كلمة السيد النقيب مولاي سليمان العمراني في نـــــــــــــــدوة علميـــــــة حول :مشروع قانون المسطرة المدنية

نشر في: آخر تحديث:

صوت العدالة : مكتب مراكش

المحترمــــــــــــــــــــون:
السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش
السادة المسؤولون القضائيون كل واحد باسمه وصفته
السادة النقباء
السيد عميد كلية الحقوق بمراكش
السادة أعضاء مجلس هيئة المحامين بمراكش
زميلاتي ، زملائي
الحضور الكريم ،
الحمد لله الذي لا منتهى لعطاياه و مِنَحِهِ حمدا يقوم بالواجب من شكره وصلى الله و سلم على أشرف المرسلين،
أما بعد،
لقد طوَّق عنقي زملائي للإدلاء بهذه الكلمة، وإذ أعتز بهذه الثقة التي ترقى إلى مرتبة الشرف، وأدعوكم جميعا إمعان النظر فيما تنبض به سطورها وذلك للأشواق المشتركة فيما بيننا بما يضيف المزيد من السمو إلى صرح العدالة ببلادنا و يكرس نهضتها بسيادة روح القانون وسموه.

جاء على لسان الفقيه الفرنسي جاك شوفالييه أن صياغة النصوص القانونية تعد العلم التطبيقي للتشريع، وأنا أقول أن القاعدة القانونية هي تعبير عن إرادة واضعها.
إن مشروع قانون المسطرة المدنية المعروض للنقاش ولئن كان شعارُهالأساسي الأساسي تكريس النجاعة القضائية فإنه للأسف افتقد للنجاعة في الصياغة القانونية هاته الأخيرة التي كان يجب أن يرتكز تصورها على الممارسة العملية وما يحتاجه المواطن المتقاضي للولج السلس والمستنير للعدالة وأن يتم في ذلك استحضار ثلاث مبادئ أساسية :
مبدأ التأصيل و مبدأ المصلحة و مبدأ المواكبة وأضيف مبدأ رابعا لا يقل أهمية و هو مبدأ مراعاة الخصوصية خاصة عندما يتعلق التشريع المزمع صنعه بفئة مهنية معينة وذلك بضرورة إشراكها في إعداده وليس في استشارتها بعد إعداده مما يشكل تجاوزا لمبدأ التشاركية كمبدأ دستوري.
فالقانون لا ينشأ و لا يتطور إلا في إطار توازن اجتماعي معين يكون قد نبت فيه وترعرع حتى أصبح ناضجا قابلا للنشر والنفاذ.
وفي النتيجة قانونا متلائما مع مبادئ الدستور وبالتالي ضامنا لحقوق الأفراد في الولوج السلس والمستنير للعدالة، ولا شك أن هذا الحق أو هذه الحقوق هي من صميم حقوق الانسان الأساسية التي كرستها العهود و المواثيـــــــق الدوليــــة و أقرها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي جاء فيه:”لكل إنسان حق اللجوء الى المحاكم الوطنية لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياها الدستور أو القانون “.
و قد جاء في الفصل 118 من الدستور المغربي أن”حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون”.

فمن اليسير تبَيُّنُ التصورات التي حكمت هذا المشروع والتي سبقتها إجراءات قبلية في المحاكم بناء على توجيهات استرشادية تركز على الإنتاج و الإسراع في البت في القضايا وما خلفه من ضغط سلبي على العملية القضائية ، و هذا الأمر يُومِئُ الى انعطافات بنيوية في صرح العدالة وللأسف كانت نتائجها في غالب الأحيان أن حلت السمة الكمية محل الجودة و الكيف .
فالمشروع من خلال أغلب نصوصه يقلص من الولوج الى القضاء وينتصر لهدف الإسراع في الإجراءات و في البت في القضايا و للهاجس الكمي الذي قد يكون على حساب حقوق المتقاضي الأساسية والتي هي محور العملية القضائية برمتها وكِيَانِهَا ولعل مَرَدَّ ذلك إلى عدم التزام واضع المشروع بدراسة الأثر الذي تفرضه المادة 19 من القانون المتعلق بعمل الحكومة، وهي دراسة يجب أن تسبق أي مشروع قانون انطلاقا من سؤال: هل نحن في حاجة إلى تغيير جذري لقانون المسطرة المدنية أي إلى قانون جديد أم إلى تعديلات تمس فقط الإشكالات المطروحة على المستوى العملي وتلك التي تفرضها رقمنة العمل القضائي ؟.
ثم ما هي التغييرات التي قد يحدثها هذا المشروع بعد أن يصير قانونا نافذا على المواطن المغربي وكذا على جميع المتدخلين في مرفق العدالة؟.
إننا نسجل أنه لأول مرة فتح النقاش من طرف الحكومة ومجلس النواب لأجل المساهمة في تجويد النقاش حول مشروع قانون المسطرة المدنية، بحيث تم الاستماع في عدة لقاءات إلى أطر قانونية في بلادنا وكذا إلى مهنيين يهمهم قانون المسطرة المدنية، والذين أغنوا النقاش في العديد من المحطات داخل قبة البرلمان وحتى خارجها، وتم بسط ملاحظات بناءة مما يجعلنا نأمل في صدور قانون مسطرة مدنية يستجيب لتطلعات المواطن المغربي وجميع المتدخلين في مرفق العدالة.
وغني عن التذكير بأن مشروع قانون المسطرة المدنية على حالته قد مس في العديد من مواده وبشكل سلبي مبادئ دستورية تتعلق بالحق في الولوج للعدالة وأخرى تمس بعمل المحامي كمشارك في العملية القضائية، وأخرى أَسْنَدَتْ للنيابة العامة اختصاصات جديدة ستزيد من أعبائها، كما أنه لا مبرر من الناحية القانونية والواقعية لإسناد تلك الاختصاصات الجديدة إليها.
إنه ليس من الضروري التذكيرَ أيضا، بضرورة تنزيل الخطابات الملكية السامية التي ما فتئت تشدد على تفعيل مبدئ الولوج السلس والمستنير للعدالة بما يضمن حق المتقاضين في محاكمة عادلة .
ولعل ما تتميز به مهنة المحاماة أنها تشكل آلية من آليات المحاكمة العادلة، وأنه لا سبيل لتحقيق هذه الغاية إلا بتوسيع اختصاصات مهنة المحاماة بدلا من السعي إلى تقليصها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يتنافى وتحصين المحاكمة العادلة وضمانا للحقوق والحريات.
وفقكم الله في جمعكم الكريم هذا وأنار الله طريقكم لما فيه خير هذه الأمة .
و السلام عليكم و رحمة الله.

كلمة السيد النقيب مولاي سليمان العمراني في نـــــــــــــــدوة علميـــــــة حول :مشروع قانون المسطرة المدنية

المحترمــــــــــــــــــــون:
السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف التجارية بمراكش
السادة المسؤولون القضائيون كل واحد باسمه وصفته
السادة النقباء
السيد عميد كلية الحقوق بمراكش
السادة أعضاء مجلس هيئة المحامين بمراكش
زميلاتي ، زملائي
الحضور الكريم ،
الحمد لله الذي لا منتهى لعطاياه و مِنَحِهِ حمدا يقوم بالواجب من شكره وصلى الله و سلم على أشرف المرسلين،
أما بعد،
لقد طوَّق عنقي زملائي للإدلاء بهذه الكلمة، وإذ أعتز بهذه الثقة التي ترقى إلى مرتبة الشرف، وأدعوكم جميعا إمعان النظر فيما تنبض به سطورها وذلك للأشواق المشتركة فيما بيننا بما يضيف المزيد من السمو إلى صرح العدالة ببلادنا و يكرس نهضتها بسيادة روح القانون وسموه.

جاء على لسان الفقيه الفرنسي جاك شوفالييه أن صياغة النصوص القانونية تعد العلم التطبيقي للتشريع، وأنا أقول أن القاعدة القانونية هي تعبير عن إرادة واضعها.
إن مشروع قانون المسطرة المدنية المعروض للنقاش ولئن كان شعارُهالأساسي الأساسي تكريس النجاعة القضائية فإنه للأسف افتقد للنجاعة في الصياغة القانونية هاته الأخيرة التي كان يجب أن يرتكز تصورها على الممارسة العملية وما يحتاجه المواطن المتقاضي للولج السلس والمستنير للعدالة وأن يتم في ذلك استحضار ثلاث مبادئ أساسية :
مبدأ التأصيل و مبدأ المصلحة و مبدأ المواكبة وأضيف مبدأ رابعا لا يقل أهمية و هو مبدأ مراعاة الخصوصية خاصة عندما يتعلق التشريع المزمع صنعه بفئة مهنية معينة وذلك بضرورة إشراكها في إعداده وليس في استشارتها بعد إعداده مما يشكل تجاوزا لمبدأ التشاركية كمبدأ دستوري.
فالقانون لا ينشأ و لا يتطور إلا في إطار توازن اجتماعي معين يكون قد نبت فيه وترعرع حتى أصبح ناضجا قابلا للنشر والنفاذ.
وفي النتيجة قانونا متلائما مع مبادئ الدستور وبالتالي ضامنا لحقوق الأفراد في الولوج السلس والمستنير للعدالة، ولا شك أن هذا الحق أو هذه الحقوق هي من صميم حقوق الانسان الأساسية التي كرستها العهود و المواثيـــــــق الدوليــــة و أقرها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي جاء فيه:”لكل إنسان حق اللجوء الى المحاكم الوطنية لإنصافه الفعلي من أية أعمال تنتهك الحقوق الأساسية التي يمنحها إياها الدستور أو القانون “.
و قد جاء في الفصل 118 من الدستور المغربي أن”حق التقاضي مضمون لكل شخص للدفاع عن حقوقه و عن مصالحه التي يحميها القانون”.

فمن اليسير تبَيُّنُ التصورات التي حكمت هذا المشروع والتي سبقتها إجراءات قبلية في المحاكم بناء على توجيهات استرشادية تركز على الإنتاج و الإسراع في البت في القضايا وما خلفه من ضغط سلبي على العملية القضائية ، و هذا الأمر يُومِئُ الى انعطافات بنيوية في صرح العدالة وللأسف كانت نتائجها في غالب الأحيان أن حلت السمة الكمية محل الجودة و الكيف .
فالمشروع من خلال أغلب نصوصه يقلص من الولوج الى القضاء وينتصر لهدف الإسراع في الإجراءات و في البت في القضايا و للهاجس الكمي الذي قد يكون على حساب حقوق المتقاضي الأساسية والتي هي محور العملية القضائية برمتها وكِيَانِهَا ولعل مَرَدَّ ذلك إلى عدم التزام واضع المشروع بدراسة الأثر الذي تفرضه المادة 19 من القانون المتعلق بعمل الحكومة، وهي دراسة يجب أن تسبق أي مشروع قانون انطلاقا من سؤال: هل نحن في حاجة إلى تغيير جذري لقانون المسطرة المدنية أي إلى قانون جديد أم إلى تعديلات تمس فقط الإشكالات المطروحة على المستوى العملي وتلك التي تفرضها رقمنة العمل القضائي ؟.
ثم ما هي التغييرات التي قد يحدثها هذا المشروع بعد أن يصير قانونا نافذا على المواطن المغربي وكذا على جميع المتدخلين في مرفق العدالة؟.
إننا نسجل أنه لأول مرة فتح النقاش من طرف الحكومة ومجلس النواب لأجل المساهمة في تجويد النقاش حول مشروع قانون المسطرة المدنية، بحيث تم الاستماع في عدة لقاءات إلى أطر قانونية في بلادنا وكذا إلى مهنيين يهمهم قانون المسطرة المدنية، والذين أغنوا النقاش في العديد من المحطات داخل قبة البرلمان وحتى خارجها، وتم بسط ملاحظات بناءة مما يجعلنا نأمل في صدور قانون مسطرة مدنية يستجيب لتطلعات المواطن المغربي وجميع المتدخلين في مرفق العدالة.
وغني عن التذكير بأن مشروع قانون المسطرة المدنية على حالته قد مس في العديد من مواده وبشكل سلبي مبادئ دستورية تتعلق بالحق في الولوج للعدالة وأخرى تمس بعمل المحامي كمشارك في العملية القضائية، وأخرى أَسْنَدَتْ للنيابة العامة اختصاصات جديدة ستزيد من أعبائها، كما أنه لا مبرر من الناحية القانونية والواقعية لإسناد تلك الاختصاصات الجديدة إليها.
إنه ليس من الضروري التذكيرَ أيضا، بضرورة تنزيل الخطابات الملكية السامية التي ما فتئت تشدد على تفعيل مبدئ الولوج السلس والمستنير للعدالة بما يضمن حق المتقاضين في محاكمة عادلة .
ولعل ما تتميز به مهنة المحاماة أنها تشكل آلية من آليات المحاكمة العادلة، وأنه لا سبيل لتحقيق هذه الغاية إلا بتوسيع اختصاصات مهنة المحاماة بدلا من السعي إلى تقليصها بشكل مباشر أو غير مباشر، مما يتنافى وتحصين المحاكمة العادلة وضمانا للحقوق والحريات.
وفقكم الله في جمعكم الكريم هذا وأنار الله طريقكم لما فيه خير هذه الأمة .
و السلام عليكم و رحمة الله.

اقرأ أيضاً: