الرئيسية أخبار القضاء كلمة السيد محمد عبد النباوي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة بمناسبة الافتتاح الرسمي لندوة التمرين الوطنية بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء

كلمة السيد محمد عبد النباوي الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة بمناسبة الافتتاح الرسمي لندوة التمرين الوطنية بالمحكمة التجارية بالدار البيضاء

IMG 20190201 WA0113.jpg
كتبه كتب في 1 فبراير، 2019 - 5:06 مساءً

الجمعة 01 فبراير 2019

باسم الله الرحمان الرحيم

إن اللقاء بزملائي أعضاء هيئات الدفاع، يعتبر دائما مبعثا للاعتزاز بالنسبة لي. كما أن لحظة المشاركة في اللقاءات العلمية والمهنية للمحامين يُعَدُّ تشريفاً لرئاسة النيابة العامة وتكريماً لكافة أعضائها، الذين تعظُمُ سعادَتُهم بالتواصل معكم زميلاتي، زملائي المحامين. ويعتبرون ذلك بمثابة انتصار لاستقامة ميزان العدالة، وتقاسماً لمتعة السير سويا في طريق بناء منظومة قضائية عادلة ومستقلة.
وعلى المستوى الشخصي، يتملكني – كلما دُعيت لإحدى لقاءاتكم – حماسُ وفضولُ القاضي وشغف الباحث القانوني المتطلع إلى تتبع النقاش في القضايا الهامة التي يطرحها باقتدار رجال الدفاع الأجلاء، مكرسين بحق عيارهم الثقيل كمحامين، بل كرجال دولة فاعلين في البناء الديموقراطي للمملكة. رجالُ مهنةٍ قال عنها صاحب الجلالة محمد السادس نصره الله في رسالته السامية للمكتب الدائم للمحامين العرب في 20 نونبر سنة 2000. أن قيَّمها ارتبطت “بالمصلحة العامة، نظرا لمساهمتها الفعالة في تحقيق العدالة في طريق تسهيل ممارسة الجميع لحق الولوج إلى ميدان القانون والقضاء. هذا فضلا عن حمولتها السياسية القوية المتمثلة في سعي المحامين الدائم لإقرار أسس عدالة نزيهة، ومستقلة بالنظر لما للعدالة بهذا المفهوم من ارتباطٍ جوهري بدولة الحق والقانون، ولما لها أيضا من تأثيرٍ حاسمٍ في ترسيخ دعائم المجتمع الديمقراطي وحماية حقوق الإنسان بما يحمله ذلك من انعكاس إيجابي على الاستقرار السياسي وتوفير المناخ السليم المحفز للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”.
وتزداد سعادتي اليوم بحضور احتفاليتكم هذه. بمناسبة ندوة التمرين الوطنية، التي هي انطلاقة لاستلام جيل جديد من شباب هذه الأمة مهمة الدفاع عن مهنة قال عنها جلالة الملك أنها “توجد في موقع دفاع حتى لا تفقد قواعدها وتقاليدها وأعرافها وثقة من يلجأ إليها” . هؤلاء الشباب ارتدوا بذلة المحاماة، واختاروا الانتساب لهذه المهنة العريقة في تاريخها، النبيلة في أهدافها، الجليلة في رسالتها والمناضلة من أجل نصرة الحق والدفاع عن المظلومين. وبذلك فقد اختاروا الانتماء لمهنة الفضل والأمل. وإني إذ أهنئهم على هذا الاختيار، فإني متيقن بأنهم يستشعرون جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم. ويعون أن مهنتهم لئن كانت، مهنة الشرف والنبل وجلال القدر، فإنها في نفس الآن مهنة المتاعب والانشغالات العظمى.
ولأن المناسبة شرط، ونحن نجتمع هنا لنشهد افتتاح ندوة التمرين الوطنية التي يتم الاحتفال فيها ببراعم المحاماة الناشئة، فإن هذا يدفعني إلى استئذانكم السيد رئيس جمعية هيئات المحامين والسادة النقباء، للتصريح بما يختلج دواخلنا جميعاً، من غيرة على مهنة المحاماة النبيلة وانتصار لسمعتها وشرفها. وهو تحدٍ يُعتبر كَسْبُهُ رهيناً بمواقف النساء والرجال المنتمين إلى المهنة والمدافعين عن سموها، بما يمثلونه من نموذج لحسن الخلق، ونزاهة الفكر وصدق الضمير. وما يتحلون به من استقامة في المعاملة ووقار في السلوك، وأدب في المرافعات، وإيمان بمهام العدالة، وإخلاص لقيمها السامية. فهؤلاء هم القدوة والمثال لبناتنا وأبنائنا من المحاميات والمحامين المتمرنين. يقتدون بسلوكهم وأخلاقهم، فينهلون منها ما يبوئ المهنة أعلى مراتب النُّبل، ويقتبسون من استقامتهم ونزاهتهم ما يرفعها لأعلى مراتب الشرف والسمو. فالمحاماة نبيلة بأعضائها، شريفة بالمنتمين إليها. هؤلاء النساء والرجال الذين أخلصوا لمبادئ العدالة، وأدمنوا على الارتواء من معين القيم الفضلى لمهنتهم، وتشبعوا بأخلاقها ومبادئها.
حضرات السيدات والسادة؛
لطالما رَدَّدنا جميعاً، وفي مناسبات عدة مقولات وعبارات تدل على عظمة مهنة المحاماة وتُصَوِّرُ نُبلَها وشموخَها، وتعبرُ عن عشق كبار رجال الدول لها، وافتتان أعظم المفكرين بها. ومن المؤكد أن بذلتها جميلة فاتنة، وأن وقفة نسائها ورجالها في مجالس القضاء كبيرة وشامخة، وكلماتهم تخترق جدران قاعات الحكم، ويتردد صداها في نفوس القضاة صارمة حاسمة.
إنّها مهنة المواقف.
مهنة إنقاذ الأبرياء ومساعدة المظلومين، متهمين كانوا أو ضحايا.
إنها صوت الحق، حينما يلتبس بالباطل.
إنها نور الحقيقة، حينما يخفيها ظلام الكذب.
إنها كلمة القانون، التي يُصْغَى إليها في مجالس القضاء بخُشوع ..
إنها مساعد العدالة في البحث عن الحقيقة الضائعة …
يقف ممارسها شامخاً في مجالس القضاء .. واثقا في حديثه، مدافعاً عن موكله، دون أن يكون أجيراً عنده،
فكيف لا تعشق هذه المهنة ؟! وهي “خُلُق، ونجدة وشجاعة وثقافة وتفكير، وتمحيص وبلاغة ومثابرة، وجَلَدٌ وثقة بالنفس واستقلال في الرأي والحياة، وأمانة وإخلاص في الدفاع” على حد قول النقيب والمؤرخ المصري عبد الرحمان الرافعي.
حَقّاً إنَّها مهنة تفتِن.
فهل رأيتم مهنة يتقاضى ممارسها أتْعاباً من موكله، ويظل مستقلا عنه. ولا يَقبل مساندتَه في تغيير الحقيقة، أو تلقينَه ما يسمح له بالإفلات من العقاب ؟!. ولكنه يدافع عنه للحصول على حقه، ومساعدته للوصول للحقيقة والانتفاع بما يقرره له القانون من إجراءات أو ظروف مخففة أو معفية.
إنها مهنة النور .. لأن ممتهنيها يدافعون عن الحق ويبحثون عن الحقيقة .. والحقيقة لا تدافع عن نفسها، وإنما تحتاج لمن يدافع عنها. والمدافع عن الحقيقة ليس أيا كان. وإنّما هو رجل أو امرأة، يتحلى بسمو الأخلاق، ويؤمن برسالة العدالة التي لا تبرءُ مجرما، ولا تدين بريئا، وإنما تتوخى إيقاع الجزاء الملائم على الشخص الواجب.
– المحاماة مهنة الأعراف والتقاليد والمثل والقيم .. ولا يكون المحامي محامياً إذا لم يتشبع باحترام أعراف وتقاليد المهنة، ويلتزم بمثلها وقيمها الفضلى؛
– المحاماة نظافةٌ في الفكر ونزاهةٌ في الخلق واحترام لوقار البذلة، واستحضارٌ لنظافَتِها في المعاملة والسلوك؛
– المحاماةُ مهنةُ المنافسة الشريفة، والتعاونِ مع الفرقاء للوصول إلى الحقيقة والحفاظ على روح الزمالة بين أعضاء الدفاع؛
– المحاماة مسؤولية وحرية وتجرد واستقلال .. مسؤولة عن حقوق الموكلين واستقلالٌ عنهم، وتجرد عن المؤثرات وحريةٌ في الدفاع عن قيم العدالة؛
– المحاماة احترام لمجالس القضاء، وتقدير لرجاله ونسائه ومساعدتهم في أداء واجبهم، وليست صراعاً وجدلاً معهم؛
– والمحامي ناسك يتعبد في محراب العدالة، مؤمنا برسالتها، التي هي رسالته، ومهمتها التي هي مهمته.
حضرات السيدات والسادة؛
المحاماة التي تحدثت عنها مجاز .. والمحامي هو الحقيقة.
المحاماة الشريفة فكرة .. والمحامي هو تطبيقها على أرض الواقع.
المحاماة النبيلة أمل .. والمحامي تجسيد لذلك الأمل على مسرح الحياة.
لا تكون المحاماة مستقلة ومجردة ومحترمة ونبيلة وشريفة، بدون أن يجسد سلوك المحامية والمحامي هذه القيم ويخلص لها في واقع عمله.
نُبل المهنة من نبل ممارسيها، وشرفها مستمد من عفة المحامي ونزاهته واستقامته.
هذه كلمتي لبناتنا وأبنائنا المحامين المتمرنين .. أرجو أن يعوها ويستوعبوها. فشموخ مهنتهم فيما يستقبل من الأيام رهين بوفائهم لقيمها ومثلها والحفاظ على أعراقها وتقاليدها، والتمسك بحسن الأخلاق وكريم الشيم. فضلاً عن جودة التكوين وامتلاك قدرات الخطابة والمرافعة والإلمام بالتكنولوجية الرقمية وحسن استعمالها.
واللحظة حاسمة .. ففيها يتم اختيار القدوة والمثال. فحذاري بناتي وأبنائي أن تغركم الأضواء .. فليس كل ما يلمع ذهبا .. اختاروا قدوتكم ومثالكم الذي تقتدون به في مهنتكم من بين المحاميات والمحامين الشرفاء المتشبعين بأخلاقيات المهنة في واقع حياتهم العملية، ويجسدون نبلها وشرفها قولاً وفعلاً.

أرجو الله أن يوفقهم جميعاً في ذلك. وعاشت المحاماة نبيلة شريفة. والسلام عليكم ورحمة الله.

مشاركة