الرئيسية آراء وأقلام قساوة الزمن الإجرائي

قساوة الزمن الإجرائي

téléchargement 27.jpg
كتبه كتب في 11 سبتمبر، 2016 - 1:42 صباحًا

بقلم الأستاذ حكيم وردي

يستدعي العرض الطموح الذي لاشك أعده قضاة وأطر الإدارة المركزية وقدمه السيد وزير العدل والحريات أمام وسائل الإعلام وبعض المسؤولين القضائيين وممثلينا المرتقبين بالمجلس، قراءة فاحصة بقدر ما تترفع عن مساءلة خلفياته المضمرة وسياقه الزمني، بقدر ما تفكك خلاصاته الصادمة. وتنبؤاته الحاسمة.
وإذا كان الممارس المنصهر في آلة إنتاج الحكم القضائي لا يحتاج إلى تقارير رقمية صماء ليكتشف حجم المكابدة اليومية في تصريف نزاعات المغاربة مع القانون، والتي بوأت القاضي المغربي مكانة فاقت بشهادة السيد الوزير نظيره السويدي و الاسباني والألماني والفرنسي والسويسري وغيرهم من حيث عدد القضايا المحكومة، رغم كثرتها وتعقيداتها و ضعف الإمكانيات المادية والموارد البشرية المرصودة لها، فإننا مع ذلك كنا نأمل أن يجعلنا التقرير فخورين بإنتاجنا متشبتين بأهداب المقاومة، وألا يمنح وسائل الإعلام فرصة التشهير بأجورنا الهزيلة التي مهما زيد فيها فلن تعوض ساعات الجلسات الطويلة في القاعات الخانقة صيفا، القارسة شتاء، ولا سهر الليالي الأليمة في دراسة أقضية لا تنتهي، والتي أورثت جل القضاة عللا مزمنة(ضغط والسكر…)، وتشوهات خلقية ( تقوس الظهر، وضعف البصر… )، فضلا عن مخزون لا يطاق من الكآبة النفسية، والرهاب الذهاني كنتيجة حتمية للطاقة السلبية التي تمتصها دواتهم المشروخة كل يوم في المحكمة لتوزيعها بسخاء على الزوجة والأبناء: وما أكثر الضحايا من أبناء القضاة.
وإذا فينبغي أن نتفق أن أجرنا عند الله وأنه لو اشتغل القضاة المغاربة بالقطعة فقط لفاقت أجورهم بكثير ما يتقاضونه اليوم، وأن رسالتنا التي تجعلنا نفرق العدل نيابة عن الإمام، لا تقاس بثمن غير الإحساس بالفخر عند إنصاف مظلوم، أو إغاثة مكلوم.
ومع كل هذه التضحيات يبدو أن مآسي القضاة سوف تزداد عمقا في ظل الأجندة الزمنية الافتراضية للبت في الملفات والتي يبشرنا السيد الوزير أياما قليلة على تنصيب المجلس الأعلى للسلطة القضائية، أنه حصل توافق للقضاة على التفاعل معها تحت طائلة متابعتهم تأديبيا، وأن الإدارة المركزية سوف لن تقطع حبل الرقابة على القضاة بل ستخضع تدبيرهم للملفات لتطبيق معلوماتي بارد العواطف، حتما سوف لن يفهم معنى التماس المحامي لأجل أول وثاني، ولا لتعذر استدعاء، أو إنجاز خبرة، أو إحضار متهم أو شاهد.
إن الاتفاق مع المبدأ الكوني في معقولية أجل البت كحق إنساني للمتقاضي لا ينبغي مقاربته من زاوية المسؤولية الفردية للقاضي، إذ لا يمكن لعاقل أن يعتقد أن تدبير الزمن القضائي ملك لمزاجه الشخصي أو طوع لمطرقته الخشبية.فقاضي الجلسة المغربي مدنيا كان أو جنحيا يلج المحكمة مثقلا بعشرات الملفات على الأقل مرة في الأسبوع، وينادي على القضية التي قلما يحضرها الخصوم عند أول جلسة، فيضطر لإعادة الاستدعاء أو الإحضار الذي تسهر عليه كتابة الضبط الغارقة في الإجراءات وقلة الإمكانيات، وعندئذ يصبح التحكم في الزمن بيد متدخلين لا علاقة للقاضي بهم بل لا تملك المحكمة القدرة الحاسمة على إلزامهم بالتنفيذ. ولأن الكثرة تقتل الجودة وتغتال القانون، يضطر مكرها تحت نير تقريعات المسؤول المهووس بالإنتاج إلى غض الطرف عن الالتزام بالقواعد الشكلية للمسطرة التي وللمفارقة بات خرقها موجبا للمساءلة.
إن الواقع العنيد يشهد أننا نطمح ونكدح لتصريف الأقضية في آجال أكثر من معقولة مقارنة مع دول تتقدمنا بسنوات ضوئية، ولكن على حساب قدراتنا البشرية المحدودة و بمرونة مقلقة في التشبت بشكليات عديدة أبلغها مثالا التبليغ الذي لو أصرت المحاكم على إخضاعه لصريح النص لما حكم ملف في جلسة.
إن المنطق الرياضي على طابعه المجرد يخضع في بنائه الداخلي لمعطيات قابلة للبرهنة، والخلاصات التي انتهت إليها جداول أيام البت في الملفات تحتاج إلى تفسير يرفع الحرج عن بعض نتائجها التي تجعل ملفا جنائيا بمتهم واحد على قدم المساواة مع ملف بآلاف الصفحات وعشرات الاستماعات. …مساواة ظالمة في الزمن وفي المسؤولية.
رجاء….فحتى العدل في الظلم عدل.
عيدكم مبارك سعيد …للحديث بقية

مشاركة