بقلم..عبد السلام اسريفي
منذ عقود وغزة تقف في قلب الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، غير أن ما تشهده اليوم من دمار شامل وحصار خانق وتجويع جماعي يطرح سؤالًا وجوديًا: ما الذي تريده إسرائيل بالضبط من غزة وسكانها؟
تتعدد القراءات والتحليلات، لكن يمكن تلخيص أهداف إسرائيل المحتملة في أربع مستويات أساسية:
- الهندسة الديمغرافية والترحيل القسري
لا تخفي إسرائيل رغبتها في تفريغ غزة من سكانها عبر القصف والتجويع ومنع المساعدات الإنسانية، في محاولة لدفعهم نحو النزوح خارج القطاع، سواء إلى سيناء أو غيرها. فبالنسبة لصانعي القرار في تل أبيب، غزة المكتظة بالسكان “عبء أمني” دائم. - الانتقام والعقاب الجماعي
شكلت غزة دائمًا “جرحًا مفتوحًا” لإسرائيل، إذ قاومت ودفعت أثمانًا كبيرة، وأثقلت كاهل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بخسائر متكررة. لذا، يبدو أن جزءًا من سياسة تل أبيب اليوم قائم على عقاب جماعي يستهدف المدنيين لإضعاف روح المقاومة. - فرض واقع سياسي جديد
عبر الدمار الممنهج، تسعى إسرائيل إلى تكريس مقولة: “غزة غير قابلة للحياة”. أي تحويلها إلى منطقة محاصرة ومعزولة، فاقدة لمقومات الدولة أو حتى الحياة الطبيعية، تمهيدًا لفرض حلول سياسية تُبقي الفلسطينيين تحت السيطرة دون حقوق حقيقية. - خدمة المشروع الإقليمي الأكبر
لا يمكن فصل ما يجري في غزة عن طموحات إسرائيل في تعزيز نفوذها الإقليمي، وتوسيع دائرة التطبيع العربي معها، وفرض نفسها لاعبًا محوريًا في المنطقة، بما يخدم حلمها التاريخي في الهيمنة وبناء “إسرائيل الكبرى” وفق تصوراتها.
لكن، رغم كل ذلك، يظل الواقع معاندًا للأهداف الإسرائيلية. فصمود الغزيين، رغم الجوع والدمار، يقلب المعادلات ويعيد رسم صورة مغايرة: شعب يرفض الرحيل أو الاستسلام، ومقاومة تصر على أن الأرض لا تُباع ولا تُمحى بالحصار.
إسرائيل، بدعم غير مشروط من الغرب وأمريكا، قد تملك أدوات القوة العسكرية والسياسية، لكنها تصطدم دائمًا بالثلاثي الفلسطيني: الأرض – الشعب – الذاكرة. وهذا الثالوث يجعل كل مشاريعها، مهما بلغت، مجرد محاولات مؤقتة محكومة بالفشل التاريخي.
