في المغرب، لا تُعتبر الفروسية مجرد هواية، بل هي إرث ثقافي عميق يتوارثه الأبناء عن الأجداد، ويعكس قيماً راسخة كالأصالة والكرم والشجاعة. ومن بين الأسماء التي بزغ نجمها في سماء هذا الفن الأصيل، يبرز اسم الفارس الشاب خالد صبري، الذي جسد بمسيرته معنى الوفاء لهذا التراث العريق.
ينحدر خالد صبري من أصول عريقة تنتمي إلى قبيلة لعشاش، وبالضبط من جماعة سيدي الذهبي، وسط عائلة محافظة متشبثة بالعادات والتقاليد المغربية الأصيلة. نشأ خالد في كنف جده لأمه، الفارس المعروف في منطقة أمزاب، الذي اشتهر بتربية أجود سلالات الخيول الأصيلة، وشارك في أبرز المواسم والمهرجانات المغربية. في هذا الجو المفعم برائحة البارود وصهيل الخيول، ترعرع خالد وتشرّب حب الفروسية منذ نعومة أظافره.
لم يكن الطفل خالد يكتفي بمراقبة جده، بل كان يتسلل في غفلة منه ليمتطي صهوة الفرس، يحاكي حركات الكبار، ويجرب “دق البارود” على طريقته. هكذا وُلدت الشرارة الأولى لفارسٍ سيكون له شأن في هذا الفن ذات يوم.
من سيدي الذهبي… إلى دروب التألق
كانت الانطلاقة الرسمية لـخالد صبري في موسم الولي الصالح سيدي محمد الذهبي العام الماضي، حيث أذهل الحاضرين بإتقانه الكبير في أداء “لعلفات” المتراصة والمتساوية، وهو ما يعكس احترافية عالية وتحكمًا دقيقًا في الفرس والسلاح. لم يكن هذا فقط ما ميّزه، بل تجلت بصمته أيضًا في كرمه وحسن ضيافته، حيث تحولت خيمته إلى قبلة للضيوف والأصدقاء، وكنت أنا، يوسف كرام، شاهدًا على هذه الضيافة الأصيلة، حيث استقبلنا بأشهى أطباق المشوي واللحوم الطازجة، مجسدًا بذلك أسمى معاني الكرم المغربي.
فارسٌ في الميدان… وركنٌ في التنظيم
ورغم ظروفه العائلية التي حالت دون مشاركته كفارس في فعاليات المهرجان الثقافي لجمعية أمزاب للتنمية والثقافة بمدينة ابن أحمد، إلا أن خالد لم يتخلف عن الحضور. فقد ساهم بشكل فعّال في التنظيم، وكان عنصرًا أساسيًا في إنجاح هذا العرس الثقافي، مما يؤكد أن الفروسية لديه ليست مجرد “ركوب فرس”، بل التزام وطني وثقافي ومسؤولية للحفاظ على هذا الموروث وتطويره.
خالد صبري: رمزية فارسٍ وذاكرة قبيلة
إن خالد صبري ليس مجرد فارس يبدع في دق البارود، بل هو قصة أصالة، وشاهد حي على استمرارية هذا الفن المغربي العريق. فارسٌ يشق طريقه بثبات، متسلحًا بإرث أجداده، وحب القبيلة، وعشق الفرس، ليؤكد أن الفروسية المغربية باقية، ومزدهرة بأمثاله.

