رشيد أنوار / صوت العدالة
“كيقولو لينا نينجا حيث كنخبيو وجاهنا و كنلتمو من البرد ومن الناس لي كتبقى تشوف فينا بحالا ماشي حنا بحالهم ” ، عبارة نطقت بها على أسماعنا سيدة في الخمسينيات من عمرها ، بصوت يميل الى الخشونة الذكورية ، و جسد نحيل مثقل بالملابس ، ووجه لا تكاد تظهر منه إلا العينين .
فتيحة او فيتيحة كما يلقبونها ، عاملة زراعية تستفيق في الساعات الأولى للصباح ، تنحدر من جماعة الخمايس ، و تنتقل الى “الموقف” حيث تنتظر أن يجود عليها القدر بفرصة عمل يوم أو يومين لتوفير لقمة العيش لأبنائها الثلاثة ،بمبلغ هزيل لا يتناسب وطبيعة الأعمال الشاقة المنجزة .
و في حديث قصير مع فتيحة ، التى رفضت في البداية الحديث خوفا من أذان المتلصصين ، حيث يتم تفادي النسوة المطالبين بتحسين الأوضاع ، من طرف المشغلين الزراعيين ، كشفت عن جانب من المعاناة اليومية للعاملات الزراعيات ، بدءا من التوقيت الى طبيعة المهام ، و ظروف النقل و الإشتغال …
“الشارفات بحالي ما بقى باغيهم حد …” حيث يتم إختيار الفتياة و النساء الصغيرات في السن ، و يتم تجميعهم في عربات بالعشرات في وضع لا يمت للكرامة الإنسانية بصلة ، و من تم يتم تشغيلهم في زرع أو جني المحاصيل ، تحت البيوت البلاستيكية ، التى تتضاعف تحتها درجة الحرارة ، و يعتمد توقيت العمل على المطلوب إنجازه أحيانا ، حيث يمكن أن يبتدأ من الساعات الأولى للصباح الى وقت متأخر من الليل .
و في جواب عن التقاعد و الوضعية القانونية أجابت بقهقهة عالية :” كولشي كاين الى لقاوك مشتت فشي شانطي مع خواتاتك “، في إشارة الى حوادث السير الأليمة التى إشتهرت بها المنطقة جراء الإصتدامات و الحوادث التى خلفت ضحايا في صفوف العاملات الزراعيات .
و يرتبط العمل بسلسلة من التراتبية من الباطرون نزولا الى الكابران أو الكبرانة ،و لا تخلو من عنف وتحرش واغتصاب وتمييز وابتزاز جنسي، مقابل الحفاظ على عملهن وضمان دخل مادي زهيد جدا لا يرقى إلى العمل الشاق الذي يقمن به.
فتيحة واحد من المئات من النسوة متزوجات او شابات ، أو أمهات عازبات ، وفي أحيان قاصرات دفعتهم الظروف الى القبول بعمل شاق وسط الأدوية الكيماوية و الظروف المزرية و نظرات المجتمع….
من جهة ثانية كشف الفاعل الجمعوي و الباحث في القانون العام ، مفتش الشغل خالد كنون لصوت العدالة
“أن المشرع المغربي أقر ضمانات حمائية كبيرة للمرأة في مدونة الشغل الصادرة سنة 2004، و حتى في النصوص القانونية الاخرى التي صدرت بعدها كالقانون 19.12 الخاص بالعاملات المنزليات.
كما ان القانون 65.99 خصص مواد تعنى بحماية الامومة و هي من المادة 152 الى 165 و رتب جزاءات عن عدم احترام المقتضيات المتظمنة فيها، و من اهم هذه الضمانات ان المشغل لا يمكنه انهاء عقد شغل اجيرة بسبب الحمل، و يمكنها الاستفادة من رخصة تبلغ 14 اسبوعا و يمكمنها استئناف عملها بعد ذلك، و خلال مدة الرضاعة يمكنها الاستفادة من نصف ساعة صباحا و اخرى زوالا مدفوعة الاجر لارضاع مولودها…الخ
كما اقر المشرع ضرورة احداث غرفة الرضاعة في المقاولات التي تشغل من يزيد عن خمسين اجيرة يتجاوز سنهن ستة عشرة سنة و يمكن استعمال ذات الغرفة كروض لاطفال الاجيرات حسب مقتضيات المادة 162 من مدونة الشغل.
و بالعودة للمادة 532 من المدونة اناطت المشرع بمفتشي الشغل مهمة التدخل لحل لنزاعات الشغل القائمة بين العمال و ارباب العمل من خلال المهمة التصالحية و التي تجنب بلوغ النزاعات للمحاكم و يتم حلها على مستوى المفتشية، و يحق لكل اجير و اجيرة تقديم شكاية امام السيد مفتش الشغل بخصوص ظروف العمل و يتم بعد ذلك العمل على استدعاء المشغل لجلسة تصالح تتم على مستوى المديرية الاقليمية للتشغيل و تتوج في اخر المطاف بتحرير محضر يتضمن كل ما تم الاتفاق عليه، كما يمكن لمفتشي الشغل القيام بزيارات للمراقبة على مستوى المقاولات للوقوف على مدى احترام المشغلين لتشريع الشغل و ذلك دون اذن مسبق و دون ليلا و نهارا.
هذا و تسعى المملكة المغربية جاهدة لاقرار حماية اكثر للاجراء من خلال العمل على تعزيز ترسانة مفتشي الشغل حيث تم سنتي 2021 و 2022 بموارد بشرية قاربت 180 مفتش جديد مهمتهم السهر على حسن تطبيق النصوص القانونية المنظمة لتشريع الشغل .”
هذا و يرجع الفضل لمجموعة من التحركات الجمعوية التى طالبت بتحسن أوضاع المرأة عامة و المشتغلة في المجال الزراعي خاصة ، بنشر الوعي في صفوفهن ، و الضغط بمجموعة من الدراسات و التقارير لرصد و كشف الإنتهاكات التى يتعرضن لها ،فأثمرت ترسانة قوية تحتاج الى التنزيل ، خاصة أن العديد من المشغلين يلجؤون الى عقود عمل موسمية يتم من خلالها التحايل على القانون ، يواجه أحيانا بنضالات وصل بعضها الى معتصمات تشارك فيها العاملات الزراعيات مطالبات بحقوقهن .
