مداخلة السيد محمد بنعليلو، وسيط المملكة خلال الدورة 101 للجمعية العامة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي

نشر في: آخر تحديث:


بمقر المجلس بالرباط – الخميس 29 غشت 2019
حول موضوع:

الوساطة المؤسساتية: الرهانات والفرص التنموية
الأدوار التي تطلع بها مؤسسة وسيط المملكة كأحد المداخل الأساسية التي يمكن أن يرتكز عليها النموذج التنموي الجديد


“إننا نعطي من خلال إحداثنا لمؤسسة “ديوان المظالم” بعدا آخرا ملموسا لمفهومنا للسلطة، القائم على جعلها في خدمة المواطن والتنمية، وعلى قربها منه، والتزامها بضوابط سيادة القانون والإنصاف” .
(مقتطف من الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة نصره الله بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان 9 دجنبر 2001)


السيد رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي المحترم؛
السيدات والسادة أعضاء المجلس المحترمين؛
حضرات السيدات والسادة؛

أشكركم جميعا على هذه الفرصة التي أتحتموها لمؤسسة وسيط المملكة للتواصل مع هذه النخبة المتميزة من ذوي الخبرة والتجربة والاهتمامات المتنوعة، وأنتهزها فرصة لأشيد بالظرفية التي تنعقد فيها هذه الدورة، المحكومة بسياقين هامين:
سياق وطني عام، مطبوع بمواصلة الإصلاح بمسؤولية وجرأة وابداع، جسده الخطابان الملكيان الساميان بمناسبة عيد العرش المجيد وذكرى ثورة الملك والشعب، سياق التأسيس لنموذج تنموي مغربي جديد، يتملكه كل المغاربة، وينخرطون جماعيا في إنجاحه، ويشكل قاعدة صلبة، لانبثاق عقد اجتماعي جديد، يهدف إلى تحسين ظروف عيش المواطنين، والحد من الفوارق الاجتماعية والمجالية.
سياق مؤسساتي خاص، له علاقة بالرؤية الجديدة لمؤسسة وسيط المملكة، التي تجعل من مخططها الاستراتيجي 2019-2023، مقاربة مندمجة، قوامها الالتقائية في التدخلات، والتكاملية في الأهداف، من أجل معالجة المعيقات، وإيجاد الحلول المناسبة للمشاكل (بما فيها التنموية) في تدبير الشأن العام، والتجاوب مع انشغالات المواطنين، والرفع من مستوى أداء المرافق العمومية في توفير الخدمات الأساسية، بمزيد من الالتزام والمسؤولية.
السيدات والسادة الأفاضل
ليقيني التام بإلمامكم الواسع بالسياق الوطني والدولي لإحداث المؤسسة، لن أستفيض في توضيح جوانب مؤسساتية وقانونية مرتبطة بظروف ودواعي ذلك، بقدر ما سأحاول أن أقدم إشارات حول بعض الجوانب التي أعتبرها ذات دلالات مهمة في فهم أدائها، وبالتالي سأتناول مداخلتي من خلال مقاربة ثلاثية الأبعاد.
البعد الأول: يهم مؤسسة وسيط المملكة: السياق، والدلالات الرمزية؛
البعد الثاني: يسلط الضوء على مؤسسة وسيط المملكة: الاختصاصات والرهانات المستقبلية والفرص المتاحة؛
البعد الثالث: يتناول علاقة مؤسسة وسيط المملكة بأهداف التنمية المستدامة.
حضرات السيدات والسادة
بغض النظر عن التسمية، يبقى إحداث “مؤسسة وسيط المملكة” محكوما بسياق تاريخي لصيق بفلسفة ولاية المظالم، تَجسدَ مؤسساتيا عبر محطات متتالية، عكست التمسك الراسخ والمتبصر بالموروث الحضاري الوطني، مع مراعاة البعد الحداثي العصري وما تفرضه متطلبات التطور المؤسساتي في مجال حماية الحقوق وضمان الحريات على قاعدة العدل والإنصاف.
فإذا ما استثنينا “وزارة الشكايات” و”مكتب الأبحاث والإرشادات”، يبقى “ديوان المظالم” الخطوة التطويرية الأولى، المجسدة لمَأسسة اختصاصات وطرق تدخلات المؤسسة، في نسق رؤية تحديثية، لتأتي بعد ذلك مؤسسة “الوسيط” كتعبير عن مرحلة الانتقال إلى تجسيد معيارية التنظيم والأداء، من زاوية الملاءمة مع المعايير والتجارب الدولية في هذا المجال.
إذن، نحن أمام مؤسسة تشكل في جوهرها، تعبيرا عن انخراط واع في دينامية إصلاحية مستمرة انطلقت من “ديوان المظالم” كمؤسسة وطنية، لتصل إلى “الوسيط” كمؤسسة دستورية، تعكس توجها جديدا، يعبر عن مرحلة تملك جماعي للآليات الحقوقية الوقائية، ويتطلع نحو فضاء حكامة الحقوق المرفقية، بالمساهمة في صنعها وبلورتها ابتداءً، وبالعمل على دعمها عندما تتبناها الإدارة، في تمسك جلي بالتقاليد الوطنية والموروث الثقافي كمشترك عام؛
هذا علما أن هذه المؤسسة منذ إحداثها، أراد لها جلالة الملك، ألا تكون مجرد جهازٍ معززٍ للأجهزة المكلفة بحماية حريات المواطنين فقط، وإنما مؤسسةٍ “كفيلة بتقويم الاختلالات وردع الانتهاكات التي قد تمس حقوقهم”، مؤسسةٍ تجسد بدورها حرص جلالته على تنمية تواصل الإدارة مع المواطن “في التزام تام بضوابط سيادة القانون والإنصاف”.
أيها الحضور الكريم
إن الدلالات الرمزية لإحداث مؤسسة الوسيط متعددة حسبي أن أذكر منها:

  • الدلالة الحقوقية: بحيث شكل إحداث مؤسسة الوسيط، ترجمةً واضحة لانخراط بلادنا في الأوراش الإصلاحية الكبرى مؤسساتيا وحقوقيا، ولبنة من لبنات إرساء نموذج المشروع المجتمعي القائم على توفير المزيد من الضمانات لحماية الحقوق والحريات، على قاعدة مبادئ العدل والانصاف، بما يسمح بالوقوف على الاختلالات الإدارية، والنهوض بالحكامة المرفقية باعتبارها ضرورةً تفرضها مستلزمات البناء الديموقراطي والتنموي.
  • الدلالة الدستورية: المتجلية في دسترة مؤسسة الوسيط، مما خولها صلاحيات مهمة، وعزز مكانة تدخلها، وقوى بالتالي من دورها في مجال إحقاق الحقوق ورفع المظالم، وتتبع السياسات العمومية في تدبيرها لقضايا المواطنين. وهو إقرار له رمزية كبرى تجسد السلطة المعنوية للمؤسسة.
    ثم إن المتتبع للنقلة الدستورية التي عرفتها المؤسسة في صيغتها الحالية، يدرك، أن هذه النقلة جسدت الاستجابة الواعية لمتطلبات مواكبة النموذج الاسترشادي للوساطة المؤسساتية عبر العالم، وهو ما جعل المؤسسة مستجيبة لمبادئ باريس، ومتلائمة مع مبادئ البندقية، متجاوزة في نقاشاتها منطق الملاءمة إلى منطق الفعالية، وأصبحت المؤسسة رقما فاعلا في معادلة التنسيق والتشاور بين المؤسسات النظيرة حول الممارسات الجيدة، من خلال تواجدها ضمن الشبكات الدولية والإقليمية ذات الأهداف المماثلة.
    هذه حضرات السيدات والسادة إطلالة سريعة على الإطار العام الذي يمارس فيه وسيط المملكة المهام المنوطة به.

السيد الرئيس السادة أعضاء المجلس المحترمين
إن معالجة البعد المتعلق بمؤسسة وسيط المملكة من زاوية الاختصاصات والرهانات المستقبلية والفرص المتاحة (كمحور ثاني من هذه المداخلة)، لا بد أن ينطلق من كون اختصاصات هذه المؤسسة نموذج حداثي لموروث تاريخي متأصل في مجال ولاية المظالم، فإذا أخذنا بعين الاعتبار أن مؤسسات الأمبودسمان خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في البلدان الديمقراطية جاءت كنتيجة لعجز المؤسسات القائمة على حل المشاكل المتزايدة بين المواطن والدولة، في إطار دورها الجديد لتدبير وظائف الرفاه الاجتماعي، أمكننا القول إن مؤسسة الوسيط، أريد لها أن تشكل نظاما ضابطا لتوازنات أداء الجهاز التنفيذي/الإداري، إلى جانب الرقابة التي تمارسها المؤسسات التقليدية القائمة (البرلمان والمحاكم وباقي المؤسسات).
ومن تم تتولى، مؤسسة الوسيط مهمة الدفاع عن الحقوق، والإسهام في ترسيخ سيادة القانون، وإشاعة مبادئ العدل والإنصاف، والعمل على نشر قيم التخليق والشفافية في تدبير المرافق العمومية، والسهر على تنمية تواصل فعال بين الأشخاص والإدارة.
هذا فضلا عن اعتبارها وسيلة مرنة، وتوفيقية، ومبسطة للنظر في شكايات وتظلمات المرتفقين، في الحالات التي يتضررون فيها من تصرف إداري سواء كان قراراً أو عملا أو نشاطا مخالفا للقانون أو متسما بالتجاوز في استعمال السلطة أو منافيا لمبادئ العدل والإنصاف؛
وهي اختصاصات محكومة بقيمٍ تنطلق من المبادئ العامة للوساطة المؤسساتية، وتنسجم مع فلسفة إحداثها ومكانتها الدستورية، تمارسها المؤسسة من خلال آليات تدخل متعددة وتملك لتنفيذها وسائل تأثير مختلفة. في إطار رؤيـة استراتيجية قوامها: “حل مشكل هو حل نسقي لمشاكل مماثلة في إطار من المصاحبة التوجيهية”، ووفق مخطط استراتيجي خماسي حدد سقف سنة 2023 لبلوغ جملة من الأهداف من شأنها أن تشكل خطوةً مهمةً في اتجاه الارتقاء بأداء المؤسسة، وتأهيلها لمرحلة تجسد “الانخراط الفاعل في متطلبات النموذج التنموي الجديد”؛
حضرات السيدات والسادة
لا أحد يجادل في أن مهام المؤسسة، كمؤسسة وساطة تسعى، إلى رفع الضرر الذي يلحق المتظلم من جراء تجاوز أو تصرف إداري متسم بالحيف، أو سوء تطبيق القانون، و تسعى إلى تحسين التواصل بين المواطنين والإدارة، وتعزيز الثقة وإعادة بناء ثقافة الحوار بينهما، والحفاظ على مصداقية الأجهزة الإدارية. هي مؤسسة داعمة للاستقرار ومساهمة في تعزيز السلم والتماسك الاجتماعي الذي يعتبر إحدى المؤشرات المختزِلة لمعظم أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة التي التزم بها المغرب.
لذا تسعى مؤسسة وسيط المملكة، عبر ما تتوصل إليه من تسويات وما تنتجه من اقتراحات وما تصدره من توصيات، في نطاق صلاحياتها، وما تتيحه لها مبادئ العدل والإنصاف، إلى الخروج من نمطية الصورة المتصلة بها كمكتب للشكايات (التلقي والمعالجة)، إلى المساهمة في تحقيق أهداف التنمية، بالعمل على ألا تكون القوانين منتجة للحيف سواء في منطوقها أو في تطبيقها، وبالسعي إلى تطوير منظومة الحكامة التي تمثل عمادا من أعمدة التنمية، لتأثيرها المباشر على الحياة العامة للمواطنين.
السيد الرئيس السادة الأعضاء
لا بد أن نقتنع ونبرهن على أن الوساطة، ليست مجرد آلية يُؤثث بها الفضاء المؤسساتي الحقوقي، فالواجب يحتم علينا أن نكون عند مستوى المكانة الدستورية والحقوقية التي تتبوأها، بما يتأتى لها فرضه من علاقات منتجة بين الإدارة ومرتاديها، إدارة في خدمة المواطن والتنمية.
أعلم جيدا أن موضوع علاقة مؤسسة الوسيط بالنموذج التنموي الجديد، على درجة كبيرة من الأهمية، إذا ما تم التعامل مع تقارير المؤسسة على أنها مرصد موثوق لأنواع الأعطاب التي تشكو منها الإدارة، ولصور وأنماط السلوك الماس بحقوق المرتفقين داخلها والمؤثرة على فرص التنمية.
نعم أيها السيدات والسادة، “مؤسسة وسيط المملكة” ليست مكاتب للشكايات وفقط، مهمتها معالجة التظلمات كنتائج لوقائع معزولة عن سياقها التنموي العام، وإنما هي آلية لرصد ولتقويم الأنماط السلوكية الإدارية المعيبة، الماسة بالفرص التنموية، وهي قوة اقتراحية للإصلاحات التشريعية والإدارية والقضائية، هي باختصار دعم أساسي لجهود التنمية.
إن مؤسسة الوسيط لا تبحث عن التشهير بالأخطاء، بقدر ما تسعى إلى توفير مصاحبة توجيهية معيارية للإدارة، لتصل إلى التأثير في الممارسات الفردية التي تعتبر من العوامل البنيوية العميقة التي تشكل إحدى مكامن الخلل التي لا يلتفت عادة إليها في تنفيذ السياسات العمومية ذات الصلة بأهداف التنمية.
حضرات السيدات والسادة
من خلال مجمل ما تقدم نعتقد أن وظيفة مؤسسة الوسيط لا ينبغي أن ينظر إليها من زاوية مراقبة أداء الإدارة بالمفهوم الضيق، بل يجب أن ينظر إليها من زاوية مراقبة تأثير أداء الإدارة على صورة الدولة في توفير شروط التنمية والرفاه الاجتماعي لمواطنيها، وبالتالي ضمان تمتعهم بحقوقهم السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بشكل كامل.
ذلك أن مختلف الاختلالات المرتبطة بالحكامة المرفقية التي نرصدها من خلال معالجتنا للشكايات، تُبرز أن أعطاب الإدارة تؤثر سلباً على مسيرة التنمية الاجتماعية والاقتصادية المنشودة.
وفي نفس السياق، لابد من التأكيد على أنه من بين الأدوار التنموية للمؤسسة تسليط الضوء على حاجيات الإدارة، ودعم وتقوية مكانتها ومصداقيتها في النموذج التنموي، من خلال إرساء علاقة الثقة بينها وبين المواطنين من جهة، وإشاعة قيم التخليق والشفافية من جهة ثانية. وكلها مبادئٌ ذات أبعاد اجتماعية واقتصادية، مسجلة في أجندة التنمية المستدامة.
لذا أعتقد أن إبراز العلاقة “المحتملة” بين أداء مؤسسة الوسيط والتنمية، ينطلق من طرح ثلاثة أسئلة بحثية منهجية أساسية ستمكن لا محال من الوصول إلى محددات هذه العلاقة “الأكيدة” وبعض تمظهراتها.
يجب أن نتساءل عن دور المؤسسة في تعزيز الحكامة الجيدة وإشاعة مبادئ الشفافية والتخليق بالمرفق العام، ويجب أن نتساءل عن دور المؤسسة في ضمان السلم الاجتماعي، تم يجب أن نتساءل عن مدى تفاعل المؤسسة وضمانها للحق في التنمية.
أيها الحضور الكريم
باعتبار مؤسسة الوسيط بنية دستورية للحكامة تتيح للمواطنين حق التشكي، والتحري بشأن انشغالاتهم وتقييمها وتقديمها إلى الحكومة، (ولو بما يتوفر عليه الوسيط من سلطات ناعمة لحث الإدارة على الالتزام بالقانون)، يمكن للمؤسسة ان تضطلع بدور مهم في ضمان الحكامة الإدارية وتعزيز مبدأ المحاسبة لدى الإدارة العمومية. باعتبار المحاسبة إلى جانب إشراك الجمهور عنصرين أساسين في “التدبير الرصين للتنمية”، وهو الاتجاه الذي أشار إليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلق بدور مؤسسات الأمبودسمان والوسطاء.
ولأن الارتباط وثيق بين التنمية والحكامة الجيدة، فإننا نعتقد أن التعامل مع قضايا هذه الأخيرة كوعاءٍ قابل لاستيعاب العديد من المفاهيم، (الإدارة الشفافة والمساءلة وتعزيز سيادة القانون وإرساء اللامركزية والجهوية …إلـخ)، باعتبارها تهم ممارسات تندرج ضمن مجالات تدخل الوسيط، أو يمكن أن تتقاطع مع تدخلاته، سيبرز بوضوح دور المؤسسة في دعم متطلبات التنمية.
وهنا اسمحوا لي، أن أستحضر مقولة مهمة في هذا المجال مفادها أن “مؤسسات الأمبودسمان، وعلى خلاف باقي المؤسسات، تعد الآليات الأكثر استيعابا لحقوق الدول وحقوق الأفراد، وكيفية تفاعل هذه الحقوق، أو تصادمها في بعض الأحيان”. وهوما يجعلني أؤكد أن مؤسسة الوسيط، تعد مؤهلة بشكل كبير لتدبير جدلية الحقوق والواجبات في إطار العلاقة بين المواطن والإدارة.
في ذات السياق تطرق تقرير لمنظمة الأمن والتعاون الاقتصادي حول “الحكومة المنفتحة” لالتزام العديد من البلدان، بإشراك مؤسسات الأمبودسمان كآليات أفقية لتنسيق سياساتها ومبادراتها في المجال، وهو ما يجعلنا نؤكد أيضا أن مؤسسة الوسيط يمكنها الاضطلاع بدورين رئيسيين:
-دور المراقب والمساهم في إعمال مبادئ الحكومة المنفتحة، وجعل الإدارة مسؤولة عن تنفيذها.
-دور المساهم في التعريف بالسياسات والمبادرات التي تتخذها الدولة في مجال الحكومة المنفتحة.
وعلى الرغم من كون احترام مبدأ سيادة القانون لا يوفر بالضرورة حلولا لجميع المشاكل التنموية التي يعرفها العالم كالفقر والبطالة والأمراض، إلى أنه يوفر للمجتمعات الإطار الأساسي الصائب للتعاطي مع هذه المشاكل.
السيد الرئيس السادة أعضاء المجلس
يبرز دور الوسيط في مجال الحفاظ على السلم الاجتماعي من خلال المساعي الودية والوساطة التوفيقية التي يمكن أن يقوم بها من أجل تقريب وجهات النظر بين مختلف الفرقاء، والتوصل لحلول مرضية لجميع الأطراف، بشكل يجنب الدولة أسباب إهدار فرص التنمية.
هذا دون أن نغفل دور مؤسسات الوساطة في حماية حقوق المرتفقين من الفئات الهشة في الولوج للخدمات التعليمية والصحية والشغل، على قدم المساواة مع باقي المواطنين، وحقهم في الادماج الاجتماعي.
وإذا كانت بعض السياسات والممارسات أصبحت تهدد الحق في الحصول على خدمات مجانية داخل بعض القطاعات الخدماتية العمومية، بما فيها القطاعات الحيوية، وتهدد بالتالي التماسك المجتمعي نظرا لاتساع الفوارق الاجتماعية وعدم التكافؤ في الحصول على هذه الخدمات، والتي يمكن أن تتطور إلى احتجاجات اجتماعية في حالة عدم التعامل معها على النحو المطلوب، فإن مؤسسة الوسيط يمكن أن تجسد دور المدفاع عن حق المواطن في الحصول على خدمة مرفقية ذات جودة مماثلة أو مقاربة لتلك التي يقدمها القطاع الخاص، وذلك ضمانا للسلم الاجتماعي.
السيدات والسادة الكرام
خلافا «للرقابة العمودية» التي يضطلع بها البرلمان أو غيره من الأجهزة الرقابية الأخرى. أو الرقابة القضائية التي تمارس في نطاق نزاعي تصادمي، فإن الوسيط يمارس نوعا من الرقابة الانعكاسية (réflexive) أو الرقابة التوجيهية (الأفقية) من خلال التفاعل مع الوقائع والأحداث، والتعاون والعمل الاستباقي، من أجل التوصل للنتائج المتوخاة، عبرالتقارير والتوصيات والاقتراحات …إلـخ.
وهو ما يدفعني إلى الجهر بالقول إن مؤسسة الوسيط من خلال هذه الوظيفة يجب أن تكون ساهرا وشريكا رئيسيا في ضمان الحق في التنمية، ومعنيا بصفة مباشرة بالدفاع عن هذا الحق بشكل يكفل للجميع الحصول على خدمات مرفقية ذات جودة معقولة.
لكن حضرات السيدات والسادة، في ظل هذه المحددات والصلاحيات القانونية، لا بد من الإشارة إلى أن المؤسسة تواجه، في سياقات وأحيان متعددة، بعض الإكراهات التي تحول دون مساهمتها أو قيامها بالأدوار والمهام التي أحدثت من أجلها، ومن بين هذه الصعوبات، أذكر فقط:
-كون المؤسسة تشتغل ضمن سياق إداري غير مساعد دائما، من ذلك على سبيل المثال، إشكالية الزامية تطبيق التوصيات والمقترحات، رغم واقعيتها وملاءمتها لبعض الحالات المستعصية، حيث نعمل جاهدين على إقناع الإدارة بصوابية المقصد من وراء إصدارها، غير أننا لا نجد أحيانا التجاوب المنشود، بل نواجَه ببذل الجهد في التبرير وأحيانا التشكيك في قوتها الإلزامية أكثر من بذل الجهد في إيجاد الحلول للمشاكل المطروحة.
-إحجام الإدارة عن تقديم طلبات تسوية ودية لقضايا تعلم مسبقا أنها غير منتجة قضائيا؛
لذا، أعتقد أن الرهان معقود على الدعم الإعلامي، وشبكة العلاقات التي يجب أن تنسجها المؤسسة في إطار التكتلات المؤسساتية ذات الأهداف المشتركة مع هيئات الحكامة والدفاع عن حقوق الإنسان، من أجل اكتساب المزيد من الدعم للتعاطي مع القضايا المعقدة والطارئة، خاصة منها ذات التقاطعات والامتدادات الواسعة، أو حتى لممارسة نوع من الضغط على الإدارة من أجل حثها على التعاطي بإيجابية مع توصيات المؤسسة ومقترحاتها.
السيد الرئيس
أعضاء المجلس الموقر، حضرات السيدات والسادة
في ختام هذا العرض الذي آمل أن أكون قد قدمت من خلاله، فكرة ولو تقريبية عما كنتم تتطلعون إليه، أبادر إلى إعلان العزم على مواصلة الجهود من أجل قيام المؤسسة بأدوارها التنموية، في كل أبعادها، باعتقاد راسخ مفاده أن دور مؤسسة الوسيط هام ومحوري في ضمان حق الأفراد في التنمية وفي عدالة اجتماعية ومجالية تجسيدا للإرادة الملكية السامية.
مرة أخرى أستغل تواجدي بينكم لأجدد انفتاح مؤسسة الوسيط على مختلف الإشكالات المرتبطة بخدمة المواطنين، وإنني أتطلع بكثير من الأمل والاهتمام لمواصلة التعاون مع مجلسكم الموقر، كما انني لعلى يقين بأن هذه الدورة ستشكل محطة بالغة الأهمية في التأسيس لعلاقة التفاعل بين المؤسستين، والبحث عن أنجع السبل لتطوير آليات العمل المشترك.

اقرأ أيضاً: