انس خالد / صوت العدالة
في أول خروج إعلامي له بعد الأزمة التي هزّت الزاوية القادرية البودشيشية خلال الأيام الأخيرة، أعلن الشيخ منير القادري بودشيش عن استعداده لإسناد التدبير المالي والإداري لأخيه معاذ أو لأي شخصية أخرى، مقابل احتفاظه هو بالقيادة الروحية و”سر الطريقة”. خطوة بدت للبعض محاولة لتجاوز الاحتقان داخل الزاوية، بينما اعتبرها آخرون مجرد مناورة لتكريس النفوذ الروحي مع التنصل من الأعباء التنظيمية.
عرفت الزاوية القادرية البودشيشية، التي تعد واحدة من أبرز الطرق الصوفية في المغرب والعالم، حالة من الارتباك مباشرة بعد وفاة الشيخ جمال الدين القادري. تضاربت المواقف حول مسألة الخلافة، وتنامت أصوات من داخل الزاوية وخارجها تتحدث عن صراع عائلي و”تدخلات مالية” أثرت على صورة المؤسسة الصوفية التي لطالما قُدّمت كفضاء للتجرد والصفاء الروحي.
منير القادري شدّد في كلمته على أن المشيخة تكليف لا تشريف، وأنه لا يمانع في تفويض الجوانب الإدارية والمالية، لكنه يتمسك بما وصفه بـ”السر الروحي” الذي لا يمكن التنازل عنه. هذا الفصل بين التسيير المادي والقيادة الروحية أثار نقاشًا واسعًا بين المريدين والمتابعين:
فالبعض رأى فيه خطوة عقلانية للحفاظ على وحدة الزاوية وتفادي الانقسامات.
فيما اعتبره آخرون مجرد “حل ترقيعي”، لن يغيّر شيئًا من طبيعة الصراع القائم.
تسارعت الأحداث بعد تصريحات منير، إذ خرجت تقارير إعلامية متناقضة: بعضها تحدث عن تنازل كامل لمصلحة شقيقه معاذ، فيما أكدت جهات أخرى أن “الوثائق مفبركة” وأن منير ما يزال ممسكًا بمقاليد المشيخة. هذا التضارب عمّق الغموض وطرح تساؤلات حول مدى وحدة القرار داخل الأسرة، بل وأعاد إلى السطح الحديث عن ضغوط سياسية ورسمية في إدارة ملف الخلافة.
اللافت أن برقية التعزية الملكية بعد وفاة الشيخ جمال الدين لم تُشر إلى أي خليفة، وهو ما اعتبره مراقبون إشارة إلى أن الدولة فضّلت النأي بنفسها عن الاصطفاف في خضم الأزمة الداخلية للزاوية. كما أن الحضور الرسمي في جنازة الشيخ كان محدودًا مقارنة مع مناسبات سابقة، ما غذّى التأويلات حول تراجع الدعم الرسمي أو على الأقل تبني موقف “الحياد”.
الزاوية القادرية البودشيشية تجد نفسها اليوم أمام مفترق طرق:
إما أن تنجح في تجديد بنيتها التنظيمية بما يضمن الفصل بين الروحي والمادي،
أو أن تظل رهينة صراعات عائلية وشبهات مالية قد تنال من مكانتها الرمزية التي راكمتها لعقود.
بين التنازل المعلن والتمسك الخفي، وبين القيادة الروحية والتدبير المادي، يظل السؤال مفتوحًا:
هل خرج منير القادري بودشيش لطي صفحة الأزمة، أم فتح الباب أمام جدل أكبر سيعيد تشكيل صورة الزاوية في عيون مريديها والرأي العام؟

