صوت العدالة – صباح لحسيني
عندما عجز بوشتى البوعبيدي عن وضع حد لمعاناة ساكنة مقهورة تلفها ملامح البؤس والشقاء وتعيش على أنقاض الإهمال والهيمنة والاستغلال، وعندما أحس بالاختناق في ظل التشويش على كل محاولات التنمية والتغيير التي وضعها كأساس لازم لمستقبل أفضل ، بل عندما كان مصيره التنكيل والضرب في كل مناسبة، كان لا بد أن يصاب بالإحباط ، كان لا بد أن يرى غير السواد في جماعة أشد حرمانا من كل الحقوق .
عين سبيت جماعة المسحوقين حيث الفقر يعشش و يستفحل ليفتح مصراعيه للجوع والحرمان والآلام في الكثير من البيوت، وحيث تعيش بعض العائلات في جحور كالجرذان ، وحيث تنغمس في الأوحال والقاذورات لانعدام قنوات التطهير وحيث تقبع تحت الهيمنة والاستغلال، عين سبيت التي صارت تتوارث الفقر والهشاشة أبا عن جد وتترسب عنها الأمية المقيتة لكون أبنائها ولأسباب قاهرة يضطرون إلى مغادرة المدارس باكرا لمساعدة أمهاتهم حتى ولو ببيع أكياس بلاستيكية عوض التمدرس، كل هذه المعاناة قد شكلت صدمة حقيقية لبوشتى البوعبيدي الذي فشل في طرق مجابهتها ولم يتقبل باستمرار نمط عيش سكانها فاستسلم للتضحية بنفسه وذلك بحرق نفسه أمام مرأى الجميع كتجسيد للرفض لكل ركود اجتماعي ومعاناتي تعيشه فئة لا حول لها ولا قوة، انه موقف حزين ومؤثر يعلن مدى وفاء بوشتى البوعبيدي لبلدته وتحسره على ما تسير عليه الأمور فلربما قد يسمع صوته هذه المرة .
بوشتى البوعبيدي ذلك المناضل الذي ظل هاجس التغيير يلاحقه منذ أن اكتشف معاناة بلدته وتقاسم الحلو والمر مع سكانها وكان جنبا إلى جنب مع مستضعفيها هو اليوم يرقد في المستشفى بين الحياة والموت فقد ضحى بحياته من أجل إسماع صوته للجميع بأن عين سبيت تئن تحت رحمة الفاسدين وتحتضر جراء مجموعة من الاختلالات في التسيير، وأن سكانها يموتون ألف مرة كل يوم جراء انعدام متطلبات العيش الكريم أطفالها يصرخون من آلام المرض والجوع وشيوخها يعانون سوء التغذية والتطبيب ونساءها قهرتهم نظرات صغارهم الصامتة بأجسادهم الصغيرة وعيون رجالاتهم الثاقبة المنكمشة بالبطالة وقلة الحيلة ، بوشتى البوعبيدي اختار تعذيب نفسه وحرقها فهناك ضغوطات كانت تمنعه من الخروج من ظلاميته ليعانق دائرة الضوء، فهناك تآمر جلاديه في إضعاف مخططاته والرمي به في الحضيض.
عاش بوشتى البوعبيدي وهاجس الرفض يلاحقه هذا الهاجس الذي كان يعذبه في كل مرة يفشل في تكسير مخططات الفاسدين فلم يستطع أن يرضي هذا الهاجس بشكل كافي ولم ينجح في حروبه لإرجاع المجد لبلدته التي يراها تعود يوما بعد يوم إلى الوراء ، فكان ككل مرة يسقط طريحا عاجزا عن مقاومة كل المؤامرات بجروح أكثر من الأول ليعاود الكرة مرة أخرى.
أن تكون كبوشتى البوعبيدي فهذا يعني أن تكون مهووسا بمساعدة الآخر إلى درجة نكران الذات والتضحية حتى الموت في سبيل ذلك ، صحيح لم تكن القدرة لبوشتى البوعبيدي على مجابهة عبدة المال والنفوذ ولكنه عاش ليطلق الصرخات وعاش ليمثل كابوسا بكل رعبه لزحزحة أمور كان هناك من يريد تجميدها ، وعاش للنبش على عدة حقائق وتعريتها فكان أن كلفه ذلك الثمن غاليا وهو المعاناة مع آلام حروق من الدرجة الثالثة.