الرئيسية آراء وأقلام مستويات تشكيل اللغة الشعرية نص العودة من القيامة للزجال المغربي أحمد لمسيح

مستويات تشكيل اللغة الشعرية نص العودة من القيامة للزجال المغربي أحمد لمسيح

images 3.jpeg
كتبه كتب في 25 فبراير، 2018 - 7:45 مساءً

 

صوت العدالة- نور الدين بوصباع

 

إن الحديث عن اللغة عموما وعن اللغة الشعرية خصوصا يستدعي الإلمام بمستويات تشكيل اللغة ودلالتها وأيضا درجات تأويلها وإحالتها اللغوية والاصطلاحية وأيضا وجوهها البلاغية المختلفة..إن استحضار اللغة كمكون أساسي في العملية الإبداعية ومحاولة فهم طريقة توليدها وأيضا طريقة استثمارها بشكل جمالي من خلال معادلتي المشابهة والتنافر أو التضاد لتوليد الدلالات والإحالات المجازية التي تمتع وتدهش تشكل بالطبع المفارقة الأساسية التي تجعل من الفعل الإبداعي فعلا استيطيقيا خالصا يترك أثرا ووشما على ذائقتنا الإبداعية…
وإذا ما حاولنا أن نبحث في اللغة الشعرية لابد أن نلم بالسياق والخلفية التي تؤطر لحظة الكتابة وأقصد هنا الرؤيا باعتبارها الأفق الجمالي الذي يجتهد ويحترق المبدع لبلوغه من خلال مخاض عسير من التأملات في الذات والكون والحياة..ولهذا تكون اللغة المشحونة والمتوترة والمفلتة هي الوسيلة وفي نفس الوقت هي الغاية لتصريف هذه الرؤيا أو هذه الرؤى فلاشيء يتم في نظري خارج اللغة..الخلاصة هي أن اللغة هي المبتدأ والمنتهى لكل عمل إبداع…
في هذا الإطار لن أتحدث عن الوجوه البلاغية ولا عن الرموز والإحالات الأسطورية والتاريخية التي يستثمرها المبدع لتشكيل عوالمه الإبداعية بل سأتحدث عن ماهية اللغة و علاقتها بالانتماء والهوية وبعبارة أخرى سأتكلم عن اللغة أو اللغات التي يتقاسمها الوطن الواحد كيف يستطيع الشاعر أن يكتب من خلال هذا التنوع والثراء اللغوي نصا شعريا باذخا إبداعيا يثير فينا من خلال لغاته المختلفة المشترك الجمالي الذي يجمعنا..وهنا يجب أن نحدد إطارا نظريا لهذه الإشكالية اللغوية التي أصبحت تشكل جزءا من الإبداعات الحالية حيث نجد بالمناسبة ثلاثة مستويات مختلفة فهناك نصوص شعرية تحكمها ثنائية لغوية وهناك نصوص تعرف تعددا لغويا بالإضافة إلى نصوص شعرية لغتها متنوعة ولكل شكل من الأشكال اشتغال مختلف..
أحب هنا أن أشير إلى نص ثمانيني للزجال المغربي أحمد لمسيح بعنوان العودة من القيامة وهو نص يشكل بالنسبة لي وعيا جماليا ووعيا استباقيا فيما يخص الاشتغال على اللغة في إطار يجعل من لغات هذا الوطن الممتدد عبر التاريخ والجغرافيا في أعماق التاريخ مرجعا مهما لتأطير العملية الابداعية فاللغة هنا لاتقف سدا مانعا أمام إبداع نصوص راقية وباذخة وخاصة إذا تم نسجها بشكل محكم ومدروس..فالاشتغال على ثنائية اللغة هو إدراك للغنى اللغوي الذي يعرفه وطننا من جهة أولى وأيضا هو نفض للغبار عن اللغات المختلفة التي تحمل في تضاعيفها كثيرا من القيم الجمالية التي قد تزيد النص الابداعي كثيرا من المتعة والدهشة يقول الشاعر أحمد لمسيح:
الموت يحضك مثلما الام تحنو على صغيرها
وهذه البيضاء فيك نهد متقيح
ونحن صبايا نشكو الجوع والتمهل
ذاك جسد يجذب في حضرة الرفض القدوس
على ملاك الفقراوي
“سيدي يشرب أتاي
لالة شربت أتاي
مباركة شربت تشليلة
ومبارك شاف البرد”
إذا كما نلاحظ في هذا المقطع الأول من النص الشعري حيث نجد أن الشاعر أحمد لمسيح قد تصدره بلغة شعرية فصيحة هي اللغة العربية ثم أعقبه باللغة الام وهي اللعة الدارجة من كلام كناوة بشكل ثنائي وهكذا حتى نهاية النص الشعري دون أن يفقد النص الشعري قوته وشعريته بل على العكس من ذلك اضفى على النص كثيرا من المتعة والدهشة التي جعلت افق انتظارنا يتسع ورؤيتنا للواقع المرير تتوضح على أيقاع رائحة البارود وساعات الظلمة والجرح التاريخي الذي لا زال يشعر به الانسان الكناوي حيث العبودية والقهر والاستعباد..
وحتى لا أطيل استطيع أن اقول أن الشاعر احمد لمسيح من الشعراء الذي أدركوا أهمية اللغة و أدركوا مستوياتها في العملية الابداعية ومن الذين لازالوا يدافعون عن الاختلاف اللغوي وعن الديمقراطية اللغوية في وطن متعدد ثقافيا …

مشاركة