الرئيسية آراء وأقلام حقوق الإنسان: مقارنة بين الواقع والتطبيق العملي

حقوق الإنسان: مقارنة بين الواقع والتطبيق العملي

IMG 20250901 WA0108
كتبه كتب في 1 سبتمبر، 2025 - 2:58 مساءً

د.فارس يغمور : عميد المعهد العالي لحقوق الإنسان والعلوم الدبلوماسية

منذ منتصف القرن العشرين، باتت حقوق الإنسان موضوعاً مركزياً في القانون الدولي والعلاقات الدولية. وقد أُقِرّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 كوثيقة مرجعية عالمية تُكرّس حقوقاً أساسية غير قابلة للتصرف. ورغم الجهود الدولية لتقنين هذه الحقوق في معاهدات ملزمة، لا تزال الفجوة قائمة بين النصوص القانونية والتطبيق العملي.

أولاً: الإطار القانوني الدولي لحقوق الإنسان
تُعرف منظومة حقوق الإنسان الدولية باسم الشرعة الدولية، وتشمل:

  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948):

نصّ في المادة (3) على أن “لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه”.

المادة (19) كفلت حرية الرأي والتعبير.

المادة (26) ضمنت الحق في التعليم.

  1. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966):

المادة (6): الحق في الحياة وحظر الإعدام التعسفي.

المادة (14): الحق في محاكمة عادلة.

المادة (21): الحق في التجمع السلمي.

  1. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (1966):

المادة (7): الحق في العمل بشروط عادلة.

المادة (12): الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة.

المادة (13): الحق في التعليم.

  1. الاتفاقيات المتخصصة:
    اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (1979).

اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (1984).

اتفاقية حقوق الطفل (1989).

ثانياً: الإطار القانوني الوطني
على المستوى الوطني، التزمت أغلب الدول بتضمين الحقوق الأساسية في دساتيرها.
الدساتير العربية الحديثة (مثل الدستور التونسي لسنة 2014، والدستور المغربي لسنة 2011) نصت على أن الحقوق والحريات الواردة في المواثيق الدولية تُعتبر جزءاً من المنظومة القانونية الوطنية.
العديد من القوانين الجنائية جرّمت التعذيب (انسجاماً مع المادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب).
بعض الدول أنشأت مؤسسات وطنية لحقوق الإنسان استناداً إلى مبادئ باريس (1993).
غير أنّ فعالية هذه النصوص تتأثر بضعف آليات الرقابة القضائية والإدارية، ما يؤدي إلى فجوة بين القانون والممارسة.

ثالثاً: مقارنة بين النصوص والتطبيق العملي
الحق المرجعية القانونية واقع التطبيق
الحق في الحياة المادة 3 من الإعلان، المادة 6 من العهد المدني استمرار القتل خارج القانون في مناطق النزاع
حرية التعبير المادة 19 من الإعلان والعهد المدني قوانين الطوارئ والرقابة تحدّ من حرية الصحافة
الحق في التعليم المادة 26 من الإعلان، المادة 13 من العهد الاقتصادي تفاوت كبير بين الدول، حرمان في مناطق الحرب
المساواة وعدم التمييز المادة 2 من الإعلان، المادة 26 من العهد المدني استمرار التمييز ضد المرأة والأقليات
حظر التعذيب اتفاقية 1984، المادة 7 من العهد المدني تقارير أممية تثبت ممارسات منهجية للتعذيب

رابعاً: التحديات التي تعيق التطبيق

  1. الانتقائية في الممارسات الدولية: بعض الدول تُطبّق مبادئ حقوق الإنسان على الآخرين وتتجاهلها داخلياً (مبدأ الازدواجية).
  2. ضعف إلزامية آليات الأمم المتحدة: لجان المعاهدات لا تملك سلطة قضائية مُلزِمة، باستثناء المحكمة الجنائية الدولية.
  3. غياب استقلال القضاء الوطني: ما يضعف قدرة الضحايا على الوصول إلى العدالة.
  4. العوامل الاقتصادية والاجتماعية: الفقر والنزاعات المسلحة تعرقل التمتع الفعلي بالحقوق.

خامساً: نحو تعزيز الفعالية القانونية
تعزيز القضاء الدولي: من خلال تمكين المحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي 1998).
مواءمة التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، بما يضمن انسجام القانون الداخلي مع الالتزامات الدولية.
إنشاء مؤسسات وطنية مستقلة لحقوق الإنسان تتماشى مع “مبادئ باريس”.
تعزيز ثقافة حقوق الإنسان عبر إدماجها في المناهج التعليمية.
تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب في الجرائم الجسيمة.

إن الفارق بين النصوص والواقع لا يكمن في نقص القواعد القانونية، بل في ضعف الإرادة السياسية والرقابة الفعّالة. ولذا فإن حقوق الإنسان لن تتحقق إلا عبر تفعيل الآليات القضائية الوطنية والدولية، وتعزيز ثقافة الالتزام بالقانون الدولي بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة

المراجع والهوامش

  1. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، 10 كانون الأول/ديسمبر 1948.
  2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، 16 كانون الأول/ديسمبر 1966.
  3. العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، 16 كانون الأول/ديسمبر 1966.
  4. اتفاقية مناهضة التعذيب، 10 كانون الأول/ديسمبر 1984.
  5. اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، 18 كانون الأول/ديسمبر 1979.
  6. نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، 17 تموز/يوليو 1998.
  7. الفقه: أنور العمروسي، القانون الدولي لحقوق الإنسان، دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، 2017.
  8. محمد المجذوب، القانون الدولي العام والمنظمات الدولية، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، 2015.
مشاركة