️ أنس خالد | صوت العدالة
في خطوة فكرية وسياسية جريئة، نشر النائب البرلماني الدكتور عمر اعنان مقالًا تحليليًا بعنوان «من النيت إلى الميادين: لماذا خرج جيل Z؟»، قدّم من خلاله قراءة عميقة لأسباب التحركات الشبابية الأخيرة التي شهدتها بعض المدن المغربية، مسلطًا الضوء على الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي دفعت جيلًا جديدًا من المغاربة إلى التعبير عن غضبه في الشارع، بعد أن كان احتجاجه في السابق يقتصر على شبكات التواصل الاجتماعي.
يرى الدكتور اعنان أن ما يحدث اليوم هو تحوّل نوعي في وعي الشباب المغربي، خصوصًا جيل Z المولود بين أواخر التسعينيات والعقد الثاني من الألفية. جيلٌ وُلد في زمن التكنولوجيا والحرية الرقمية، لكنه وجد نفسه محاصرًا بواقع اقتصادي هشّ، وبطالة تجاوزت حسب الأرقام الرسمية 35.8% في صفوف الشباب، و19% بين الخريجين.
ويعتبر النائب البرلماني أن هذه المعطيات ليست مجرد نسب، بل مؤشرات على تآكل الثقة بين الشباب ومؤسسات الدولة، وعلى فشل المقاربات التنموية السابقة في ترجمة الوعود إلى نتائج ملموسة.
في تحليله، يبرز الدكتور اعنان أن “الشارع لم يعد فضاءً للفوضى، بل أصبح منبرًا واعيًا لجيلٍ جديد يعرف ماذا يريد”.
الاحتجاجات الأخيرة، حسب رأيه، لم تكن موجّهة من جهة سياسية أو مؤطرة تنظيمياً، بل جاءت كردّ فعل عفوي على واقع لم يعد يُحتمل، ولأن الشباب لم يجد من يسمع صوته عبر القنوات التقليدية، فقد اختار أن يرفع صوته في الميدان.
ما يميز مقال الدكتور اعنان هو أنه لم يكتفِ بالتشخيص، بل قدّم خريطة طريق للإصلاح في شكل مطالب واضحة، اجتماعية واقتصادية، يمكن أن تشكّل قاعدة لأي حوار وطني جاد.
دعا إلى ضمان مجانية التعليم فعلياً وجودةً، وتقليص الاكتظاظ في الأقسام، وتوظيف الأساتذة بشفافية مع إعطاء الأولوية للمناطق القروية، إضافة إلى تحديث المناهج وإدماج التكنولوجيا واللغات الحديثة، وتبني الإنجليزية كلغة ثانية بدل الفرنسية لتأهيل الأجيال لسوق الشغل العالمي.
شدّد على ضرورة رفع عدد الأطباء لكل 1000 نسمة، وتزويد المستشفيات بالمستلزمات الضرورية، وتعميم المنصات الرقمية لحجز المواعيد، إضافة إلى تحفيز الصناعة الدوائية المحلية لتقليل التبعية الخارجية وخفض الأسعار.
تناول المقال كذلك قضايا السكن، والنقل العمومي، والبنية التحتية، داعيًا إلى مشاريع إسكانية موجهة لذوي الدخل المحدود، وتطوير وسائل النقل، وفك العزلة عن القرى، وتأمين ماء شرب بجودة عالية، معتبرًا أن العيش الكريم ليس ترفًا، بل حقٌّ دستوري.
قدّم الدكتور اعنان مجموعة من المقترحات العملية، أبرزها:
تخفيض الأسعار ودعم المواد الأساسية.
تحسين الأجور والمعاشات.
خلق فرص عمل حقيقية عبر مشاريع البنى التحتية والاقتصاد الأخضر.
دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة بالقروض والإعفاءات.
مكافحة الاحتكار والتهرب الضريبي، وإعادة تقييم الخوصصة في القطاعات الحيوية.
يختم الدكتور اعنان مقاله برسالة قوية مفادها أن ما يطرحه الشارع اليوم ليس قائمة أمنيات، بل خطة إنقاذ وطنية. فجيل Z، بصراخته الأخيرة، لم يخرج ليعارض لأجل المعارضة، بل ليعيد ترتيب الأولويات الوطنية: التعليم الجيد، الصحة المتاحة، الكرامة في العيش، والعدالة الاقتصادية.
ويؤكد النائب البرلماني أن هذه ليست شعارات فضفاضة، بل شروط حياة كريمة ومؤشرات على دولة عادلة ومنصفة، داعيًا إلى قراءة مطالب الشباب كخريطة طريق حقيقية للتغيير الاجتماعي.
ما يميّز مقال الدكتور عمر اعنان هو توازنه بين الواقعية والطموح، إذ جمع بين لغة السياسي المسؤول ولغة المثقف القريب من نبض الشارع. فالمقال ليس مجرد قراءة أكاديمية، بل دعوة صريحة لمراجعة النموذج التنموي من منظور شبابي جديد.
جيل Z اليوم لم يعد ينتظر الحلول من فوق، بل يصنع أسئلته من الميدان، ويبدو أن صوت هذا الجيل أصبح يستحق الإصغاء لا التبرير.

