقها كاملة، دافئة مرة… وباردة حدّ الصدمة. تقف صامتاً، مشدوهاً، تنظر في وجه زميلك الذي يقرر مصيرك، زميلك الذي كنت بالأمس تمازحه في الممرات، تتقاسم معه الملفات والسر المهني، لم يخطر في بالك يوماً أن يكون هو من يقرأ عليك منطوق القرار، ولا خطر في باله أنه سيضطر يوماً أن يضع المهنية فوق الزمالة… والصدمة مشتركة.
لكن المرارة الكبرى، ليست فقط في فقدان الحرية أو في المفارقة الصادمة، بل في شعورك العميق بأنك بريء، وأن الأدلة – رغم ذلك – لا تسعفك، وأن العدالة التي كنت تؤمن بها وتدافع عنها، لا تنصفك.
هنا تصبح المحنة محنتين: محنة الظلم، ومحنة فقدان الثقة.
تسأل نفسك: كم بريئاً ربما سقط تحت قلمك دون أن تمنحه وقتاً كافياً؟ كم مظلوماً عجز عن إثبات براءته مثلك؟ واليوم… أصبحت القصة قصتك، والألم ألمك، والقلق قلقك.
لم تعد قاضياً الآن، بل مواطناً عادياً… متهم، تنتظر الإنصاف ممن كنت تمثلهم، وقد لا يأتي. وهذا هو أصعب ما في الأمر.
إنها العدالة حين تكشف وجهها الآخر… مرّ، قاسٍ، مجرد من كل حصانة