يوم الجمعة 25 دجنبر 2018 بفضاء المحكمة التجارية بالدار البيضاء
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على اشرف المرسلين
السيد وزير العدل المحترم، السادة المديرون المركزيون بوزارة العدل والسادة المرافقون للسيد الوزير،
السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، والسادة أعضاء المجلس المحترمين، والسادة ممثلي السلطة القضائية.
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، والسادة المرافقون له،
السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب، والسادة النقباء والسادة الزملاء أعضاء مكتب الجمعية.
السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء والسيد الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، والسيد رئيس المحكمة التجارية بالدار البيضاء والسادة رؤساء المحاكم الابتدائية بالدائرة القضائية و السادة اعضاء الهيئة القضائية بها،
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والسيد الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف التجارية بالدار البيضاء، والسادة وكلاء الملك بالمحكمة التجارية والمحاكم الابتدائية بالدائرة القضائية، والسادة اعضاء النيابة العامة بها،
السيد رئيس المحكمة الادارية بالدار البيضاء والسادة اعضاء الهيئة القضائية بها.
السادة النقباء والسادة أعضاء مجلس هيئة المحامين بالدار البيضاء.
السادة ممثلي الجمعيات المهنية القضائية المحترمين،
السادة الضيوف مسؤولي وأعضاء المهن القانونية والقضائية، من كتابة الضبط، ومفوضين قضائيين وموثقين، وعدول وخبراء وتراجمة.
الزميلات والزملاء الحاضرين، رسميين ومتمرنين.
السادة الحضور الكرام كل باسمه وصفته والتقدير الواجب له.
يشرفني، قبل الاعلان عن افتتاح اشغال هذا الجمع المبارك، ان اتوجه اليكم جميعا بأسمى عبارات الشكر والتقدير، على تفضلكم بتشريف هيئة المحامين بالدار البيضاء بالحضور والمشاركة في هذا الحفل البهيج، الذي تنظمه بمناسبة الافتتاح التقليدي السنوي لندوة التمرين.
هذا الحفل الذي يأتي تتويجا لمسار دام عدة أشهر تم خلالها تنظيم مباراة كتاب ندوة التمرين لهذه السنة 2018، والتي اعلنا عنها خلال شهر مارس الماضي خلال حفل افتتاح ندوات التمرين بهذا الفضاء الجميل، والتي حددنا لها ثلاث محاور للتباري، وشارك فيها 25 متبارية ومتبار، وعرفت تقديم عروض كتابية، عرضت على لجنة علمية، حيث تم اختيار 17 متبارية ومتبار، لخوض مباراة العروض الشفوية، والتي افرزت اختيار الفائزين النهائيين بصفة كتاب ندوة التمرين حسب الترتيب المعتمد من طرف اللجنة ومجلس الهيئة.
وبذلك تكون هيئتنا قد خلدت تقليدا تاريخيا، يرجع لأكثر من 300 سنة، منذ بداية ندوات التمرين بهيئة المحامين بباريس (سنة 1710)، ثم بباقي الهيئات ذات التقاليد المشتركة، لينتقل هذا التقليد لهيئة المحامين بالدار البيضاء، منذ انشائها سنة 1913، حيث بدأت ندوة التمرين في عقد اجتماعاتها تحت الاشراف المباشر للسيد النقيب.
لم يكن هدف ندوة التمرين عند انشاءها هو اعادة تكوين وتأطير المحامين الشباب الملتحقين بالمهنة، وانما كان هدفها ترسيخ اعراف وتقاليد المهنة وتأهيل المحامي في ممارسة المهنة، خصوصا في فنون المرافعة واعداد الدفاع. وقد تم تكريس ندوة التمرين قانونيا بمقتضى ظهير 10 يناير 1924، الذي نصت المادة 24 منه على أن « التمرين يشمل بالضرورة : …. 2- المشاركة في اشغال ندوة التمرين في الهيئات التي توجد فيها الندوة المذكورة ».
وهذا النص تم تكريسه في جميع القوانين المنظمة للمهنة بعد ذلك.
وإذا كان العرف والنظام الداخلي يقتضي اشراف النقيب على التمرين، وتخصيص عضو او اعضاء من مجلس الهيئة للقيام بمهام مدراء ندوة التمرين، وإذا كانت هيئة الدار البيضاء سباقة لإنشاء لجنة علمية لوضع ومتابعة برنامج تكوين المتمرنين عبر معهد التكوين والتكوين المستمر، فان العرف المتداول منذ بدايات الندوة، تجعل من اهم مؤسسات ندوة التمرين، مؤسسة كاتب ندوة التمرين الذي يتم اختياره بناء على مباراة علمية مهنية تشمل تقديم بحث مكتوب في موضوع قانوني ثم عرض شفوي على شكل مرافعة.
ونحن اليوم في هذا الحفل نحضر لتتويج هذا المسار وترسيخ هذه الاعراف العتيقة والعتيدة.
لكننا كذلك نحضر لنؤكد على اهمية التمرين باعتباره الباب الرئيسي للانخراط في مهنة المحاماة.
فالتمرين ليس فقط الحضور في الندوات، بل هو مرحلة اساسية في المسار المهني للمحامي، الذي ينتقل عبر التمرين من صفة الطالب الدارس الى صفة المحامي المسؤول الممارس لمهام المهنة، فيكون التمرين تلك القناة التي يتلقى من خلالها معارف ومهارات المهنة، كما يتلقى اخلاقها وادبياتها واعرافها.
والمحاماة ايها السيدات والسادة، ليس فقط مهنة، بل هي رسالة وتجسيد عملي للحق في الدفاع، الذي هو من اهم الحقوق المدنية الاساسية، وللحق في الولوج للعدالة. هذا الحق الذي تطور في منظومة حقوق الانسان الكونية بحيث لم يعد حقا مجردا، بل اصبحت المساواة والنجاعة في تحقيق الولوج للعدالة، تقتضي تيسير اللجوء لخدمات المحامي، وتوفير الدولة للمساواة بين المواطنين في الاستفادة من خدماته سواء بتنظيم انظمة للمساعدة القانونية والقضائية، او بتوفير انظمة للتكوين والتاهيل لممارسي مهنة المحاماة.
لذلك جاءت وثيقة المبادئ الاساسية بشأن دور المحامين المعتمدة من طرف الامم المتحدة في مؤتمر هافانا سنة 1990، ثم وثيقة أهداف الامم المتحدة للتنمية المستدامة للعشرية الحالية 2015/2025، في الهدف السادس عشر منها، لتكريس هذا المكتسب الانساني الاساسي، وتتحويله من هدف ومبدأ مجرد إلى هدف اساسي واقعي متحقق، عبر ممارسة احترافية يقدمها مهني محترف في اطار من المسؤولية والانضباط.
ايها السيدات والسادة.
فوج المتمرنات والمتمرنين الذي نحن الان بصدد الاحتفال به والذي اطلقنا عليه اسم فوج نقيبنا نقيب الاجيال الدكتور عبد الله درميش، هو فوج متميز جدا.
هذا الفوج الذي التحق اغلبه بالتمرين وقيد بلائحته خلال الايام الاولى من سنة 2016، سيكمل سنوات تمرينه خلال شهر او أكثر بقليل.
فزميلاتنا وزملاؤنا المتمرنون امضوا الجزء الاكبر من مدة تمرينهم، عاشوا خلالها الواقع الحقيقي لممارسة المهنة، وكابدوا عناء الانتقال المضني بين محاكم الدائرة المشتتة على ثنايا رقعتها الجغرافية والمتباعدة في بينها، وكابدوا طروف العمل في بنايات وقاعات تعرف اكتظاظا واهتراء وغيابا لظروف عمل ملائمة، في انتظار تحقيق وزارة العدل لحلم الجميع (قضاة ومحامين وكتاب ضبط وباقي مكونات منظومة العدالة، وحتى المتقاضين) في بناء قصر للعدالة يجمع هذا الشتات ويوفر بنية تحتية لتمكين عدالتنا من مكان يليق بها.
وزميلاتنا وزملاؤنا يعرفون ان تكوينهم تم بوسائل وبرامج ذاتية تطوعية في قاعات دار المحامي، في انتظار انشاء المعاهد الجهوية للتكوين التي لا زالت تنتظر ان ترى النور منذ 25 سنة.
فلا بد ان نسجل هنا ان السلطة الحكومية المكلفة بالعدل استثمرت كثيرا في تحقيق برامة للتكوين والتكوين المستمر لصالح الجسم القضائي ولصالح بعض المهن القضائية، لم ينل منه المحامون الا النزر اليسير، من خلال اتفاقية للتكوين، وخصوصا من خلال التقاء تطلعات المحامين ومؤسساتهم المهنية مع الارادة الطيبة لبعض المسؤولين وعلى رأسهم، فقيدنا جميعا المرحوم برحمة الله الدكتور عبد المجيد غميجة المدير العام للمعهد العالي للقضاء، والرجل الكريم المتواضع الذي اطلب منكم جميع ان نخصه في هذا الجمع بالوقوف وقراءة الفاتحة ترحما على روحه الطاهرة وعلى اورواح زملائنا في منظومة العدالة ممن وافتهم المنية.
(قراءة الفاتحة)
رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته.
ورجاؤنا في الله كبير ان يستمر برنامج التهاون والتكوين مع هذه المؤسسة العلمية الحافلة بالطاقات والارادات بما يفيد الارتقاء بأداء مكونات منظومة العدالة في توازن وتكامل.
زملاؤنا وزميلاتنا المتمرنون يعرفون كذلك انهم سيمارسون مهنة تفرض عليهم واجبات وتحملهم اعباء ومهام خطيرة في المساهمة في تحقيق العدالة وتوفير الحق في الدفاع للأطراف والمشاركة في صناعة الامن القضائي. والتكوين أحد اهم العناصر.
هذا الفوج المتميز كذلك من حيث عدده الذي يفوق (…) والذي سيشكل عند تسجيله بجدول المحامين الرسميين اضافة نسبة ما يقارب 15 ٪ من عدد المحامين المسجلين حاليا بالجدول. مما سيفرض علينا جميعا تحديات توفير محيط مشجع للممارسة المهنية، وهو امر وقف زميلتنا وزملاؤنا على صعوبته في ظل تضييق مجال ممارسة مهام المهنة وحضور ممارسات غير قانونية من طرف متطفلين على مهامها من مكاتب للتحصيل ومكاتب اجنبية وشركات للاستشارة، تمارس كلها عدة اجراءات ومساطر قضائية وشبه قضائية دون اي اساس قانوني ودون اية ضوابط.
كل هذا يفرض علينا ان نتوجه للسلطات العامة في بلادنا تنفيذية وقضائية للعمل على فرض احترام القانون، ومنع هذه الممارسات المستشرية، وخصوصا تطوير الإطار القانوني لممارسة المهنة لتمكين المحامي من تحقيق الولوج المستنير والمتبصر للمواطن الى العدالة والقضاء و وتقديم خدمة مهنية احترافية تعزز الحق في المحاكمة العادلة.
ان مجال عملنا عرف تطورا سريعا ومتسارعا خصوصا في ما يخص استعمال التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي والمعلوميات الحديثة، وقد حرصت السلطة الحكومية المكلفة بالقطاع على تطوير البنيات التحتية للمحاكم وتقديم خدمات مهمة باستعمال هذه التقنيات، كما حرصت على تأهيل بعض المهن المكونة للمنظومة لمواكبة هذا التطور.
وقد عملت هيئتنا بوسائل ذاتية على وضع برنامج للتكوين في مجال المعلوميات لصالح المتمرنين، رغم شح الامكانيات الذاتية كما انفتحت على عدة مؤسسات عامة وخاصة من اجل التحسيس بأهمية الموضوع (والتي نشكرها شكرا خاصا بهذه المناسبة وعلى رأسها المكتب المغربي للملكية الصناعية والتجارية، وبورصة الدار البيضاء، والوكالة الوطنية للمحافظة على الأملاك العقارية، والمديرية العامة للضرائب).
وننتظر من وزارة العدل ان تساهم هي ايضا في برامج التكوين والتكوين المستمر في هذا المجال، ووضع برنامج مشترك لتأهيل مهنة المحاماة وتوفير اللوجيستيك الضروري لتجهيز مكاتب المحامين وتأطير العاملين بها وتوفير البنية التحتية لهذا التأهيل.
اننا بكل ذلك، زميلاتي زملائي المحاميات والمحامين المتمرنين، زملائي الشباب، نحاول ان نوفر اطارا واقعيا وقانونيا سليما يمكن من خلاله ان تمارس مهام المهنة بما يحقق رسالتها ووظيفتها، لكي يكون ما يقوم به المجلس من مهام التنظيم والتأديب عند الاقتضاء فعالا وايجابيا.
صحيح ان كل هذا لا يعفينا نقيبا ومجلسا من القيام بمهامنا واختصاصاتنا القانونية في حماية المهنة من الداخل والخارج، ونحن عازمون على القيام بذلك بشكل صارم وحازم.
لذلك فاحتفالنا بالافتتاح الرسمي لندوة التمرين، وترسيخنا لعرف تنصيب كتاب لندوة التمرين، ما هو الا التزام منا بأعراف وتقاليد مهنتنا الراسخة لقرون، ولالتزاماتنا القانونية والتنظيمية في هذا المجال.