محمد قريوش_صوت العدالة
شهدت الأيام الأخيرة تصعيدًا عسكريًا لافتًا في البحر الأحمر بين جماعة الحوثي في اليمن والجيش الإسرائيلي، في سياق المواجهة الإقليمية التي باتت تشمل أكثر من جبهة. فقد استهدفت الجماعة سفينة يونانية تُدعى “Magic Seas”، بزعم ارتباطها المباشر أو غير المباشر بإسرائيل، وهو ما اعتبرته تل أبيب تجاوزًا جديدًا لخطوطها الحمراء، وردّت عليه بسلسلة من الضربات الجوية المركّزة استهدفت موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى، بالإضافة إلى محطة الكهرباء في رأس كُنتُب.
لكن اللافت في هذا التصعيد ليس الهجوم ولا الرد عليه، بل ما أعلنته جماعة الحوثي من أنها استخدمت صواريخ أرض–جو محلية الصنع للتصدي للطائرات الإسرائيلية المغيرة، في خطوة رمزية تحمل دلالات سياسية وعسكرية. فالجماعة، التي تخوض منذ سنوات حربًا مع التحالف العربي بقيادة السعودية، تسعى عبر هذا الإعلان إلى تقديم نفسها كقوة إقليمية قادرة على الردع الجوي، وعلى مجابهة أحد أكثر الجيوش تطورًا في المنطقة.
من الناحية التقنية، ورغم أن هذه المنظومات توصف بـ”محلية الصنع”، إلا أن تقارير متقاطعة تشير إلى اعتماد الحوثيين في تطويرها على دعم فني مباشر من طهران، التي وفّرت نماذج أولية لصواريخ مضادة للطائرات، وبعض أنظمة الرصد والتوجيه، مع تعديلات تتناسب مع الإمكانيات المتوفرة في اليمن. وعلى الرغم من أن هذه المنظومات لا ترقى إلى مستوى أنظمة الدفاع الجوي المتقدمة من حيث الدقة والمدى، إلا أنها تعبّر عن رغبة حقيقية لدى الجماعة في بناء قدرات ردع داخلية، ولو محدودة.
إلا أن الحديث عن “النجاح” في إسقاط طائرات إسرائيلية يفتقر حتى الآن إلى أدلة ميدانية واضحة. فالجيش الإسرائيلي لم يعترف بتعرّض أي من طائراته لأضرار أو إسقاط، واكتفى بالإعلان عن تنفيذ ضربات دقيقة ضد ما وصفه بـ”أهداف معادية تشكّل تهديدًا أمنيًا للملاحة”. كما أكّدت مصادر عسكرية أن من بين الأهداف التي تم تدميرها منصات مراقبة متطورة كانت متمركزة قرب مرفأ رأس عيسى، ويُعتقد أن الحوثيين كانوا يستخدمونها لتعقّب السفن في مضيق باب المندب.
ما يضاعف خطورة هذه التطورات هو ارتباطها المباشر بالسياق الإقليمي العام. فإسرائيل، التي ما تزال غارقة في حربها المعقدة ضد قطاع غزة، باتت تجد نفسها أمام تحديات متعددة الجبهات، من الجنوب اللبناني إلى البحر الأحمر. ومع كل ضربة توجهها إلى الحوثيين، يتضح أن هذه الجبهة لن تهدأ بسهولة، بل ربما تتحول إلى ساحة استنزاف جديدة إذا استمر تبادل الرسائل بالصواريخ والطائرات.
من جهة أخرى، يبدو أن جماعة الحوثي تسعى إلى فرض معادلة جديدة: الرد على أي هجوم إسرائيلي أو استهداف لمصالحها، حتى ولو تم خارج حدود اليمن. وهو ما يضع المنطقة أمام احتمالات تصعيد أوسع، خاصة في ظل غياب أفق دبلوماسي حقيقي، وتنامي النفوذ الإيراني في صنعاء.
ختامًا، قد لا تشكل قدرات الحوثيين الجوية خطرًا مباشرا على سلاح الجو الإسرائيلي في الوقت الراهن، لكنها تعبّر عن تحوّل تدريجي في معادلات الردع، وعن رغبة في الدخول إلى المعادلة الإقليمية من بوابة الصواريخ والدفاعات المحلية. وإذا استمر هذا النهج، فإن البحر الأحمر، أحد أكثر الممرات البحرية حساسية، قد يتحول من ساحة اشتباك ثانوي إلى جبهة أساسية في الصراع القادم.

