الرئيسية آراء وأقلام موقف التشريع المغربي من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري

موقف التشريع المغربي من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري

IMG 20220605 WA0081.jpg
كتبه كتب في 5 يونيو، 2022 - 7:18 مساءً


زكرياء يفيدي : باحث بسلك الدكتوراه تخصص قانون الأعمال


لقد أثار موضوع المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري نقاشا حادا، بين مؤيد و معارض بإسناد المسؤولية إليه و يرجع هذا النقاش إلى اختلاف وجهة نظر كل اتجاه بين من يرى أن أساس المساءلة في القانون الجنائي هو العلم و الإدارة لديه في حين أن الاتجاه الآخر يسلم بكون الشخص الاعتباري له جميع مقومات المساءلة الجنائية، مما يطرح التساؤل عن موقف التشريع من مبدأ المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري.
نص المشرع المغربي على مسؤولية الشخص الاعتباري منذ سنة 1962 كمبدأ عام بمقتضى الفصل 127 من مجموعة القانون الجنائي المغربي، و الذي ينص: “لا يمكن أن يحكم على الأشخاص الاعتبارية إلا بالعقوبات المالية و العقوبات الإضافية الواردة في الأرقام 5. 6. 7. في الفصل 36 و يجوز أيضا أن يحكم عليها بالتدابير الوقائية العينية الواردة في الفصل 62”.
فباستقرائنا لمقتضيات الفصل المذكور أعلاه، نجد أن المشرع المغربي قد نص على أنه يمكن تطبيق العقوبات الواردة في الفصل 36 من القانون الجنائي على الأشخاص الاعتبارية و هي كتالي:

  • المصادرة الجزئية للأشياء المملوكة للمحكوم عليه.
  • حل الشخص المعنوي.
  • نشر الحكم الصادر بالإدانة.
    بالإضافة إلى ذلك أجاز المشرع في الفصل 127 إمكانية تطبيق التدابير الوقائية العينية المنصوص عليها في الفصل 62 من مجموعة القانون الجنائي و هي:
  • مصادرة الأشياء التي لها علاقة بالجريمة أو الأشياء الضارة أو الخطيرة أو المحظور امتلاكها.
  • إغلاق المحل أو المؤسسة التي استدخلت في ارتكاب الجريمة.
  • انطلاقا من مقتضيات الفصل 127 من مجموعة القانون الجنائي يتضح أن المشرع حدد طبيعة العقوبات التي يمكن تطبيقها على الأشخاص الاعتبارية مع الإجابة على الفصل 36 في فقراته 5 و 6 و 7 ، وكذا الفصل 62 عن ذات القانون لكن الملاحظ أن المشرع المغربي لم يشر في الفصل صراحة إلى المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري. بل اقتصر فقط على تحديد نوع العقوبات التي يمكن أن نطبقها على الأشخاص الاعتبارية.
    وبالرجوع إلى القانون الجنائي المغربي نجد أن المرجع الوحيد للمسؤولية الجنائية للشخص الإعتباري هو الفصل 127 المنصوص أعلاه غير أنه قبل التطرق إلى مدى كفايته التطبيق على الشخص الاعتباري لابد و إن نشير إلى أن مقتضياته أثارت نقاشات فقهية انقسمت إلى اتجاهين، الاتجاه الأول يؤكد أن مسؤولية الشخص الاعتباري جاءت على سبيل الاستثناء فقط في القاعدة العامة التي تستنج أساسا من مقتضيات الفصل 132، من مجموعة القانون الجنائي التي تنص على أن المسؤولية الجنائية لا تقع إلا على الشخص المتمتع بالعقل و الإرادة و التمييز ، أي الشخص الذاتي فقط.
    ولكن الفقرة الأخيرة من هذا الفصل أشارت إلى أنه : ” لا يستثنى من هذا المبدأ إلا الحالات التي ينص فيها القانون صراحة على خلاف ذلك” و معنى ذلك أن المشرع المغربي يجيز استثناء مسألة الشخص الاعتباري الذي لا يتمتع بالعقل و التمييز في حالة ما إذا وجد نصا خاص يصرح بذلك.
    و الاتجاه الثاني يرى أن المشرع المغربي وضع قاعدة عامة لمساءلة الشخص الاعتباري دون تحديد قواعد هذه المسؤولية ولا شروطها، أي أنه نص معاقب وليس مجرم بالإضافة إلى أنه لم يحدد أنواع الأشخاص الاعتبارية التي يمكن مساءلتها جنائيا بالإضافة إلى الحكم على الأشخاص الاعتبارية بالعقوبات الأصلية كالغرامة و التدابير الوقائية العينية : كإغلاق المؤسسة أو المصادرة أو الحل و نشر الحكم ، كما أشار المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية في بابه السادس المتعلق بأحكام خاصة ببطائق الأشخاص الاعتبارية من المادة 678 إلى المادة 686، الهدف منها جمع المعلومات المتعلقة بالعقوبات أو التدابير الصادرة في حق الأشخاص الاعتبارية أو في حق الأشخاص الذاتيين المسيرين لها.
    وطبقا لقواعد المسؤولية الجنائية التقليدية لا يجوز مساءلة الشخص إلا عن فعله الشخصي ولكن في مجال القانون الجنائي للأعمال ظهرت مسؤولية القائم على إدارة الشخص الاعتباري أو ممثله القانوني.
    حيث أخذ المشرع المغربي عند تنظيم مجال الأعمال و الاقتصاد نصوص قانونية تهم الشركات و تهدف من خلالها إلى توفير الحماية القانونية للنظام العام الاقتصادي و الاجتماعي الذي تضطلع به المقاولات و الشركات التجارية بالرغم من تقوية هذه الضمانة بالتدابير الزجرية التي شكلت قانونا جديدا هو القانون الجنائي للشركات أو القانون الجنائي للأعمال، وقد قوبل هذا الجانب الزجري في الشركات بالرفض من طرف رجال الأعمال الذين رأوا فيه عرقلة قانونية للمبادرة الحرة و قيدا على حريتهم في التجارة.
    عموما فإن المسؤولية الجنائية للشخص الاعتباري أضحت من الثوابت فقها و تشريعا في ظل القانون الجنائي عامة و القانون الجنائي للأعمال على وجه الخصوص.
    إلا أن هذا الثبات لا يزال في حاجة إلى تدقيق و تحديد في مجال الأعمال ولاسيما إدارة و تسيير الشركات و رقابتها.
مشاركة