بقلم سارة أومايمة
إن من بين الأهداف والغايات الكبرى التي يسعى إليها الناس في الحياة هي النجاح، والسعي الدؤوب نحو إدراك الغاية وتحقيقها، كما أن البعض قد يقضي سنوات وهو يبحث عن وصفة النجاح السحرية!
إن كل التجارب التي يحكيها الناجحون في هذا العالم، والإستنتاجات التي توصل إليها العديد من الفلاسفة عبر الأزمنة تصب في منحى واحد، وهو أن ما تريده سيريدك. فكل ما نفكر به ينعكس على حياتنا سواء بالإيجاب أو بالسلب، على حسب نوعية التفكير القائم. فمهما كانت طرق تفكيرنا المعتادة فهي حتما قابلة للتغيير.
ومن طرق التفكير السائدة الوفرة والندرة، وهما مفهومان متضادان في المعنى (ذكرهما د. ستيفن كوفي في كتابه العادات السبع الأكثر فعالية وكتابه الآخر العادة الثامنة)، وفهم أبعادهما قد يساهم في تغير جودة حياتنا نحو الأفضل.
أهم ٱعتقاد في عقلية الوفرة، هو أن الفرص في الحياة تكفي الجميع، فنجد أن المتبني لهذه العقلية لا يرى في الفرص التي تكون من نصيب الآخرين على أنها تقلل من فرصه، ولا يرى في نجاحاتهم على أنها تهديد لنجاحه، بل العكس تماما، فهو يثني عليها وتكون في المقابل حافزا له على الإجتهاد والعمل، فهو جد واثق أن النجاح للجميع وقمة النجاح تتسع للكل. في الغالب عقلية الوفرة هي عقلية ٱطمئنان، ورضا وسكينة مع النفس، هي عقلية تصالح مع الآخرين وعقلية تقبل، ويدعمها قوله تعالى في سورة الإسراء (كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا) صدق الله العظيم.
وعلى عكس ذلك، فإن من يفكر بعقلية الندرة والشح، يسوده الإعتقاد بأن ليس هناك فرصا تكفي الجميع، كما وأنه يرى في نجاح الآخرين تهديدا لمكانته ولنجاحه، مما يلقي به في بئر مظلمة تسودها مشاعر الخوف والقلق والتوتر.
هذا الإعتقاد نابع من تفكيره ورؤيته، فمشاعر الخوف والقلق المسيطرة عليه، تجعله ينظر إلى الفرص التى تأتي للآخرين، وكأنها الفرصة الأخيرة، وأن عليه ٱقتناصها والفوز بها. ويرى كذلك أن الفرص التي تكون من نصيب الآخرين، هي سبب مباشر في ضياع فرصته، فتبدأ مشاعر الحسد والبغض بالسيطرة عليه.
إن من يفكر بعقلية الندرة يركز على المفقود فلا يستمتع بالموجود، فتتملكه مشاعر سلبية ويغوص في اليأس والإحباط، وأنانيته دائما ما تجره نحو تحقيق المصالح لنفسه وحسب.
بالإضافة للأنانية فهو بخيل العواطف ومحدود العطاء، كما أنه يخاف أن يشارك أفكاره وطموحاته مع أصدقائه خوفا من أن يفشل وتهتز صورته أمامهم، أو أن ينفذها غيره وينجح، فيظهر هو بمظهر الخاسر. وحتى إن نجح، فستجده خائفا من أن يشارك نجاحاته مع أصدقائه، لخوفه من أن يخسر الفرصة التي حصل عليها بسبب أحدهم، وهذا في النهاية ما يحول بينه وبين الإستمتاع بنجاحه.
بينما نجد من يفكر بعقلية الوفرة متفائلا يرى الفرص كثيرة وموزعة بين الخلائق بالعدل، ويركز كثيرا على الموجود فلا يأثر عليه المفقود، يفكر بطريقة إيجابية حول كل ما يحدث له سواء أكان جيدا أو سيئا، وكنتيجة لهذه الإيجابية في التفكير، فإنه يجذب تجارب وفرص كثيرة إلى حياته، وهذا ينعكس حتى على محيطه فتجد من يتقاسمون الحياة والعمل معه مستمتعين جدا بمعيته، فهو شخص متفائل و يسعى لخدمة الصالح العام، ويؤمن بقانون الدوران، أن كلما تفعله من خير سيعود لك، وأنك كلما قدمت أكثر كلما سيعود لك المزيد والمزيد.
إن الذي يفكر بعقلية الوفرة يفهم أنه لكي ينمو يحتاج إلى الخروج من منطقة الراحة الخاصة به، والمخاطرة من أجل تحقيق أهدافه، فتراه منفتحا على التغيير مرحبا به، ويراه فرصة كبيرة للنمو والتوسع.
أما الذي يفكر بعقلية الندرة فهو قلق خائف من التغيير، يتجنب المخاطر بأي ثمن، ولا يغامر إطلاقا بالخروج من منطقة الراحة الخاصة به، فالتحديات بالنسبة له مشاكل لا يمكن التغلب عليها. يركز هذا النوع من الأشخاص على المشكلة ولا يبحثون أبدا عن الحل لأنهم مؤمنون بالفعل أن التحدي الذي يواجهونه غير قابل للتغيير !
والآن، هل تعتقد أن عقليتك ندرة أو وفرة؟ إذا كنت تعيش بعقلية الندرة، فقد حان الوقت لإجراء تغيير جذري في حياتك، فالإنسان له القدرة على تغيير حياته من خلال تغيير مواقفه الذهنية. و إن لم تستطع ذلك، فأنت محكوم بالضعف مدى الحياة.