الرئيسية آراء وأقلام لا تتعبوا انفسكم فالسعادة ليست هنا ؟؟

لا تتعبوا انفسكم فالسعادة ليست هنا ؟؟

timthumb 3.png
كتبه كتب في 29 سبتمبر، 2018 - 12:00 مساءً

 

 

صوت العدالة – د.العياشي الفرفار

 

الكل يريد ان يكون سعيدا , الامر عادي لانها غاية الوجود الانساني
لكن ما هي السعادة و اين تقيم و ما تكلفة الوصول اليها ؟؟؟
ربما الامر يصبح اكثر تعقيدا لو تجاوزنا التفكير البسيط في المفهوم , طرحنا السؤال حول ما السعادة بصيغة مغايرة : ما ذا يخفي هذا المفهوم
المعرفة دائما هي محاولة كشف المستور و ليست وصفا للظاهر و المظاهر , محاولة حصر دلالات المفهوم في البعد المادي و الاستهلاكي هو تصور قاصر و سجين الرؤية المعولمة و التي ربطت فعل السعادة بسحر الاستهلاك لكي يدوم الربح و يستمر ؟؟
فالاكثر سعادة في المنظور المعولم هو الاكثر استهلاكا بهذا المعنى تصبح السعادة هي احتفاء بالجسد ؟؟
ان حاولنا الاقتراب من تضاريس المفهوم المعقد , و انصتنا بهدوء لرواية حي ابن يقضان لابن طفيل فيسلسوف قرطبة وطبيب فقيه يوسف ابن تاشفين سنتوقف امام لحظة اساسية حين وجد الطفل امه الضبية ميتة و جسدها باردا , بعد مدة تعفن الجسد و انتشرت رائحة كريهة , ادرك حي بن يقضان ان امه / سعادته ليست جسدا نثا وبروائح كريهة و لا يمكن ان تكوم كذلك , و ان امه طاهرة نقية انها الروح التي صعدت الى السماء الى هناك حيت لا / هنا ؟؟
كل تعريف هو تعريف على المقاس للمفهوم فالصوفي يعتبرها تخلية و تحلية و تجلية و الفيسلوف يعتبرها فكر و تامل و الفقيه يعتبرها تدبر و خشوع و المريض يعتبرها اكتساب الصحة و الفقير يعتبرها في الغنى و الغريب يجدها في العودة و الاهل . و العانس في الزواج و المتزوج في الطلاق , و الصغير ان يصبح كبيرا و كبيرا ان يعود صغيرا .
كلها تحديدات مؤسسة على تعويض نقص يسكن الذات , و الانسان دائما يفكر فيما يحتاج اليه وفق ما ذهب الي عالم النفس ادلر Adler .
استوقفتني رؤية الروائي والاديب الايرالندي اوسكار وايد في ” رواية الامير السعيد” حيت عالج مفهوم السعادة بعمق فلسفي و بحس انساني عميق حيت فعل السعادة يعاش بين حدين متقابلين : العيش للذات و العيش للاخر . تحكي الرواية انه اقيم بوسط المدينة تمثال الامير السعيد /كان تمثالا من الذهب الخالص و الناس يزورونه ليتفرجوا عليه استمتاعا بجماله/ الجمال والفرجة تابث سلوكي عند البشر -لذا فاغلبية مقابر الملوك والامراء والزعماء تشكل مزارات مفتوحة في وجه الزوار – ولأن الوقت كان بردا والتلوج تكسو المدينة توقف اضطراريا طائر السنونو / الخطيف بعد ان افترق عن السرب الذي هاجر الى مكان اخر اكثر دفئا / الى مصر , ولان تمثال الامير هو الاكثر علوا قرر الطائر أن يقضي تلك الليلة بين قدمي التمثال وفجأة بدأت بعض القطرات تتساقط على الطائر اعتقد انها مطر في الوهلة الاولى لكنه اكتشف أنها دموع الامير/ المتالم لانه اصبح اكثر احساسا بالناس لكن بعض بعد فوات الاوان ,

لما تبلل الطائر اعتقد في البدء ان القطرات قد تكون مطرا لكنه وجد السماء بلا سحب فسأل الامير عن سبب بكائه اجابه : كنت سعيدا لانني كنت مسجونا في عالم الانانية والانعزال عن الناس والحياة داخل القصر محاطا باسوار عالية لاتسمح بمعرفة احوال الناس ومعايشة همومهم والان بعد ان خرجت من القصر اصبحت الان اشاهد الفقروالفقراء البؤس والبؤساء لكنه احساس العاجز ؟؟

في قمة عجزه وبعمق احساسه راى الامير باحد البيوت المدينة اسرة فقيرة اما تواسي طفلها المريض بحنان تتالم لحاله ولا تستطيع مداواته فقرا وحاجة , فطلب الامير من السنونو ان يأخذ الياقوتة التي تزين سيفه ليحملها الى الام المسكينة , علها تستطيع شراء بعض الدواء لابنها المسكين . شعر طائر السنونو بالألم لحزن الأمير ووافق على مساعدته , و ان يكون وسيطا بينه وبين المحتاجين فاـخد اللؤلؤتين المزينتين والياقوتة و كل الاحجار الكريمة المزينة للامير لان قيمة الاحجار الكريمة في خدمة المحتاج ولبس في بريقها ولمعانها ؟؟
هكذا اصبح يفكر الامير السعيد الذي حول مفهوم السعادة من الاستمتاع الى الذوبان مع الاخر خدمة له .

حتى السنونو ورغم شدة البرد وتساقط التلوج رفض الهجرة وبقي مع الامير وهو الامر الذي اثار انتباه تساؤل الناس : سنونو في فصل الشتاء ؟؟؟؟ لم يفهمو ا ان للاحاسيس قوة …لان السنونو لا يعيش الا في الاجواء الدافئة لذا ارتبط ضهور السنونو بتباشير فصل الربيع , لكن السنونو الصغير فضل خدمة الاخر المحتاج كدفء بديل عن دفء الربيع وازهاره .
وفي الغد اصبح الامير بلا احجار كريمة تزينه بعد ان وزعها على محتاجي المدينة , والسنونو في اسفل التمثال من شدة البرد .
لكن الناس في الصباح لم يعجبهم المنظر القبيح للامير فقرر محافظ المدينة ازالته واستبداله بتمثال جديد اكثر لمعانا ؟؟؟
احتج الناس و طالبوا عمدة المدينة ان يزيل التمثال البشع من وسط المدينة و استبداله بتمثال يلمع لكي يزين ساحة المدينة و من اجل التقاط الصور .

ربما , حكاية الامير السعيد تتكرر يوميا , فالناس يبحثون عن اللمعان و المظاهر و المتعة و المصلحة بذلك يعيشون داخل سجون ذواتهم , اما السعادة الحقيقة فهي انتصار للفقير و المحتاج و المريض و الغريب .
نكون سعداء سعداء حين نخرج من ذواتنا لمعانقة الاخر الجريح , غير ذلك فمسلسل اللمعان سيتمر و تستمر معه الاوهام بكوننا سعداء .

مشاركة