صوت العدالة: متابعة
تعد الزاوية البودشيشية، من أكثر الزوايا انتظامًا وتأصيلاً في علاقتها بالمؤسسة الملكية، لم تكن بحاجة لتأكيد شرعيتها بقدر ما كانت في حاجة إلى تمييز صفها عن كل دخيل أو مدّعٍ.
لذلك تم تعيين سيدي معاذ القادري البودشيشي، شيخًا للطريقة البودشيشية، لا كقرار إداري عابر، بل كفصل ناصع في تاريخ التصوف المغربي الأصيل، وكمحطة تؤكد مجددًا أن وحدة الأمة لا تكتمل إلا بوحدة مرجعياتها الروحية، تحت رعاية إمارة المؤمنين.
فقد جاء التعيين الشريف، ليضع حدًّا للالتباس، وليعيد تصويب البوصلة نحو المقصود الحقيقي، المتجلي في التربية لا التوريث، التزكية لا التسويق، السلوك لا الخطابات.
خاصة و سيدي معاذ القادري، لم يأت من فراغ. بل هو امتداد طبيعي لبيت العلم والسلوك، الذي أنجب سيدي جمال الدين وسيدي حمزة، وهو قبل أن يكون شيخًا، كان خادمًا، وكان حاضرًا في كل محطات البناء والبذل، بعيدًا عن الأضواء، قريبًا من المعاني. لذلك كان التعيين تكريمًا للمسار، لا انحيازًا لاسم، وتثبيتًا للمنهج، لا تلبية لأهواء.
فلم تكن الزوايا في المغرب يومًا مؤسسات خاضعة لمنطق الوراثة العائلية أو التصارع الحزبي، بل كانت دومًا مجالات للتجرد والتزكية، ومقامات لا يرتقي إليها إلا من تحقق في قلبه الصدق، وفي سلوكه الأدب، وفي نَفَسه الباطني مقام الإخلاص. فالمشيخة ليست سلطة أرضية، بل أمانة سماوية لا يختار لها إلا من صدقت عليه البشارة، وظهر في فعله صدق الانتماء.
بحكم اننا في الوقت الراهن أمام امتحان وعي جماعي، لتجديد العهد مع جوهر التصوف المغربي: الطاعة، الأدب، الستر، والعمل في الخفاء. فبذلك حُفظت الزوايا قرونًا، وبذلك تستمر، وبذلك تظل سندًا روحيًا لوحدة هذه الأمة، تحت راية إمارة المؤمنين.
وتعتبر إمارة المؤمنين في المغرب، الحاضن التاريخي والشرعي لكل الطرق الصوفية التي ارتضت أن تكون تحت سقف الوحدة لا الفُرقة، وتحت جناح الشرعية لا شعارات التمرد والتشظي. وكل خروج عن هذا الإجماع ليس سوى فتنة، وكل فتنة باب للفرقة، وكل فرقة نقيض لما تأسس عليه التصوف المغربي من حب وجمع.

