الرئيسية آراء وأقلام الانتخابات المهنية 11 : كل انتخابات والقضاة بخير

الانتخابات المهنية 11 : كل انتخابات والقضاة بخير

10405483 467266870079107 1855930700356480492 n.jpg
كتبه كتب في 21 أغسطس، 2016 - 12:26 صباحًا

الأستاذ مهدي شبو

أستطيع أن أستمر في سرد انطباعاتي على انتخابات 23 يوليوز 2016 لحلقات كثيرة قادمة ، فمحاضر النتائج حبلى بالمؤشرات الدالة بإيجابيها وسلبيها ، لكن مزيد من استقرائها لاشك سيسقطنا في الشخصنة خصوصا أن هنالك حالات محددة تستحق أن تدرس وتربط ببعض ما سبق أن سقناه عن السلوك الانتخابي للقاضي ، وحسبي أني توقفت على أبرز المعالم العامة لهذا الاستحقاق ، وأنا أختم هذه الانطباعات سأتوقف عند بعض التأملات والاستنتاجات والتراكيب والمقترحات .
– مهما بلغت قدرة المرء على التحليل ، فإنه يحتار في تفسير بعضا من الاتجاهات العامة للتصويت خلال انتخابات 23 يوليوز 2016 ، ومنها التصويت الكثيف للقضاة الشباب حديثي التخرج على مرشحي الائتلاف ، مقابل تصويت كهول القضاء وشيوخه لفائدة ياسين مخلي ، مع أن المعادلة الطبيعية في التصويت تقتضي أن يصوت الشباب للخطاب المتحرر ويصوت الشيوخ للخطاب المحافظ ؛
– سجلت الانتخابات الأخيرة نسبة مشاركة بلغت 93.61 ℅ ، ولو تمكن القضاة العاملين بالبعثات الدبلوماسية بالخارج والمعارين لدول الخليج من المشاركة ، ولم يأت الاستحقاق في قلب العطلة القضائية ، لكانت النسبة قياسية ، والنسبة المسجلة لها دلالاتها ، وإن دلت على شيء ، فإنما تدل على ثقة القضاة في هذه العملية وانخراطهم في تنزيل المقتضيات الدستورية والتنظيمية على أرض الواقع من خلال انتخاب ممثليهم ؛
– عادة ما يوسم التمييز الايجابي للمرأة في المجال السياسي بشبهة رعاية الريع ، وهو ما يمكن أن ينطبق على الكوطا النسائية في انتخابات المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، فالاعتقاد بسهولة الحصول على مقعد ، كان عاملا رئيسيا في تقديم جزء لا بأس به من الترشيحات ، حتى إن بعض المرشحات لم يذهبن بعيدا في التعريف بأنفسهن ؛
– الحملة التعريفية التي جرت بوتيرتين إحداها بدائية وأخرى على الطريقة الأمريكية و معدل الأصوات التي بلغت معدلات قياسية لم يسبق أن عرفتها الانتخابات المهنية ، يُظهر بأن هذه الانتخابات كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة لبعض الأطراف في مناخ اسثتنائي غدته تعددية التمثيل الجمعوي للقضاة ، والوضع مؤشر سلبي في المستقبل بالنسبة للمرشحين الصغار والمستقلين ، والأمثل أن يتدخل المشرع لمنع الحملات التعريفية خارج المحاكم حفظا للوضع الاعتباري للمهنة وتكريسا لمبدأ تكافؤ الفرص ، كما ينبغي على المجلس الأعلى للسلطة القضائية أن يخصص جانبا من مدونة السلوك والقيم القضائية المزمع أن يصدرها للسلوك القضائي أثناء الانتخابات ؛
– على غرار الانتخابات العامة ، كنا ننتظر أن يتقدم المرشحون والمرشحات بتفاصيل عن تكاليف حملاتهم التعريفية ، بالنظر للبذخ الذي ميز بعضها حفاظا على استقلالية المرشح التي لا تنفصل عن استقلاليته كقاض ، وبالفعل قدم بعض مرشحي نادي قضاة المغرب بيانات رمزية عن تكاليف حملاتهم ، لكن مبادرتهم تبقى جزئية مالم يقتف آثارها باقي المرشحين ؛
– شهدت الانتخابات الأخيرة ، أضعف مشاركة للمسؤولين القضائيين وأضعف حضور لهم في تشكيلة المجلس في تاريخ هذه الانتخابات ، إذ تقدم عشر (10) مسؤولين من أصل 58 مترشح أي ما معدله 17.24 ℅ ، لم ينجح منهم إلا ثلاثة (3) أي ما معدله 30 ℅ من مجموع التشكيلة الإجمالية للقضاة المنتخبين ، كلهم من محاكم أول درجة مع الإشارة إلى أن أحدهم عضو سابق وتقدم للمرة الثالثة على التوالي والثانية نجحت عن الكوطا النسائية ، فيما لم يتمكن أي مسؤول من الظفر بالمقعد التمثيلي بالنسبة لممثلي محاكم الاستئناف ، ولعل الداعي لضعف حضور المسؤولين القضائيين ترشيحا وتشكيلا على غير العادة هو عامل التفرغ الذي يقتضي التنازل عن المسؤولية القضائية بجانب إكراه الاستقرار؛
– تميزت التشكيلة الجديدة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بظاهرة التشبيب ؛ فمن أصل عشرة أعضاء ، ينتمي خمسة منهم ( بواقع 50 ℅ ) إلى الأفواج الممتدة من 28 إلى 32 ، وهي ميزة تسجل للمجلس الحالي التي تجعله الأكثر تشبيبا في تاريخ المؤسسة كلها ، في حين لم يكن بالمجلس المنتهية ولايته إلا عضو شاب واحد ينتمي إلى الفوج 29 ، والملاحظ أن نادي قضاة المغرب كان الجمعية المهنية التي قدمت أعضاء شباب بواقع 3 من أصل 5 .
– سجلت الانتخابات الأخيرة ظواهر على مستوى المرشحين الفائزين والخاسرين على سواء، وأريد أن أتوقف على نموذجين أولهما عادل نظام عن الائتلاف الذي أثبت أن وصفة النجاح معقدة وتتداخل فيها معايير كثيرة أبرزها القرب من القضاة وتعدد المنابع وتنوع المهارات الشخصية والاجتماعية ، والثاني الشاب هشام حضري عن نادي قضاة المغرب فهو ينحدر من حاضرة صغيرة هي وزان ، وقضى مساره المهني كله بمركز تلسينت ( المحكمة الابتدائية بالراشيدية ) بأحد أقاصي المغرب العميق ، ورغم كل ذلك حصل على ما يقارب 400 صوت ( ينقصه صوتان فقط) متقدما على قضاة الحواضر الكبرى والمسؤولين القضائيين كاسرا كل النظريات الانتخابوية التي تقول إنه لكي يكون لك حظ في الأصوات ينبغي أن تكون منحدرا من حاضرة كبرى وتعمل بحاضرة أو عدة حواضر كبرى ؛
– شكل الفرز المحلي الذي تم لأول مرة بمحاكم الاستئناف قيمة مضافة للعملية برمتها ، فرغم معارضة المحافظين داخل الجهاز لهذه الطريقة من الفرز ، إلا أنها أعطتنا لأول مرة معطيات دقيقة عن الخريطة الانتخابية والمحددات التي تتحكم فيها ، والسلوك الانتخابي للقاضي والتوجهات العامة للتصويت ، والمحاضر التفصيلية ل 23 مكتب تصويت التي بين أيدينا غنية بالدلالات والمؤشرات ، إلا أن الدخول في تفاصيلها يحمل إحراج كبير للباحث وللمرشحين على حد سواء لأنه لا يمكن أن تغوص في التفاصيل دون تتعرض للأشخاص ، لذلك اكتفينا بالمؤشرات العامة ، ونطالب من هذا المنبر الجهة المشرفة على العملية العمل على نشر النتائج التفصيلية بموقع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ، ليستفيد منها الباحثون والمرشحون المحتملون في المستقبل لانتخابات هذه المؤسسة الدستورية ؛
– أثبتت الانتخابات الأخيرة بأن قضاتنا تطوروا كثيرا في انتخاباتهم مقارنة بالاستحقاقات السابقة ، لكن بعض العقليات لا زالت مسيطرة ، فلا زال القضاة يؤمنون بمرجح القرب الجغرافي الذي استفاد منه المرشحون الناجحون والراسبون على حد سواء وعلى نطاق واسع ، ولم يغب المرجح القبلي الذي ظل حاضرا كعادته ، إلا أن المقلق هو إصرار الإدارة القضائية بالمحاكم على عدم رفع يدها عن توجيه الاستحقاق ؛
– في آخر إشراف لها على انتخابات ممثلي القضاة بالمجلس الأعلى ، سجلت السلطة الحكومية المكلفة بقطاع العدل ، سبقا يستحق التنويه ؛ إذ استجابت لأغلب مطالب المرشحين ، وخصصت لأول مرة في تاريخ هذه الانتخابات دعما ماديا رمزيا للمرشحين كما قامت بطبع مطويات بعضهم من ميزانيتها ، هذه الخطوة أصبحت اجتهادا ينبغي على الرئاسة المنتدبة للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المقبلة أن تسير على منواله في الاستحقاقات المقبلة بل وتطوره .
نستطيع أن نخلص من كل هذه الانطباعات وما سبقها أن انتخابات 23 يوليوز 2016 تعتبر مفصلية لأنها قادت بالفعل إلى انتخاب أول مجلس أعلى للسلطة القضائية بعد دستور 2011 الذي ارتقى بالقضاء إلى سلطة قائمة الذات ، وأهمية هذه المحطة تكمن في أن المجلس المنتخب في جزء منه يعول عليه لوضع أسس وقواعد اشتغال هذه المؤسسة لعقود لاحقة ، الأكيد أن انتخابات 23 يوليوز 2016 لم تتحرر من كل السلبيات التي لازمت جميع الانتخابات المهنية السابقة ، لكن الأوكد أن الانتخابات التي ستجري بعد أربع سنوات ستتأثر بأداء المجلس الأعلى للسلطة القضائية طيلة هذه الولاية ، وستكون مختلفة إذا تمكن المجلس الحالي من فرض المعايير الموضوعية المنشودة .

مشاركة