بقلم…عبد الكبير الحراب
في عصر التحول الرقمي المتسارع، لم يعد الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا بعيدة عن حياة الناس، بل أصبح واقعًا معيشًا يفرض حضوره في التعليم، والإعلام، والتربية، وحتى في صناعة القيم والسلوك. ومع دخول هذه التقنية إلى غرف الأطفال ومحيط المراهقين عبر تطبيقات الهواتف الذكية والمساعدات الرقمية، تبرز مخاوف حقيقية بشأن تأثيرها على الأجيال الصاعدة.
فما الذي يجعل الذكاء الاصطناعي خطرًا محتملًا؟ وكيف يمكن للمجتمعات، وعلى رأسها الأسرة والدولة، أن تبني “مناعة رقمية” تحمي أبناءها من الاستلاب التكنولوجي؟
رغم أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصًا هائلة في مجالات التعليم المخصص، وتطوير المهارات، وتحفيز الإبداع، إلا أنه يحمل في طياته مخاطر متعددة، أبرزها:
التأثير على الهوية الفردية والجماعية: من خلال المحتوى الموجه الذي قد يغرس قيما تتناقض مع الثقافة الوطنية والدينية.
الاعتماد المفرط على المساعدات الذكية: ما قد يضعف التفكير النقدي ويجعل الطفل مستهلكًا سلبيًا للمعلومة.
خوارزميات الإدمان: التي تُستخدم في منصات مثل “تيك توك” و”يوتيوب” وتعيد تشكيل سلوك المراهقين دون وعي منهم.
إن مواجهة هذه التحديات لا يمكن أن تكون مسؤولية الدولة وحدها، بل هي مهمة جماعية تبدأ من البيت والمدرسة. فالتربية الرقمية يجب أن تُدرج ضمن المناهج، كما يجب تأهيل الآباء والأمهات لمواكبة التحولات التقنية وفهم آليات عمل التطبيقات الذكية.
وفي هذا السياق، تبرز الحاجة إلى:
غرس التفكير النقدي لدى الأطفال لمساءلة كل ما يتلقونه رقمياً.
تقنين وقت الشاشة، ومراقبة المحتوى دون المساس بالثقة.
تطوير وعي رقمي يُمكّن الطفل من التفاعل الواعي بدل الاستهلاك السلبي.
رغم ما تحقق من تطور رقمي في المغرب، إلا أن التشريع المرتبط بحماية القاصرين من ممارسات الذكاء الاصطناعي لا يزال ضعيفًا. فلا توجد قوانين واضحة تُلزم شركات التكنولوجيا بحماية الأطفال من المحتوى الضار أو مراقبة الخوارزميات الموجهة.
في هذا الإطار، دعا حكماء البلاد ومثقفوها في لقاء صحفي حديث إلى وضع “ميثاق وطني للأخلاقيات الرقمية”، يضمن حماية الأجيال الصاعدة، ويجمع بين الرؤية التربوية، والقانونية، والتقنية.
الحماية الحقيقية لا تكون بالمنع أو القطيعة مع التكنولوجيا، بل عبر تأهيل الأفراد والمجتمع لبناء مناعة رقمية. هذه المناعة لا تعني الرفض، بل القدرة على التفاعل الواعي، والاختيار المسؤول، والفهم العميق.
نحن أمام مفترق طرق: إما أن نستثمر في تربية جيل يُتقن أدوات الذكاء الاصطناعي ويُطوّعها لخدمة مجتمعه، أو نترك أبناءنا يتيهون في خوارزميات لا ترحم، ويصيرون أهدافًا لمصالح تجارية وثقافية غريبة عن واقعهم.
إن سؤال “كيف نحمي أبناءنا؟” ليس سؤالًا عابرًا، بل هو جوهر السيادة التربوية والثقافية في زمن الذكاء الاصطناعي. والمطلوب ليس فقط قوانين، بل رؤية مجتمعية، ومشروع تربوي، وإعلام واعٍ، يضع الإنسان في مركز التقنية لا العكس