كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الرئيس الأول لمحكمة النقض بمناسبة اتفاقية التوأمة حول موضوع: “دعم وتعزيز قدرات المجلس الأعلى للسلطة القضائية”

نشر في: آخر تحديث:

سلام تام بوجود مولانا الإمام دام له النصر والتمكين

أصحاب المعالي والسعادة؛
بكل فخر واعتزاز نعيش هذه اللحظة المتميزة التي نوقع فيها على شهادة ميلاد شراكة طموحة، ونعطي فيها إشارة الانطلاق الرسمية لاتفاقية التوأمة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية بالمغرب والمجلس الأعلى للقضاء البلجيكي .
مناسبة رمزية بدلالات كبرى متعددة اخترنا أن تحتضنها رحاب أعلى مؤسسة بالهرم القضائي المغربي، محكمة النقض، التي تحتفي هذه السنة بالذكرى 62 لتأسيسها، لنعبر عن تقديرنا الكبير لهذا الحضور الوازن المتميز لضيوف وأصدقاء المغرب الأعزاء.
حدث أغتنمه لأعبر لمعالي رئيس المجلس الأعلى للقضاء البلجيكي السيد Joris LAGROU عن سعادتي البالغة بتواجده معنا لنضع الحجر الأساس لمستقبل تعاون مثمر .
وهي أيضا مناسبة متميزة لأعبر للسادة سفراء دول الاتحاد الأوروبي بالمغرب الحاضرين معنا عن تقديرنا وشكرنا لكل الجهود المبذولة من أجل دعم كل آليات التعاون والشراكة وتكريس القيم المشتركة التي نقتسمها، قيم الحرية والعدل والمساواة.
واسمحوا لي أيضا عن أعرب عن أصدق مشاعر السعادة والترحيب بمعالي رئيسة محكمة النقض البلجيكية السيدة Beatrijs Deconinck ، وسعادة المدعي العام السيد André HENKES اللذين شرفانا بالحضور في أول مهمة خارجية لهما بعد أدائهما اليمين قبل أيام قليلة متمنيا لهما كامل التوفيق والنجاح في مسؤوليتهما الجديدة.
كما نغتنم هذا الحدث لنعبر عن عظيم شكرنا للسادة المسؤولين الوطنيين الرفيعي المستوى الحاضرين معنا اليوم، الذين يساهمون بكل جدية في إنجاح هذا الحدث الدولي الكبير.
إن وجودكم معنا جميعا اليوم أصحاب المعالي والسعادة، شهادة تقدير تلقيناها بكثير من الفخر والاعتزاز فمرحبا بكم بالمغرب أرض اللقاءات ضيوفا كراما وأصدقاء أعزاء ومسؤولين كبار.
الحضور الكريم؛
المغرب وبلجيكا تاريخ كبير لعلاقات صداقة وشراكة نسجت خيوطها على امتداد أكثر من قرن ونصف من الزمان منذ أول اتفاقية ثنائية بين البلدين سنة 1860 تاريخ وثقته دماء وأرواح الجنود المغاربة الذين سقطوا في معركة شاستر غيمبلو سنة 1940 فداء لقيم الحرية والسلام والإنسانية.
وحاضر ازداد قوة ومتانة بفضل أواصر الصداقة الشخصية والتقدير المتبادل الذي يربط بين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وجلالة الملك فيليب وحرصهما السامي على مواصلة العمل المشترك لما فيه صالح الشعبين العريقين، ومستقبل نحرص معا على بناء أرضيته وأعمدته من أجل ضمان حقوق الأجيال القادمة.
كيف لا وأكثر من 700.000 مغربي مقيمون ببلجيكا يشكلون نموذجا متميزا للاندماج والانفتاح والتنوع.
وهنا لابد أن نستحضر بكثير من التقدير الحركية الكبيرة التي شهدتها العلاقات المغربية البلجيكية من خلال العمل الدؤوب لعدد هام من اللجان العليا المشتركة والزيارات المتبادلة لوفود اقتصادية كبيرة تحاول استثمار الفرص المتاحة سواء من خلال الأبعاد الجيوستراتيجية للمغرب وعمقه الإفريقي أو من خلال المشاريع الإصلاحية التنموية التي تعرفها بلادنا، فضلا عن التعاون القضائي والقانوني بين البلدين في العديد من الميادين والتي يظهر جليا من خلال العديد من الاتفاقيات الثنائية وكذا تعيين قاض مكلف بالاتصال منذ حوالي 12 سنة ، في مقاربة تستحضر خصوصية وتفرد العلاقة مع أصدقائنا ببلجيكا .

الحضور الكريم؛
سنة 2013 كانت شاهدة على توقيع وثيقة من أجل بناء هذا المستقبل، عندما احتضنتنا هاته القاعة ، قضاة بلجيكيين ومغاربة، بحضور مسؤولين قضائيين متميزين وصديقين عزيزين السيد إيتان كوتيل الرئيس الأول السابق لمحكمة النقض والسيد جان فرانسوا لوكليرك الوكيل العام السابق لديها حيث أعطينا انطلاقة حقيقية جادة للتعاون القضائي والقانوني في تجسيد حقيقي للرؤية الحكيمة التي تعبر عن قناعة وخيار استراتيجي، بأن الغد ينتمي إلى هؤلاء الذين يعملون من أجله اليوم بجد وجرأة وشجاعة، في إطار مشاريع إصلاحية حقيقية تستثمر القيم العميقة المشتركة بين الإنسانية.

 هاته القيم السامية عبر عنها جلالة الملك فيليب من خلال تشريفه للرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية المغربية بوسام ليبولد الثاني الرفيع المستوى الذي توشحت به من يد صاحبة السمو الأميرة Astrid  يوم 28 نونبر 2018 .

وسام يحمل رسالة دعم لكل الجهود المبذولة من أجل ربط الجسور والانفتاح والشراكة البناءة الحقيقية.

وهنا نحن اليوم نجسد مرة أخرى هذه الإرادة ونضع لبنة جديدة في بناء هذا الصرح القوي المتماسك وكلنا وعي بحجم الرهانات المشتركة التي تجمع بين بلدينا على العديد من المستويات القانونية والقضائية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتلزمنا بمثل هاته المبادرات والآليات العملية الجادة.

أصحاب المعالي والسعادة؛
الحضور الكريم؛
إن المملكة المغربية باعتبارها عضوا عاملا نشيطا في إطار مجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية جعلت من ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، خيارا استراتيجيا مضمنا في مقدمة تصدير وثيقتها الدستورية .
رؤية وخيار إنساني دستوري حكيم سبق أن عبر عنهما جلالة الملك محمد السادس نصره الله في أطروحته لنيل الدكتوراه سنة 1993 التي تمحورت حول موضوع: ” التعاون بين السوق الأوروبية المشتركة واتحاد المغرب العربي” .
لقد انبثقت مضامين الوثيقة الدستورية المغربية من خلال مقاربة ديموقراطية، كرست ثوابت الهوية المغربية الغنية بتعدد روافدها، وأسست لميثاق حقيقي لحقوق وواجبات المواطنة والحريات الأساسية وعززت المساواة بين الجنسين وأقرت مبدأ المناصفة وربطت ممارسة المسؤولية بالمحاسبة، ونصت على مبادئ قوية في مجال الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة ودولة القانون في جميع المجالات، والكل في ظل ملكية مواطنة ضامنة لأسس الأمة.
والمجلس الأعلى للسلطة القضائية اليوم، وهو يحتفي بالذكرى الثانية لتأسيسه، مطالب الآن أكثر من أي وقت مضى بتفعيل مضامين هذه الوثيقة الدستورية التي ارتقت بالقضاء إلى سلطة مستقلة بضمانات وآليات متعددة، وفلسفة جديدة، وأسست لمجلس أعلى للسلطة القضائية بتركيبة موسعة، واختصاصات مهمة ومتنوعة، كما حددت وظيفة القضاة دستوريا في التطبيق العادل للقانون وحماية حقوق الأشخاص والجماعات، وحرياتهم وأمنهم القضائي، وجعلت من حق التقاضي ومجانيته وعلانيته، وحقوق الدفاع، وقرينة البراءة، وشروط المحاكمة العادلة داخل أجل معقول، والحق في اقتضاء التعويض لمن تضرر من الخطأ القضائي، حقوقا دستورية لا مجال للمساومة بشأنها، وألزمت الجميع، أفرادا ومؤسسات عمومية باحترام الأحكام القضائية والعمل على تنفيذها.
الحضور الكريم؛
(استقلال السلطة القضائية) (تكريس الثقة) (تخليق منظومة العدالة) (تحديات التحديث والحكامة القضائية) (قواعد الشفافية وآليات الولوج والنجاعة) (الأمن القانوني والقضائي) كلها أوراش كبرى تواجه الفاعلين والمسؤولين في قطاع العدالة عبر العالم منذ عشرات السنين .
سنوات استطاع خلالها الفكر القانوني والحقوقي، أن يراكم ممارسات وتجارب فضلى سعى إلى تطويرها وتجويدها خدمة للمتقاضين.
واليوم نحن أمام محطة حاسمة تلزمنا بالكثير من العمل المنهجي وفق مخطط استراتيجي وتعبئة كل الجهود والطاقات من أجل التدبير المعقلن للإكراهات والمعيقات بروح إيجابية وفكر خلاق منفتح على كل قنوات التواصل والتعاون المثمر، وهو ما سعينا إلى تجسيده من خلال السهر على تفعيل بنود هذه الاتفاقية الرامية الى تدعيم دولة القانون من خلال تكريس سلطة قضائية مستقلة سهلة الولوج وناجعة وفق المعايير الدولية وذلك عبر التركيز على ثلاث مجالات ذات بعد قانوني ومؤسساتي وهيكلي .
والرهان الكبير هو تحدي إنجاح هذه الشراكة والوصول إلى الأهداف المرجوة منها داخل الآجال المحددة لها بكل جدية ومسؤولية من خلال الاستفادة من التجربة المتميزة لشركائنا وأصدقائنا ببلجيكا التي اكتسبوها على امتداد سنوات طوال منذ انطلاق أشغال مجلسهم الأعلى سنة 2000 . وذلك من أجل الوصول إلى تطوير الإطار القانوني والتنظيمي للمجلس الأعلى ليكون منسجما مع الممارسات الفضلى بالتجربة الأوروبية ، ودعم قدرات ومؤهلات أطر المجلس الأعلى وباقي المؤسسات المرتبطة بالقضاء.
نجاح نعتمد فيه أيضا على دعم ومواكبة أصدقائنا بالاتحاد الأوروبي الذين يولون عناية خاصة لهذا التعاون بالنظر للموقع المتميز لبلادنا كبوابة لإفريقيا وكنموذج طموح متفرد للإصلاحات الجوهرية الحقيقية ذات البعد الإنساني الكبير .
اليوم، نبني المستقبل على أرضية صلبة ثابتة وكلنا عزيمة وطموح لنكون في مستوى الثقة.
شركائنا البلجيكيين؛
كل الأشياء العظيمة يمكن التعبير عن الكثير منها بكلمة واحدة: الحرية، العدالة، الشرف، الواجب، الأمل….
معاني عبر عنها ببلاغة كبيرة السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض البلجيكية السابق السيد GHISLAN LONDERS في مداخلته القيمة التي ألقاها سنة 2007 بمناسبة الذكرى الخمسينية لتأسيس محكمة النقض تحت عنوان :
( LES FONDEMENTS ET STRUCTURES DE LA JUSTICE AU TROISIEME MILLENAIRE )
وتتبعها الجميع بكثير من التقدير والاهتمام .
لقد تجاوزنا اليوم مرحلة التعبير عن النوايا الطيبة إلى مرحلة التأسيس لمشاريع جادة وبشراكة حقيقية من أجل دعم نموذج متميز لاستقلال السلطة القضائية مبني على الفصل والتوازن والتعاون بين السلط، وهو ما لمسناه من خلال التزامكم وإرادتكم الصادقة من أجل هذه القيم العظيمة .
وتأكدوا أن هذا اللقاء الهام المتميز سيشكل بكل تأكيد قيمة مضافة لا يمكننا إلا أن ننوه بها ونؤكد على أهمية استمرارها، مبدين استعدادنا التام لتوفير كافة الشروط لإنجاحها وتطويرها والاستفادة من مخرجاتها ونتائجها.
ولي اليقين أن هذا الإرث المشترك الذي حملته إلينا منذ عشرات السنين علاقات صادقة وتعاون مسؤول مع شخصيات متميزة من مستواكم الرفيع، لا يمكننا إلا أن نلتزم بالحفاظ عليها لنضع بصمتنا على مستقبل ينبني على قيم الانفتاح والحوار والتقدير المتبادل.
وفي الختام، اسمحوا لي أن أجدد لكم ترحيبي مع شكري وامتناني لكل من ساهم في إعداد وإنجاز وتنظيم هذا الحدث الدولي الكبير كل باسمه وصفته مع شكر خاص لكل من السيد وزير المالية والسيدة سفيرة الاتحاد الأوروبي بالمغرب والسيد سفير بلجيكا بالمغرب والسيد رئيس الهيئة الفدرالية العامة البلجيكية والسيدة مديرة الوكالة البلجيكية للتعاون الدولي، على دعمهم الكبير لهذا المشروع المتميز.
كل المتمنيات للجميع بالتوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته؛

اقرأ أيضاً: