بقلم نور الدين الرياحي
و تشاء مشيئة الله و الظروف ان تحيا الانسانية من جديد ظروفا شبيهة بالسنة الماضية بعيد ايام معدودات على عيد الأضحى و وقوف عرفات و بعدما ظن الجميع ان الانسانية ستودع هذه الجائحة بسبب تقدم البحث العلمي و خروج اللقاح الى الوجود .
لتخرج هذه المتحولات من جديد لتذكرنا اننا جميعا لا زلنا متبوعين بالوسائل الاحترازية التي فرضت نفسها من جديد في انتظار مناعة جماعية لملايير من سكان هذا العالم الذي و ان جعلت منه وسائل التقدم العلمي قرية صغيرة فقد جعلت كذلك من شدة تأثر هذه القرية بتبعات اي حدث يحدث فيها بتأثير ذلك في جميع سكانها .
لا فرق بينهم بين من يسكن في كوخ صغير او بناية شاسعة ، و لا غني و لا فقير ، و لا مثقف او جاهل ، و لا صاحب جاه و لا مستضعف في أرض و قوي فيها ، فكما قال شوقي كلنا في الهم شرق .
فحتى المتنزه في نزهة الاحد يجد نفسه ملثما و حاملا لزجاجة تعقيم ، مجبر على اكمال نزهته و متوجسا من هواجس القرية الصغيرة المكونة من حوالي 6 ملايير نسمة لم يلقح فيها الا 400 مليون لحد الان رغم جهود الدول و اعتبار من كان له السبق في الفوز بهذا التلقيح محظوظا .
مما يجعل الانسانية تتوقف من جديد لتفكر في الظروف المستقبلية التي تفرضها هذه المتحولات لهذا الوباء اللعين الذي منذ سنة نصف لم يخطر على بال اي انسان ان قريتنا الآدمية ستعجز أمامه و هي التي من فرط تقدمها وصلت إلى القمر و انتجتالابتكارات الأكثر تقدما منذ خلق الله الانسان في الكرة الأرضية في ظرف نصف قرن .
و اعتقدت البشرية بانها أمنت مستقبلها ، و لكن لحكمة الله في خلقه شؤون . و سألني مرافقي على نزهة تورجنيف مع مياه الربيع و وعدي له بإكمال نزهة الاحد الماضي مع اندري موروا الذي ارتأى مترجم القصة الاديب حلمي مراد ان يقدمها في ترجمته و حسنا فعل .
لان هذه المقدمة الجميلة التي ترفع من الشعور الإنساني في كتابة سير العباقرة كشرح لنفسيتهم المتميزة مدخل لا مندوحة عنه للولوج الى أعماق احساستهم الرقيقة بأقلامهم الرفيعة المستوى .
التي تنزل وحيا شبيه بالوحي الذي ينزل على كبار الموسيقيين أمثال بيتهوفن و موزارت و باخ و نحن نستمع الى سيمفونياتهم.
و كان اندري موروا كان قائد الجوقة العازفة لمياه الربيع و هي تترقرق ماء فراتا على قارئيها ، و من البيان سحر . ان ما ورد في مياه الربيع على لسان تورجنيف ما كان ليكون كذلك لولا ان قصته واقعية لنجد سيرته التي اوردها عازف سيمفونيته اندري موروا تفسيرا لاضطراب نفسية هذا الكاتب العبقري بسبب قصص الحب العذبة التي عاشها .
و عبر عنها و ادخلته الى مجد القلم من بابه الواسع و هو ذلك البدوي الروسي ذو الاصول النبيلة و المتحرر فكريا من الفكر الاقطاعي المتجذر في روسيا آنذك درجة محاربته و دخوله السجن و السياحة في مصادر الإلهام الاروبي إيطاليا و المانيا و فرنسا . . فعندما يقول :
“إن الحب الأول ثورة! ثورة تحدث انقلابًا في مجرى الحياة التي تسير على وتيرة واحدة، تحدث هذا الانقلاب في لحظة: فليصعد الشباب على المتراس، ويغرس هنالك رايته الساطعة التي تخفق عاليًا، لا يحفل يما ينتظره- موتا كان أو حياة جديدة- فهو يحيا النهار الجديد الذي يطلع، كائنا ما كان، ويتحدى المستقبل.”
فمعروف على تورجنيف انه من طبقة النبلاء وعلى الرغم من أفكاره المجردة عن الحب والعفة والشرف كما هي متعارف عليها في هذه الاوساط . لم ينتفع بأي شيء منها حينما اختبر بالفتنة ، و لم ينفع معها الورع و التقوى و التدين ، و كانه يردد مع صباح فخري قل للمليحة في الخمار الأسود ماذا فعلت بناسك متعبد ؟
– إن الرجال الضعاف لا يحسمون المسألة أبدًا، بل ينتظرون أن يزول الموقف الحرج من تلقاء نفسه.
– إن الرجال الضعاف يستعملون الكلمات القوية العنيفة حين يتحدثون إلى أنفسهم..
وهذا فعلا ما ستجده حين تقرأ مياه الربيع، فسيتضح لك أنه كان من السهل- جدًا- أن ينتهي كل هذا العبث بقوله لماريا نيقولاثينا، المرأة اللعوب :
“لا اعذريني! لا أرى غرضًا للمكوث!”ولكن في باطنه، كان يشعر بانجذاب خفيّ كما انتقده النقاد .
فهذه المواجهة القوية بين حبه الأول لجيما، ونزوته الشيطانية الغريبة لماريا.. إن له مشاعر في الحالتين.. : فهذه الثنائية في الحب في وقت واحد التي تشعل قلب تورجنيف هي ما عبر عنه “لقد صدق حين قال أنه أصبح لا يعرف نفسه.. إنه الآن مسحور!”
اذن لم يجد إلا الغيبيات في تفسير هذا الحب المزدوج .
لكن اندري موروا عازف سيمفونية حلله تحليلا نفسانيا عندما كتب :
ان عواطف ترجنيف قد ظلت دائما تتأرجح بين الشهوة و الصداقة، حتى لقد كان كثيرا ما يحدث صديقاته الجميلات عن ايديهن و ما تثيره في نفسه من حب و اعجاب ..
فقد كتب مرة إلى محبوبته و جابرة قلبه البارونة فريفسكي يقول :
انني اود ان اقضي بجوارك بضع ساعات اتناول خلالها الشاي ، و اتطلع الى النقوش التي ترتسم على زجاج النافذة ، ، و قد غشته سحابة رقيقة من الجليد ، او بالأحرى الى عينيك الجميلتين الساحرتين، و الثم من وقت الى آخر أنامل يديك الناعمتين ، فلكم اعبد هاتين اليدين !!!
واي امرأة لا تعتني بيديها الناعمتين و قد أسر لها رجل مثل تورجنيف و نبهها الى نعومتها في الوقت الذي يعجب به عامة الرجال بأشياء اخرى في المرأة الجميلة !
فلقد تفنن تورجنيف في وصف جمال المرأة من يديها الى ذراعها و هي الموسيقية الجميلة جيما الإيطالية الاصل و هو يصف ذراعيها المرمريتين و كأنها ذراع ربات الالولمب الاغريقية بياضا و اكتنازا و يستطيع قلمه ان يغوص في وصف الجمال الذي حرمه من الزواج خوفا من تلف مصادر الهام عبقريته الفذة التي لم يعجب بسيرتها قلم جذاب آخر في الأدب الفرنسي اسمه اندري موروا سدى !!!!
فقد وصف فعلا تورجنيف بالحرف جيما في مياه الربيع بالقول :
” ما زالت تترائ له في اطار النافذة المظلمة ، تحت ضياء النجوم ، فكان يرى ذراعيها المرمريتين، اللتين تشبهان ذراعي ربة من ربات الاوليمب، و اذا به يحس على كتفيه بثقل هاتين الذراعين، ……”
و يزيد اندري موروا :
و بعد ذلك بفترة وجيزة عاد يكتب اليها و يقول :
إنني لاشعر بالشيخوخة تسري في كياني، و ليس في ذلك ما يدعو الى الغبطة ، بل فيه ما يبعث على الكآبة و الحزن !
و إنني ارجو من صميم قلبي – قبل ان ينتهي كل شيئ -ان أتمكن مرة أخرى من انطلق الى الفضاء …..فهل لك ان تساعديني؟
و اي فضاء لنفس شاعرة !
و يزيد اندري موروا في التغول في نفسية تورجنيف و ينقل باقي رسالته الى البارونة الشابة الجميلة ذات اليدين الناعمتين :
لقد أحببتك كصديقة عند لقاءك للمرة الأولى، و شعرت برغبة في الاستمتاع بك ، و لكن زهرة حياتي كانت قد ذبلت ، و بت على أعتاب الشيخوخة، و انطفأ ما كان يضطرم في قلبي و في جسمي من قوة ، فلم يكن دافع الرغبة من القوة بحيث يحملني على طلب يدك للزواج !
ورغم أنه كانت هناك اسباب تعترض سبيلي في ذلك الوقت ، فقد كنت اعرف حق المعرفة انك لن تقبلي ما يسميه الفرنسيون “بالمهزلة ” و لعل هذا ما يفسر سلوكي !
و ينتقل اندري موروا الى تحليل عبقرية تورجنيف في حياته الواقعية التي الهمته مياه الربيع و الأراضي العذراء و مذكرات صياد و غيرها و ينقل له :
لقد كان مسلك تورجنيف و هو في ستينات عمره اشبه بمسلكه مع ” تاسيانا” شقيقة صديقه باكونين و هو شاب يافع لم يتجاوز العشرين ربيعا.
وحلل من جديد اندري موروا بذلك الأسلوب الفرنسي العصي هذه الحالة النفسية لتورجنيف معلقا بتلك القولة المشهورة التي سرت عليه ربما هو نفسه لانه معروف عن موروا أنه تزوج زواجه الثاني من عشيقة الكاتب الكبير اناتول فرانس هو كذلك ، التي قدمها له المارشال بيتان في حفل عشاء رومانسي .
و كان ربما يشعر نفس الشعور الذي يفسر بان علاقات هذه الزوجة التي يقال انها هي التي اوصلته الى الأكاديمية الفرنسية !!!!!
و يستطرد موروا في تحليل كل ذلك بواسطة قلمه الجذاب :
و غير خفي ان بين الشيخوخة و الشباب وجوه تشابه عديدة ، إذ عندما ينشأ المرء خياليا في طفولته ، فانما يظل على حاله الى النهاية ، و من هنا تمتاز غراميات الشيوخ و غراميات الشباب بذلك السحر المقرون بالاسى الذي يخلعه عليها الحياء و الخجل !
انتهى تحليل اندري موروا .
و اذا كانت هذه شخصية بطل قصة مياه الربيع فان الشخصية الثانية نيقولا ثينا لخصها تورجنيف نفسه في تحليل لا يقل عن تحليل اندري موروا بقوله في مياه الربيع :
و هي امرأة غنية . فهي مرحة، ذكية للغاية، تلعب بالنفوس وبالفلوس كما شاءت! أوضحت دوافعها للحب بكل تلقائية و ببراعة منقطعة النظير وبسلام نفسي كبير.. و دون ندم و لا تردد من أجل شهوتها العارمة رغم أنها كانت متزوجة،
و كان جوستاف فلوبير اقتبس منه قصة مدام بوفاري و قد قرأت على تورجنيف بأنه كان صديقا حميما لفلوبير و لم ادرك سر ربط صداقتهما إلا بعد قراءة سيرة اندري موروا فتبين لي ان ما لم يستطع تورجنيف كتابته عن نفسه استطاع صديقه الاديب الذي كان لا يفارقه نقله إلينا في مدام بوفاري التي حوكم من أجلها اخلاقيا جوستاف فلوبير و يعذرني القارئ على هذا الربط و التطفل على الاداب و النقد الأدبي بحكم الفكر القانوني و بقايا سلطة الاتهام احيانا التي من جملة خصائصها الربط بين الجريمة و مرتكبها و التي تنفع في الاداب عندما تتوالى قراءات سير الادباء و نوع العلاقة التي كانت تربطهم
.و أعد القارئ ان شاء الله ان احاول دراسة مقارنة لا يمكن أن يفلت منها فلوبير و تورجنيف عند نسخ المقاطع الساخنة من الروايتين و هي محاولة فقط من القانون ان يساهم في فك لغز عشرة الادباء و ان اخفوها عنا احيانا و مدى ذلك الإلهام الذي حوكم من أجله صديق تورجنيف الحميم جوستاف فلوبير …… ولما لا يكون السبق لقانوني قاضي سابق و محامي فك لغز محاكمة جيستاف فلوبير و التي تساءلنا عند قراءتها و الاطلاع على صك اتهام النيابة العامة و حكم المحكمة و حيثياتهو لم يشر محاميه آنذك على سر مثل هذا لسبب بسيط ان قصة مياه الربيع التي اعترف تورجنيف بانها قصته الواقعية لم يعترف بها الا في أواخر حياته فهل سبقني احد لذلك ام لا مجرد استنتاج لا أقل و لا أكثر من ظاهر أوراق الملف كما يقول القانونيون اعتذر عنه مسبقا و ليعذرني قارئ الاداب على تطفل سلطة الاتهام الأدبي عذري في ذلك ما الوصول الى الحقيقة و كان هناك حقيقة في فضاءات الإلهام التي قال عنها تورجنيف نفسه أنها فضاء و عالم آخر !
فقالت نيقولا تينا مبررة تصرفها المشبع بالخوف الديني الذي تربت فيه في عالم الاقطاع و العبيد بقلم تورجنيف: :
إنني لا أكره التفكير… فإنما وهب الإنسان عقلا ليفكر… ولكنني لا أفكر أبدًا في النتائج التي يمكن أن تنجم عن أعمالي.. إنني أنساق حين يجب الانسياق، فلا أهتم ولا أقلق.. شعاري: ” ليكن ما يكون”.. وفي هذه الحياة الدنيا، لا حساب… أما في الحياة الأخرى، أما في السماء (قالت ذلك ورفعت أصبعها نحو السقف)… هه… فليصعنوا بي ما يشاءون! حين يحكمون علي في الحياة الأخرى، فلن أكون أنا نفسي!
إلا أنها لم تستخدم أموالها للإغراء بسانين.. بل اعتمدت على ألعابها الذكية ونقاشاتها. و على انوثتها كما اغرت ربما سارة الكاتب العربي و المفكر عباس محمود العقاد الذي اعترف بانه احب سارة لانوثتها الاستثنائية و مؤكد انه اطلع على الأدب الروسي .
و لما لم يكن هو نفسه قد صادف اليدين و الذراعين المرمرتين و الجيد الضاحك و العينينين المشعتين في نزهة خفية لحسناء القد الجميل و سخونة أنثى إيطاليا ، و آلهة الاوليمب الاغريقية التي تجمع كل هذه الأوصاف!!!
التي استطاع وصفها تورجنيف بواقعية كبيرة لانها قصتها قصته باعترافه و شتان مابين الخيال و بين صدف الحقيقة! ان الصدف لا تأتي هكذا فلها أسرار غيبية كما عشنا و لا زلنا نعيش في عالم العاطفة المتشعب !
انها اليقين الذي يتأكد لمحب رقيق مثله فينحني اجلالا للجمال و تنحني لقلمه بعد ذلك ، الذي وصف بتلك الرقة قدود الجميلات جماهير المعجبين و المعجبات في العالم كله جماهير العالم !
لان من جملة ما ذكر اندري موروا انه عندما مات تبعت نعشه المئات من الآلاف لتلقى عليه النظرة الأخيرة على من كان في استطاعة قلمه ان يصف ذراع المرأة المرمري بتلك الصورة الاستثنائية!
و لربما كما فعلت جماهير مشيعي فيكتور هيجو التي اشترت أماكن في الجنازة للقرب و التي تعتبر اكبر جنازة في تاريخ فرنسا بلغت حوالي مليوني معجب و معجبة آنذاك في ظروف لم يكن فيها التواصل سهلا كما هو عليه اليوم .
و هي قصة لمجد القلم عندما لا يضاهيه اي مجد قبل ان يصبح في عصرنا مجد القدم كما قال توفيق الحكيم مرة لانيس منصور !
و رغم ما اعتبره النقاد حول فكرة مياه الربيع الأساسية و الكلاسيكية لانها كانت واقعية لحدٍ كبير.مستشهدين بانه . كم من رجل قويّ البنيّة، ضعيف الإرادة، تغويه امرأة لعوب؟؟
لان مياه الربيع ترينا كيف تستطيع المرأة أن توقع أشد الرجال حبًا في شباكها.. .و مهما ذكروا بان ذلك يتجلى في قصة سانين بطل القصة مع ماريا نيقولاثينا.. و هي المرأة الثرية المتزوجة الذي كان زوجها يغض الطرف على خياناتها و يا مس من أخلاقيات المجتمع الاروبي و ثقافته .
و رغم ما كتب مرة أخرى على ذلك بان هذه المرأة التي وصفها “إيفان تورغينيف” و استطاع رسم أبعاد شخصيتها بفنية بالغة كانت تعلم منذ البداية ماذا تريد،. رغم كل انتقاد .
يبقى تورجنيف هو القلم الوحيد الذي استطاع الدخول الى أحاسيس المرأة العميقة التي لا تفصح عنها عادة و خير دليل ما اومأ اليه في القصة بانها كانت تتلذذ من انتشال تورجنيف من حب خطيبته الجميلة الإيطالية لما جاء يبيع لها قطعة أرضه ابتغاء المال ليكمل عقد الزواج فوجدته ذلك الفتى و اشتهته ليعيش،معها تلك القصة حيث أدركت طريقة الوصول اليه و هي واقعية منطقية لشخصيتها حسب النقاد وأنها ليست نادرة على الإطلاق.. لإنها ما زالت موجودة، ويمكنك أن تراها كل يوم (باختلاف الثقافات والبلاد وحتى المستوى الاجتماعي!)
و لم يجد قلمه صعوبة في وصف سلوكها عندما كتب :
” وكانت ماريا نيقولاثينا تنظر قدما إلى الأمام تعانق بنظرتها الأفق كله، حتى كأن روحها تلتهم كل ما كانت تراه: تمتلك الأرض والسماء والشمس وحتى الهواء. .وما كان يؤسفها إلا شيء واحد: لماذا لا تصادق إلا عقبات قليلة؟؟ إنها تود لو تنتصر انتصارات أخرى، انتصارات أخرى!”
و هي فكرة حب الانتصار عند المرأة الجميلة الغنية التي أدركت كل شيئ و لا زالت متعطشة للذات أخرى داخلية !
و ليس هناك ربما وصف أبلغ لمثل هؤلاء النساء الجميلات الثريات فهن يردن امتلاك حتى الهواء حسب نظريته المعاشة واقعيا مع ماريا !
فقد أورد اندري موروا نفس الخطاب الذي كان تورجنيف في حياته الواقعية قد أرسله الى عشيقته سافينا الممثلة المسرحية العملاقة ( و لربما جيما في القصة التي كانت مخطوبة لضابط غيره ) و التي كان يرى فيها ممثلة موهوبة مثل بولين فياردو عشيقته السابقة . اذ يقول اندري موروا و هو يعمق تحليل علاقات تورجنيف بين نسائه :
كانت سافينا شان السيدة فياردو فنانة ساحرة تعرف كيف تلهب حماس الجمهور ، فكان تورجنيف ينفك يقول لها :
مهلا يا صديقتي، ارجو ان تظل صورتك مطبوعة دائما في ذاكرتي ، كما أراها في هذه اللحظة…… و كانت ماريا خير من يفهم عواطفه و أفكاره على حقيقتها
(لانها كانت فنانة و عازفة و متذوقة لادابه و كتاباته و حتى بعض أسراره مع نسائه ، …… )
فضلا أنها كانت تمتاز على السيدة فياردو بسحر الشباب و نضارته، فقد كانت في الخامسة و العشرين من عمرها عندما وقفت على خشبة المسرح لاول مرة لتمثيل مسرحية شهر في الريف. و التقى بها في شيخوخته و خاطبها قائلا :
ترى هل تنبت في جذوع هذه الشجرة اليابسة ، براعم جديدة ؟
لقد غمرت النساء الجميلات بعطفهن و حنانهن ، قلبي الهرم ، فاسترد تحت لمساتهن الناعمة لونه الأحمر الارجواني الذي ذوى منذ زمن بعيد ، فاشتعل فيه ما نطفأ من نار الشباب و حماسته …..”و يستطرد موروا : و قد كتب مرة أخرى الى سافينا اذ فارقها يقول:
انني احس الان انك احتللت في حياتي مكانة لم يشغل مثلها غيرك …..و هذا ما يجعلني افكر فيك كثيرا بل أكثر مما يجب …..اني احبك !!!!
يتبع ان شاء الله
مذكرات نور الدين الرياحي
نزهة الاحد رقم : 27
4 يوليوز 2021