الرئيسية آراء وأقلام عن الترجمة أتحدث.. (الحلقة الرابعة)

عن الترجمة أتحدث.. (الحلقة الرابعة)

Foto Nabil.jpg
كتبه كتب في 3 يناير، 2022 - 2:23 مساءً

نظرا لنمو ظاهرة الهجرة وتنقل الأفراد من بلدهم الأصلي نحو البلدان المضيفة سواء تعلق الأمر بالهجرة من أجل العمل أو لاعتبارات اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية. وكذلك لما تعرفه بعض البلدان من عدم استقرار مما يدفع الكثير من الأشخاص للهجرة ومغادرة أوطانهم للبحث عن حياة أفضل في بلدان أخرى.

ضمن سلسلة عن الترجمة أتحدث.. في نسختها الرابعة هذه سأتطرق لموضوع الهجرة وحقوق المهاجرين على ضوء المواثيق الدولية ودور الترجمة في هذا الباب لتسهيل التواصل مع هذه الأقليات التي تعيش في بلدان غير بلدهم الأصلي.

فواقع الهجرة والمهاجرين أصبح ظاهرة تقلق العديد من الدول والمغرب بالنظر لموقعه الاستراتيجي المطل على البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي وقربه الجغرافي من دول الاتحاد الأوربي هذه الدول التي تعد الوجهة المفضلة التي يسعى للوصول إليها معظم المهاجرين، نظرا لهذا القرب أصبح المغرب بدوره يعاني من هذه الظاهرة كبلد يتخذه المهاجرون كمحطة عبور للضفة الأخرى وفي غالب الأحيان يمكثون في هذا البلد بحيث تزايد أعداد المهاجرين المتواجدين على التراب الوطني بشكل ملفت، وفي غياب الرعاية الاجتماعية اللازمة تجدهم في الغالب من دون مأوى يتلحفون الشوارع وعرضة للتسول عند إشارات المرور.

 هذا الوضع يقتضي حقوق وواجبات لهؤلاء المهاجرين تفرضها القوانين الداخلية للدول وكذلك المواثيق الدولية المتعلقة بالهجرة. فالهجرة تعد جزء من التجربة الإنسانية عبر التاريخ ومصدر للازدهار والتنمية المستدامة وهو ما تم التأكيد عليه خلال أشغال مؤتمر مراكش حول الهجرة وحقوق المهاجرين الذي نظم برعاية من الأمم المتحدة ومشاركة عدد من الدول الأعضاء خلص إلى جملة من التوصيات التي اعتمدت من طرف الأمم المتحدة كميثاق يعزز حقوق وواجبات المهاجرين وهو الميثاق العالمي للهجرة الآمنة والمنظمة والنظامية بوصفه اتفاق غير ملزم. عن أهمية هذا الاتفاق أكدت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنه إنجاز بارز في تاريخ الحوار العالمي والتعاون الدولي فيما يهم الهجرة.

وكذلك سنجد مجموعة من الاتفاقيات الدولية الأخرى كالاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم. حيث اعتمدتها الأمم المتحدة بقرار الجمعية العامة في ديسمبر 1990 باعتبار المبادئ الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان.

حول هذا الوضع أول ما يتبادر إلى ذهننا هو الترجمة وكيفية التواصل مع هذه الأقليات من المهاجرين الأجانب الذين يتحدثون لغات وألسنة ولهجات مختلفة عن اللغة الرسمية للبلد المضيف. فيصبح للترجمة دور للتواصل وكذلك دور في تعزيز الحقوق المتعلقة بالمهاجرين.

عمليا في أول اتصال مباشر بالمرشحين للهجرة من أجل العمل أو الدراسة أو الالتحاق بالأزواج… تبدأ عملية الترجمة في إطار التعاون القنصلي بحيث تكون الترجمة حاضرة بقوة لمعالجة طلبات المهاجرين المحتملين وترجمة الوثائق والمستندات وتجميع المعلومات الضرورية لإعداد ملفاتهم المراد الإدلاء بها لدى السفارات والقنصليات المعتمدة باللغة الرسمية لهذه الدول كملفات الزواج المختلط مثلا والتجمع العائلي وملفات الدراسة وغيرها..

كذلك وفي نفس السياق عكفت بعض الدول المتقدمة من الاتحاد الأوربي وكندا والولايات المتحدة الأمريكية على تسهيل الهجرة النظامية من خلال تنظيم قرعة سنوية لاستقطاب العمال المهاجرين وأسرهم وكذلك العمال الموسميين.

حاليا بحكم أن المغرب أصبح من البلدان التي تستقبل المهاجرين الغير النظاميين بوثيرة متزايدة ومن مختلف الدول ولا سيما دول جنوب الصحراء. يصلون للمغرب برا كمرحلة للعبور إلى الضفة الأخرى عبر سبتة أو عبر مضيق جبل طارق وفي غالب الأحيان يستقرون في المغرب.

وهنا أيضا تحضر الترجمة للتواصل مع هذه الفئات من المهاجرين وتختلف طبيعتها بحيث تكون في غالب الأحيان تتبعية وشفاهية سواء تعلق الأمر لتقديم الرعاية الاجتماعية والمساعدات الضرورية في مثل هذه الحالات من طرف المؤسسات والمنظمات المختصة أو أيضا في إطار ما يكفله القانون بالاستعانة بمترجم في حالة تم توقيفهم عند الاقتضاء.

جدير بالذكر أن وضع الهجرة والمهاجرين طور الدراسة والتمحيص لإخراج قوانين في هذا الشأن حول كيفية تدبير وضعية المهاجرين المتواجدين حاليا بالمغرب وكيفية احتوائهم في احترام الحقوق التي تكفلها القوانين الوطنية والمواثيق الدولية.

فبين المقاربة الأمنية الصرفة التي تجرم هذا التواجد باعتباره اختراق غير قانوني للحدود الوطنية وعدم احترام السيادة للدولة والقوانين الجاري بها العمل في هذا المجال واعتماد المحاكمة العادلة وترحيلهم إلى بلدانهم الأصلية.

والمقاربة الحقوقية وميثاق حقوق الإنسان وانتفاء القصد الجنائي ذلك أن أسباب نزوحهم وأسباب الهجرة غير خفية غالبا ما تكون من أجل البحث عن عمل وتحسين الوضع الاجتماعي. كما أن الهجرة وتنقل الأشخاص من صلب الطبيعة الإنسانية على مدى الزمن فالمهاجرين الحاليين والمهاجرين المحتملين ليس أمر اختياري بل هو خيار اضطراري تفرضه المتغيرات التي تعرفها الدول نفسها سواء تعلق الأمر بحروب أو عدم استقرار أو فقط لعدم توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية التي تكفل العيش الكريم.

فبين المقاربتين يأتي دور المؤسساتي للدولة حول كيفية إدماج هذه الأقليات من المهاجرين وتسوية وضعيتهم إزاء القانون وتوفير لهم الرعاية الاجتماعية والصحية وكذلك خدمات الترجمة لتسهيل التواصل معهم وكأحد الحقوق المكفولة لهم طبقا للقوانين الجاري بها العمل.

في بعض الدول الأوربية التي لها تجربة طويلة في مجال الترجمة وحقوق الإنسان يتم التعاقد مع شركات خاصة في إطار التدبير المفوض وذلك لتوفير خدمات الترجمة في اللغات الأكثر تداولا في العالم وعيا منها في حق التواصل مع المهاجرين باللغة التي يفهمونها وجزء من العناية التي تقدمها لهم سواء في إطار المساعدة الاجتماعية أو الطبية أو المساعدة القضائية. بحيث توفر هذه الشركات مترجمين محترفين كلما اقتضى الأمر ذلك بطلب من مصالح الترجمة التابعة للمؤسسات الحكومية.

في نفس السياق تعتمد غالبية الدول في هيكلة مؤسساتها الحكومية التي لها صلة بمجال التعاون الدولي والعلاقات الدولية والهجرة مصالح تهم الترجمة والتواصل تسند إليها مهام كالإشراف على أعمال الترجمة والتنسيق والمراقبة.

ذ. نبيل الوهابي

إطار بوزارة العدل

مشاركة