الرئيسية آراء وأقلام الإدارة المغربية بين البحث عن الكفاءات و نظام الغنائم السياسية

الإدارة المغربية بين البحث عن الكفاءات و نظام الغنائم السياسية

كتبه كتب في 4 ديسمبر، 2019 - 11:12 صباحًا

عبد الله رشاك / صوت العدالة

ينبغي الرجوع إلى بدايات التجربة الولايات المتحدة الأمريكية في تقلد الوظائف؛ فقد كان الحزب الفائز،من الجمهوريين أو الديمقراطيين،يستولي على دواليب الإدار ة ،طاردا منها خصمه المهزوم. بالإدارة ومناصبها كانت تعد غنيمة حرب سياسية ،باعتبارنتيجة النصر فيها توكيلا من الناخبين الذين اختاروا حزبا معينا لتحقيق مطالبهم.
وقد عانت الولايات المتحدة من هذا نظام الغنيمة السياسية وتأثيرها السلبي على أداء موظفين لا يتوفرون إلا على شرعية انتخابية بدون كفاءة تدبيرية او أخلاقية ولا حكامة.
إن نظام الغنائم système des dépouilles هذا ما زال معمولا به في عدة دول منها المغرب،وذلك رغم تدخل التشريع والتنظيم règlement .فهناك توافق ضمني داخل المجتمع السياسي على هذا النمط من التدبير الغير عقلاني للشأن الإداري والوظيفي ،وذلك في إهمال مقصود ومتواطأ عليه .وهذا من متناقضات الفاعلين السياسيين الذين ينادون ويشرعون وينزمون لشيء يتوافقون على ترك العمل به ثم التنديد به وتبادل التهم بشأنه في الملاسنات السياسية والدعائية بمناسبة الانتخابات وحسب الظروف.
انتقاد وتقييم التعيين في المناصب العليا،في خالة مفتشنا العام ،لا تخرج عن هذا النطاق؛فرغم وضوح مرسوم التعيينات في الوظائف السامية وما في في حكمها،فأن هذه المقتضيات التنظيمية لم تحل دون مرور حوت كبير من شبكته إلى اعتلاء منصب مفتش عام.
ما العمل،إذن لتغيير هذه التجاوزات؟
تدخلت السلطات الثلاث في أمريكا، لوضع حد لنظام”الغنيمة” وأحلت مكانه نظام الاستحقاق والمساواة بين جميع مواطنين الولايات .وهكذا تم تعميم الانتخاب العام المباشر لاعتلاء عدد كبير من الوظائف الإدارية من عمدة وشريف”sheriff ” ووو ،في حين تتقلد المناصب الإدارية العليا الأخرى اعتمادا على مباديء الاستحقاق والمساواة والمباريات الحقيقية ،مع مراقبة صارمة من الجهاز القضائي محليا ومركزيا(محاكم الولايات والمحكمة العليا) .
وحتى شغل المناصب السياسية الكبرى في أمريكا،داخل الإدارة الأمريكية،مثل كتاب الدولة ونوابهم ،من مساعدي رئيس البلاد ،يخضع بموافقة البرلمان الأمريكي عبر لجان استجواب المرشح للوظيفة أوالمنصب السامي الذي يقترحه الرئيس؛فهذا الأخير يمتلك سلطة تقديرية مطلقة في ترشيح من يشاء لكن دون الإخلال بسلطة المراقبة عليهم من إلبرلمان(مجلس الشيوخ على الخصوص).
إن ما يعيشه المغرب في مجال التعيين في هذه الوضعيات العليا يعود بقايا تقاليد تدبير الشأن العام ،توارثته الأنظمة الحاكمة المتعاقبة ،تجعل من ذلك وسيلة مأمونة لتنفيذ سياساتها . لذلك لا زالت تفضل التعيين المقنن على الانتخاب ،مع ترك الكلمة الأخيرة للسلطة التقديرية لصاحب القرار. وقد عزز الاستعمار الفرنسي من هذا النمط في التدبير بإيلاء سلطة التعيين مرتبة أسمى من الانتخاب والمساواة والكفاءة ،في تطبيق وتوارث لهواجس الدولة الفرنسية اليعقوبية الصارمة المركزية والمتوجسة من الأطراف والضواحي l’Etat central et les Jacobins contre la périphérie.
وقد عملت فرنسا على التحرر نسبيا من بعض أثقال تاريخها وعمدت إلى إدخال إصلاحات مهمة على نظامها السياسي والإداري لإحداث تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة ،ركيزتها عنصر بشري يحتكم إلى قواعد تنافسية مضبوطة تحت بمراقبة المحاكم المدنية والمحاكم الإدارية وعلى رأسها مجلس الدولة الفرنسي والمجلس الدستوري. هذا علاوة على سلطة المجتمع المدني والسلطة الرابعة التي تقدم للعموم وتنتقد الخلفيات و تقاعس السلطات الأخرى عند الضرورة .
لذا لا تواصلنا في المغرب من العمل على تطوير التعامل مع مجال حساس كهذا،وذلك بنشر الوعي بجدية الالتفات لموضوع كهذا لما نراه من تردي خدمات مرافق عمومية بسبب اختلالات في تركيبة بشرية لا تقيم كبير وزن لمباديء الحكامة والمساواة وبسبب غياب ربط المسؤولية بالمحاسبة.فما أحوج مغربنا في هذه الظروف لإعادة النظرb في نمط التدبير الإداري على كافة الأصعدة،في وقت تعالت الأصوات مطالبة باعتماد نموذج تنموي جديد.

مشاركة