أكد السيد محمد بنعليلو، رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أن التزام المقاولات بمكافحة الفساد لم يعد ترفًا أخلاقيًا أو خيارًا ثانويا، بل أصبح التزامًا حقوقيًا صريحًا وجزءًا من مسؤوليتها الاجتماعية في ظل اقتصاد معولم يربط بين الشفافية والتنمية والعدالة.
وجاء ذلك خلال مشاركته في منتدى “المقاولة وحقوق الإنسان في ظل اقتصاد مسؤول يراعي مبادئ النزاهة ومكافحة الفساد”، المنعقد بمدينة مراكش، والذي شهد حضور وزراء وممثلين عن منظمات وطنية ودولية وسفراء ودبلوماسيين، إلى جانب عدد من الفاعلين الاقتصاديين والمؤسسات الرقابية.
وفي كلمته، شدد بنعليلو على أن صورة المقاولة الحديثة لم تعد تُقاس فقط بحجم استثماراتها أو مردوديتها الاقتصادية، بل أيضًا بقدرتها على ترسيخ الحكامة الرشيدة، ومحاربة الرشوة، واحترام حقوق الإنسان في مختلف مراحل نشاطها، سواء على مستوى التوظيف أو الإنتاج أو سلاسل التوريد.
وقال المتحدث إن المقاولة التي تتغاضى عن الأثر الحقوقي لأنشطتها، أو تستفيد من علاقات ريعية، تساهم مباشرة في تكريس اللامساواة وتقويض الحق في التنمية، محذرًا من أن كل صفقة تُمنح خارج المنافسة العادلة، أو رخصة تُنتزع بالرشوة، هي انتهاك للحقوق الاقتصادية للآخرين.
وأشار إلى أن الهيئات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، أصبحت تعتبر الامتثال الحقوقي ومحاربة الفساد من المعايير الأساسية لتقييم أداء المقاولات، مبرزًا أن الحكامة الداخلية والشفافية وآليات التبليغ باتت أدوات ضرورية لأي مقاولة مسؤولة.
وفي السياق الإقليمي، اعتبر بنعليلو أن مسؤولية المقاولات في إفريقيا والعالم العربي مضاعفة، نظرًا لتقاطع تحديات التنمية مع متطلبات الانتقال الديمقراطي، داعيًا إلى تجاوز منطق “الامتثال الأدنى” نحو “التزام طوعي وواعي” بقيم النزاهة والمساءلة.
كما نوّه رئيس الهيئة بانخراط عدد من المقاولات المغربية في اعتماد المعيار الدولي لإدارة مكافحة الرشوة (ISO 37001)، معلنًا استعداد الهيئة لمواكبة كل المقاولات الراغبة في تطوير نظم داخلية فعالة للامتثال والوقاية من الفساد.
وفي ختام كلمته، دعا بنعليلو إلى اعتبار هذا المنتدى محطة إقليمية للتفكير الجماعي في مفهوم “المقاولة المواطِنة”، التي لا تكتفي بتحقيق الربح، بل تسهم في تحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز الثقة في المؤسسات، وترسيخ سيادة القانون.
وأكد أن الهيئة الوطنية للنزاهة ستظل منفتحة على جميع المبادرات الجادة، الرامية إلى إشاعة ثقافة النزاهة، وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص، باعتباره شريكًا أساسيًا في بناء اقتصاد شفاف، عادل، وتنافسي.

