الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
حضرات السيدات والسادة؛
تضع رئاسة النيابة العامة مكافحة جريمة الاتجار بالبشر في صلب اهتمامات السياسة الجنائية، في حرص منها على تنفيذ إرادة المشرع المغربي المتجلية في القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يوفر إطارا ملائما لزجر المتجرين بالبشر من جهة، ويَُؤَمِّن حمايةً قانونية لضحايا هذه الجريمة البشعة من جهة أخرى. وبالنظر إلى الطابع المختلف لهذه الجريمة عن باقي الجرائم، وتَعَقُّدِ أركانها، وتشابهها مع جرائم أخرى تشترك معها في بعض الخاصيات. ولاسيما الطابع العابر للحدود الوطنية، والأساليب المتطورة التي تستعملها العصابات الإجرامية المنظمة في ارتكابها، والاحتياطات الدقيقة المستعملة من قبل تلك العصابات لتلافي اكتشافها. فإننا نعتقد أن العدالة الجنائية مدعوة لاتخاذ كل التدابير الممكنة لمكافحة الاتجار بالبشر. سيما بالنسبة لبلدنا الذي يَستقطب حركية كبيرة للمهاجرين، سواء الراغبين في العبور نحو أوروبا، أو الذين يستقرون بالمملكة. وفي كلا الحالتين فإن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تجعلهم فريسة سهلة ليصبحوا ضحايا للاتجار في البشر سواء من طرف شبكات الاتجار في البشر، عن طريق الاستغلال الجنسي أو الجسدي. أو من طرف الوسطاء ووكالات الوساطة في الخدمة في المنازل، التي تستورد العمال من بعض الدول الأجنبية. بالإضافة إلى استقطاب بعض المواطنات المغربيات لتهجيرهن نحو بعض الدول الأجنبية من أجل العمل، ثم سرعان ما يجدن أنفسهن ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر.
ومعلوم أن التحدي الأساسي الذي يواجه أنظمة العدالة الجنائية، في العالم بالنسبة لجرائم الاتجار بالبشر، يكمن في التعَرُّف على الضحايا، باعتبارهم الخيط الأساسي للكشف عن المتجرين والإيقاع بهم.
ولهذه الأسباب نص القانون رقم 27.14 في المادة 52.5.1 على وجوب التعرف فورا على ضحية الاتجار بالبشر، وأتاح إمكانية منع المشتبه فيهم أو المتهمين من الاتصال بها أو الاقتراب منها.
غير أن هذه الإمكانيات لا تتحقق إلا بإقدام الضحايا على الإبلاغ عما يتعرضون له من استغلال. وهي مبادرة تعترضها عادة عدة عراقيل. منها ما يتعلق بجهل الضحايا أنفسهم لوضعيتهم كضحايا للاتجار بالبشر، أو لاعتقادهم بأنهم سيتعرضون للمتابعة عن الأفعال المخالفة للقانون التي تورطوا فيها في حالة إقدامهم على التبليغ. بالإضافة إلى خشيتهم وخوفهم من المتاجرين بهم، سيما وأنهم واقعون تحت سيطرتهم، مما يحول دون إقدامهم على التبليغ عن استغلالهم.
ومما يزيد من تعقد هذه الأوضاع، بالنسبة للضحايا، ويسهل الأمر في الوقت ذاته للمتجرين، أن الضحايا يكونون عادة من الفئات الهشة المنحدرة من مستوى اجتماعي وتعليمي متدني، يجهلون حقوقهم وواجباتهم. كما أن السيطرة التي يخضعون لها من طرف المتاجرين فيهم، تجعلهم في أوضاع نفسية تسلبهم القدرة على الاحتجاج أو التمنع، وبالتالي الإبلاغ.
ولذلك فإن مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، تطرح على السياسة الجنائية تحديات استثنائية تدعو إلى تهيئ سلطات البحث والتحري للتعرف على ضحايا هذه الجريمة من جهة. كما تتطلب تشجيع الضحايا أنفسهم، وعامة الأشخاص في المجتمع على التبليغ عن هذه الجريمة. وتحسيسهم بخطورتها، وتعريفهم على أركانها والوسائل التي ترتكب بها. وطمأنة الضحايا على وضعيتهم وعلى حمايتهم.
ونعتقد أن التعريف بالجريمة، وبأركانها وأساليبها وبأنواع الحماية المقررة لضحاياها، بات حلقة ضرورية لكي تتمكن السياسة الجنائية من القيام بمهمتها الردعية في المجتمع. ولهذا السبب تطلق رئاسة النيابة العامة، ابتداء من اللحظة حملة تواصلية مع الرأي العام للتحسيس بجريمة الاتجار بالبشر والتعريف بها، من أجل تحرير ضحايا هذه الجريمة من الخوف، وتشجيعهم على تبليغ السلطات والتماس حمايتها.
ولذلك سنعرض عليكم بعد قليل شريطين مصورين تم إنجازهما بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين :
الأول : عبارة عن وصلة تحسيسية، تعرف بجريمة الاتجار بالبشر وتحدد أركانها والوسائل المستعملة لارتكابها، وتدعو إلى التبليغ عنها. وإذا كان الشريط الذي سيعرض عليكم يستغرق أكثر من 4 دقائق، فإنه لضرورات استعمال الشبكات الإعلامية المرئية، تم وضع نسخة مختصرة منه في أكثر من دقيقتين اثنتين، لتحقيق نفس الغاية.
وأما الشريط الثاني، فهو عبارة عن فيلم وثائقي يجسد حكايات واقعية للاتجار بالبشر يرويها بعض الضحايا. كما يعرف بالآليات المتوفرة للتكفل بضحايا الاتجار بالبشر ولاسيما من النساء والأطفال، وبالخدمات التي تقدمها الخلايا القضائية للتكفل بالنساء والأطفال في هذا الصدد.
وإني إذ أحي منظمة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين على التعاون المثمر، لأتوجه بخالص الشكر لممثلتها على المستوى المغاربي، السيدة ليلى الرحيوي، التي تعطي عناية خاصة لإنجاح برامج التعاون مع رئاسة النيابة العامة. مما أدى إلى بلورة وتنفيذ عدة مشاريع للتكوين وتحسيس أعضاء النيابة العامة والقضاة وضباط الشرطة القضائية بأهمية دورهم في حماية المرأة.
كما أتوجه بالشكر إلى كافة الحاضرين، الذين يعد حضورهم بيننا اليوم دعماً لقضايا حقوق الإنسان، ومساهمة في نشر ثقافة حمايتها.
كما أود أن أشكر جميع وسائل الإعلام، راجياً أن تتفضل بوضع الوصلة الإشهارية رهن إشارة المواطنين والمقيمين على أرض المغرب من غير المواطنين لتحسيسهم بجريمة الاتجار بالبشر وتشجيعهم على التبليغ عنها. وهي رسالة إنسانية تسائل كل ضمير حي.
وأؤكد، إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد أن رئاسة النيابة العامة عازمة على بلورة وتنفيذ التوجيهات الملكية “بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، في ظل التمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف”. مساهمة منها في تدعيم دولة الحق والقانون القائمة على مبادئ العدل والإنصاف والحكامة الجيدة، في إطار أحكام الدستور والقانون الوطنيين، وباحترام تام للمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان.
أشكركم على حضوركم.
والسلام عليكم وحمة الله تعالى وبركاته.
كلمة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ، رئيس النيابة العامة بمناسبة اللقاء التو اصلي حول الاتجار بالبشر

مقالات ذات صلة
إطلاق القطب التكنولوجي المغرب يُنشئ آلية استراتيجية للابتكار في خدمة سيادتهالتكنولوجية الدار البيضاء، 11 يوليوز 2025 قدّم السيد نزار بركة، وزير التجهيز والماء، يوم الجمعة 11 يوليوز2025، في مدينة الدار البيضاء، القطب التكنولوجي، باعتبارهرافعة محورية للاستراتيجية المندمجة والمتكاملة التي تعتمدهاوزارة التجهيز والماء، الهادفة إلى تعزيز السيادة التكنولوجيةللمملكة، وترسيخ تحوّل نوعي في السياسات الصناعية والعلميةوالتقنية الوطنية. ويأتي هذا المشروع الاستراتيجي استجابة للتوجيهات الملكيةالسامية، ووعيا بالتحديات العالمية المتزايدة، لاسيما في مجالاتالماء والطاقة والمواد والبنيات التحتية، إذ يطمح القطب التكنولوجيإلى أن يكون فاعلا محوريا في ضمان السيادة التكنولوجيةللمملكة في مجالات الهندسة والبحث التطبيقي والابتكار. ويرتكز هذا القطب على ثلاث مؤسسات مرجعية تابعة للوزارة، وهي: المدرسة الحسنية للأشغال العمومية (EHTP)، والمركزالوطني للدراسات التقنية (CID)، والمختبر العمومي للتجاربوالدراسات (LPEE). ويجمع هذا الصرح بين تكوين المهندسينرفيعي المستوى بمؤهلات وخبرات عالية، والخبرة التقنية الميدانية، والبحث العلمي المتقدم، في إطار تكامل فعّال. واستنادًا إلى رصيده التاريخي في مجال الهندسة، وإيمانهالراسخ بأهمية الرأسمال البشري وتميّزه، تهدف وزارة التجهيزوالماء، من خلال هذا القطب، إلى بناء منظومة تكنولوجية متكاملةومستدامة، وفق مقاربة منهجية مهيكِلة. وسيُمكّن القطب التكنولوجي من رصد التحولات التكنولوجيةالعالمية ودعم البحث التطبيقي المرتبط بالأولويات الوطنية وتسريعوتيرة التحديث التكنولوجي من خلال الجمع بين التكوين والهندسةوالبحث. كما يستند القطب إلى أفضل الممارسات الدولية، بفضلشراكات نوعية مع مراكز بحث وتطوير مرموقة على الصعيدالعالمي. وتوجد في صلب هذه الرؤية استراتيجيةٌ مبتكرة لإدارة المواردالبشرية تروم استقطاب أفضل الكفاءات المغربية، من خلالالانتقاء الدقيق، والتأطير من لدن خبراء متمرّسين، والتكوينالمستمر، في انسجام تام مع الأوراش الوطنية الكبرى. وفي هذا الإطار، تدخل المدرسة الحسنية للأشغال العمومية فيمرحلة تحول عميق لتصبح مدرسة هندسة رائدة دوليا، تتبنىنموذجا أكاديميا جديدا قائما على الابتكار، عبر شراكات مؤطرةمع جامعات رائدة من مختلف القارات. ويُعد القطب التكنولوجي أحد المكونات الأساسية لمنظومة عموميةموحدة في إطار رؤية 2040 لوزارة التجهيز والماء تخدم السيادةالتكنولوجية للمغرب وتدعم تنفيذ السياسات العمومية والمشاريعالكبرى وتساهم في تعزيز الإشعاع الإقليمي والدولي للمملكة.
الدروة تتنفس الصعداء بعد إنهاء أزمة ضعف صبيب الماء.. بتدخل مباشر من عامل إقليم برشيد
برشيد : سفيان بلغيت على إثر الزيارة الميدانية التي قام بها مؤخرًا السيد جمال خلوق، عامل إقليم برشيد المعين حديثًا، [...]
محاولة سطو على غابة الحوزية تسقط أمام التحقيقات: تزويرات مفضوحة وعقوبات مرتقبة
في تطور جديد لقضية محاولة السطو على جزء من غابة الحوزية، والتي كنا قد تطرقنا إليها سابقًا، تكشفت معالم جريمة [...]
رسميا ميلاد الشبكة العربية لاستقلال القضاء بحضور وازن للمغرب
أعلن اليوم الخميس بالعاصمة اللبنانية بيروت عن إطلاق الشبكة العربية لاستقلال القضاء وهي مبادرة تهدف إلى تعزيز التضامن والعمل الاقليمي [...]