صوت العدالة- عبد الكبير الحراب
في الوقت الذي تعيش فيه البلاد على وقع احتجاجات جيل زيد الغاضب ضد التفاوتات والفساد والزبونية، يخرج وزير الصحة الجديد الطراوي بقرارٍ لا يمكن وصفه إلا بالفضيحة المدوية، قرارٍ يكشف الوجه الحقيقي لحكومة أخنوش التي وعدت بالإصلاح، لكنها تمارس العكس تمامًا.
في صمتٍ رسمي مريب، قرر الوزير سحب تراخيص استيراد اللقاحات من مؤسسة وطنية عريقة هي معهد باستور المغرب، الذي خدم صحة المغاربة لعقود طويلة، ليمنحها على طبق من ذهب لشركة خاصة يملكها أحد أعضاء الحكومة نفسها! هكذا بكل بساطة، تُنتزع صلاحيات مؤسسة عمومية لخدمة مصالح ضيقة، ويُحوَّل اللقاح من حقٍّ إنساني إلى صفقةٍ سياسية مغلفة بالربح.
هذه الخطوة ليست مجرد إجراء إداري، بل هي إعلان رسمي عن نهاية مفهوم السيادة الصحية في المغرب. فكيف يمكن أن تُنتزع صلاحيات مؤسسة وطنية تأسست قبل الاستقلال لتُمنح إلى شركة خاصة، فقط لأن مالكها “قريب من دوائر السلطة”؟
ألم يكن الوزير يعلم أن معهد باستور كان يستورد اللقاحات بأسعار منخفضة لحماية الفقراء والطبقة المتوسطة؟ أم أن همَّه اليوم هو تحويل صحة المغاربة إلى بورصة يتحكم فيها لوبي المال والسلطة؟
ما يحدث هو تجريد ممنهج للدولة من سلاحها السيادي أمام الأوبئة، وتسليم رقاب المغاربة لمؤسسة تجارية واحدة تتحكم في الأسعار، في الكميات، وفي توقيت التوزيع. باختصار: لقد حوّل الوزير اللقاح من درعٍ وطني إلى صفقة احتكار مربحة.
والأدهى من ذلك أن الإعلام الرسمي، الذي يُفترض أن يكون عين المواطن، صمت تمامًا، وكأن الأمر لا يعني أحدًا، وكأن ملايين المغاربة لا ينتظرون دواءً آمناً بأسعار معقولة. هذا التواطؤ الإعلامي الفاضح يُثبت مرة أخرى أن حكومة أخنوش لا تؤمن بالشفافية ولا بالمحاسبة، بل تواصل سياسة “دير راسك ما شفت والو”.
في زمنٍ خرج فيه شباب جيل زيد إلى الشارع للمطالبة بالكرامة والعدالة والمساواة، تأتي هذه الفضيحة لتؤكد أن الحكومة تسير عكس التاريخ، وأنها ما زالت تعتبر الوطن ضيعةً خاصة، تتقاسم فيها المصالح بين “الأقارب والأصدقاء”.
جيل زيد الذي يرفض التهميش والفساد يرى اليوم بعينيه كيف تُنهب مؤسسات الدولة في وضح النهار، وكيف يتحول الوزير من خادمٍ للصحة العامة إلى وكيل أعمالٍ لشركات المقربين.
أين البرلمان؟ أين الأحزاب التي تدّعي المعارضة؟ أين صوت النقابات؟
هل أصبحنا في دولة تُباع فيها المناصب والقرارات كما تُباع الأسهم في الأسواق؟
إن ما يحدث في وزارة الصحة ليس مجرد سوء تدبير، بل هو فضيحة وطنية، وضربة قاصمة لثقة المواطن في مؤسسات بلاده. إنها رسالة خطيرة مفادها أن الربح فوق حياة المواطن، وأن حكومة أخنوش ماضية في طريقها نحو مزيد من التمكين لأصحاب المصالح على حساب الشعب.
لقد آن الأوان أن يُفتح تحقيق برلماني وإعلامي في هذه القضية، وأن يُسأل الوزير:
بأي حق سحبت رخصة مؤسسة وطنية عريقة وأعطيتها لمقاول من داخل الحكومة؟
ومن المستفيد الحقيقي من هذا القرار؟
وحتى ذلك الحين، سيبقى المغاربة يرددون بصوت واحد:
كفى من التلاعب بصحتنا… كفى من نهب مؤسسات الدولة… فالوطن ليس شركة خاصة!

