مصطفى منجم
في ظل الانعكاسات الاجتماعية التي يشهدها المجتمع المغربي منذ سنتين، نتيجة تداعيات عدة أزمات متتالية منها وطنية ودولية، باتت المواد الغذائية من اكبر الهموم التي تشغل بال المواطن المغربي، واقوى معيق يواجهه كل يوم، بسبب الغلاء المعيشي الذي يشوب جل المنتجات الزراعية وفي مقدمتها “الطماطم”، التي اصبحت تعتبر عملة صعبة رغم وفرتها.
عملة فلاحية تتصدر قائمة الخضر الاكثر غلاء، حيث تنظر اليها المملكة كأدات لجلب العملات الصعبة، باعتبارها المادة الزراعية الأولى التي تتربع على عرش الصادرات، لكن تحولت فجأة الى اخر مكون لقفة المواطن البسيط نظرا لقيمتها السوقية المرتفعة، أمام استعصاء حكومي الذي عجز عن تسوية الاوضاع، وايجاد حلول حقيقية تشفي الجراح، وترجع الابتسامة التي هجرته لسنوات طوال.
وفي الوقت التي تتابع فيه الحكومة عن كتب برنامج التغطية الصحية والسجل الوطني للسكان، هناك أسر تصارع رياح الزيادة وحدها، وفي الحقيقة أن ليس الغلاء وحده هو المشكل، وإنما ضعف الدخل الفردي الذي يعد بمثابة سيف يوجد على عنق كل فرد، يفرض عليه تحديد سقف التطلعات، نظرا لمحدودية الموارد المالية، في حين ستجد المؤسسة التنفيذية في الايام القادمة نفسها مجبورة على إعداد برنامج “للتغطية الغذائية” اذا استمرت الاحوال كما هي عليها الآن.
ولعل ان تكون الأسباب كفيلة بالاجابة عن هذه الأوضاع المزرية، التي أجبرت المواطن الضعيف على اعطاء ظهره للهيب الاسعار، التي اشتعلت بفعل وقود تداخلت فيها عدة عوامل وطنية أثقلت كاهيل الاسر المغربية، التي استنجدت بالمؤسسات المعنية لاخراجها من براثن الزيادة والتدمر.
سوس الجنوبية وموجة البرد
إن موجة البرد التي عصفت بأغلب مدن المملكة بما فيها المناطق المعروفة بزراعة الطماطم، قد اثرت نسبيا على انتاج هذه المادة التي تعرف إقبالا كبيرا على طول السنة، وايضا على عملية الجني نظرا لعدم وصولها إلى المرحلة التي قد تصبح صالحة للاستهلاك، الشيء الذي خلق تناحرا بين العرض والطلب، مما أدى إلى الزيادة في أسعارها التي لهبت السوق الوطنية.
وتلجئ الدولة في هذا الاستثناء الموسمي الى المناطق الجنوبية وبالضبط في “سوس الجنوبية” التي تعرف جو معتدل مقارنة مع المناطق الزراعية الاخرى من اجل سد الخصاص، لان هذا النوع من الخضر يحتاج الى جو دافئ معتدل ومتوسط الرطوبة، في درجة الحرارة تتراوح بين 25 و 30 درجة مئوية ورطوبة تقارب 75 في المائة، وأن خروج عن هذه الارقام والمعطيات الطقسية سيؤدي إلى مشاكل على مستوى التلقيح والاخصاب مما يسبب تذبذبات على مستوى الانتاج.
وفي سياق متصل أكد الخبير الاقتصادي محمد جدري في تصريحه لدى جريدة صوت العدالة ان:” انتاج الطماطم في هذه الفترة بالذات يكون فقط في منطقة سوس الجنوبية، لذلك تحدث حالة صراع بين العرض والطلب” مشيرا إلى أن “موجة البرد التي تشهدها المملكة المغربية اثرت على انتاج هذه المادة الزراعية”.
الطماطم المغربية تغرق اوروبا
بملايين الأورو تبرم صفقات ضخمة بين الشركات الفلاحية المغربية ودول الاتحاد الاوروبي وإنجلترا وغيرها، من أجل تزويدها بمادة الطماطم، حيث بات المغرب ينافس دولا متقدمة من ناحية التوريد من بينها إسبانيا وهولندا، باعتباره المورد الثالث للاتحاد الأوروبي، بعد أن عرفت السنة الماضية (2021-2022) ارتفاعا في حجم صادراتها بنسبة 17.8 في المائة بقيمة مبيعات بلغت 749.11 مليون يورو، في حين أن قوة المغرب في تصديره لهذا النوع من الخضر، جعل اقوى الدول في مقدمتها فرنسا وتركيا تتوارى إلى الوراء، ليبسط سيطرته كاملة على عملية التوريد، حيث يعتبر من بين الموزعين الرئيسيين والمعتمدين لدى دول الاتحاد.
لكن الامر الذي يطرح نفسه هو ان المغرب بلد يمتلك وفرة الانتاج، ويصدر بمتوسط سعر 1.44 يورو للكيلو، اي ما يعادل تقريبا 11 درهما، يعيش شعبه حالة استغراب وحسرة لان ثمن الطماطم في بلده تتجاوز مقدار الذي تحدده الدول الأوروبية في اسواقها التي تعتمد على عملية الاستيراد وليس الاكتفاء الذاتي، الشيء الذي يجعلك تطرح اسئلة عدة، لان هذه السطور تختزل ألغازا يصعب افتكاكها نظرا لضبابية المشهد.
جشع الوسطاء وتهاون الحكومة
إن الأغلبية الساحقة من المواطنين يحصرون غلاء الطماطم في إطار الازمات وتضارب العرض والطلب وغيرها من الاسباب، لكن أكثرهم يجهلون سبب معاناتهم الحقيقة، معاناة يصنعها أناس ينتمون إلى نفس البلد ونفس العرق ونفس الانتماء، لكن يختلفون عنهم من جانب الإنسانية والرحمة، اناس يتاجرون في ضعف المواطنين ويساهمون في تمزيقهم إلى اشلاء لاقتسام كعكة المعاناة، ويستغلون غياب المراقبة واللامبالاة الحكومية، التي تركت لهم الفجوة لبيع وشراء عرق المواطن الضعيف.
عمليات غير قانونية تمر عبر سلاسل توزيع الطماطم وغيرها من الخضروات، بداية من الفلاح ومرورا بين أيدي الوسطاء والمضاربين ونهاية في الأسواق لعرضها على المستهلكين.
طماطم تباع في بدايتها ب1.5 درهم للكيلو الواحد، لتصل الى المواطن ب12 درهما، حيث يختبئون وراء حجة مصاريف الشحن والتنقل، علما أن الدول التي تقع ما وراء البحار تعرض طماطمها المستوردة بأقل الأسعار الموجودة في المغرب، رغم أن المصاريف تكون باهضة نظرا لبعد المسافات.
كما أن لعبة السماسرة لم تقف عن هذا الحد، حيث يلجئون إلى تكديس واحتكار البضائع في المستودعات السرية من أجل تقليلها في الأسواق، حيث بعد هذه العملية ترفع اسعارها مباشرة ليتم عرضها بالأثمنة التي تناسب جشعهم.