الرئيسية آراء وأقلام علاقة النيابة العامة بقضاء التحقيق

علاقة النيابة العامة بقضاء التحقيق

Egyptian Public Prosecution Emblem.svg .png
كتبه كتب في 25 سبتمبر، 2016 - 9:00 مساءً
تقــديــم
تعتبر النيابة العامة جزءا من الهيئة القضائية، وهي خصم شريف في الدعوى الجنائية ومن أعرافها أن ممثلها بالجلسة يترافع واقفا، وبذلك سميت بالقضاء الواقف، ولها دور مهم جدا في استقرار المجتمع وطمأنينته، فهي تساهم مساهمة فعالة في رقيه وازدهاره وهي ضامنة لحقوقه في جميع المجالات وساهر على تطبيق القانون ومتابعة ومسائلة كل شخص سولت له نفسه تعكير صفو أمن المجتمع وعرقلة رقيه بانتهاكه حرمة القوانين التي تنظمه.
ويعرف بعض الفقه النيابة العامة بكونها المؤسسة التي تمثل المجتمع في توجيه الاتهام ومباشرته، وهي بذلك طرف شريف في الدعوى العمومية، في حين يعرفها البعض تعريفا آخر بأنها هيئة قضائية من نوع خاص تسمى بالقضاء الواقف، وللنيابة العامة دور مزدوج، فهي جزء من السلطة التنفيذية قبل إجراء المتابعة وجزء من الهيئة القضائية منذ مباشرة الاتهام بكيفية رسمية إلى حين النطق بالحكم في موضوع القضية، وتستمر لها هذه الصفة أيضا عندما تمارس حقها في الطعن في الحكم الذي يصدر ولا يستجيب لما تقدمت به من طلبات وملتمسات.
وتتألف النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف من السيد الوكيل العام للملك الذي يعتبر رئيس النيابة العامة بالدائرة الاستئنافية، وقد يوجد نائب أول للوكيل العام للملك في استئنافات المدن الكبرى، أي محاكم الابتدائية الاستثنائية.
ولدى المحكمة الابتدائية تتكون النيابة العامة من السيد وكيل الملك ومن نوابه وقد يوجد نائب أول لوكيل الملك في ابتدائيات المدن الكبرى في أي المحاكم الابتدائية الاستثنائية.
ويرأس مؤسسة النيابة العامة الوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى ونوابه ويسمون محامين عامين وبذلك فله حق توجيه معلومات وملاحظات مباشرة إلى الوكلاء العامين لدى محاكم الاستئناف وإلى وكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية.
وتخضع النيابة العامة للتسلسل الرئاسي، فالوكيل العام للملك لدى المجلس الأعلى له سلطة على نوابه بالمجلس وعلى قضاة النيابة العامة بمختلف محاكم المملكة والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف له سلطة على نوابه وعلى قضاة النيابة العامة بالدائرة الاستئنافية التابعة له، ووكيل الملك له سلطة على نوابه.
وبما أننا بصدد مناقشة موضوع النيابة العامة وعلاقاتها بقضاء التحقيق فسنحاول تسليط الضوء على إشكالية جد مهمة تتعلق بممارسة هذين الجهازين لعملية المتابعة الزجرية وبالتالي ستتفرغ عنها مجموعة من الإشكالات الفرعية اللصيقة بها،وعليه سوف نتناول الموضوع كما يلي.
المبحث الأول : إختصاصات النيابة العامة في علاقتها مع قاض التحقيق:
تنظم هذه العلاقة مجموعة من المقتضيات القانونية وذلك اعتبارا للدور المهم الذي تقوم به النيابة العامة خلال مرحلة التحقيق الإعدادي من بدايته حتى ختامه، وسواء كان التحقيق في القضية قد تم بناءا مطالبتها أو بناءا على شكاية مباشرة من المطالب بالحق المدني وتبقى بذلك النيابة العامة على ارتباط مستمر بقاضي التحقيق خلال هذه المرحلة، فهو من جهته يشعرها بمختلف القرارات التي يتخذها خلال سن أعمال التحقيق الإعدادي، وهي من جهتها تبدي جميع الملتمسات التي من شأنها حسن سير التحقيق وفائدة العدالة كما أن القانون يخولها حق الإطلاع على ملف التحقيق في أية مرحلة من مراحله إلى غاية انتهائه باتخاذ قاضي التحقيق القرار النهائي إما بإحالة المتهم على المحكمة المختصة، أو بإصداره أمرا بعدم متابعته.
ولكي تتضح الرؤية أكثر في هذا الموضوع سنحاول التطرق سنحاول التطرق إلى نقطتين سنعالجهما في مطلبين إذ أن المطلب الأول سيتعلق بمميزات النيابة العامة في حين أن المطلب الثاني سنخصصه لتفصيل القول في مؤسسة قاضي التحقيق والمهام المنوطة به.
المطلب الاول: مميزات وخصائص النيابة العامة :
تتميز النيابة العامة بعدة خصائص ، كان لابد منها لحسن الاضطلاع بالدور المنوط بها في حماية الصالح العام ومحاربة الجريمة، وفي هذا الصدد لقد نصت ديباجة قانون المسطرة الجنائية الجديد (01-22) على دور النيابة العامة في حماية المجتمع ومحاربة الجريمة، بحيث جاء فيها ما يلي :
” نظرا لتنامي وتزايد ظاهرة الجريمة وتعقد أساليبها وامتدادها شكاتها عبر حدود الدول واستغلالها لوسائل التكنولوجيا الحديثة وحرصا على تفادي التأخير الأبحاث والحيلولة دون فرار المشتبه فيه، فقد جاء هذا القانون بمقتضيات تخول للنيابة العامة (وقاضي التحقيق) وسائل جديدة للبحث عن أدلة لإثبات الجرائم وضبط مرتكبيها من أجل محاكمتهم، من بينها:
• سحب جواز السفر وإغلاق الحدود (م 40 و 49) ق.م.ج
• التقاط المكالمات والاتصالات المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد وتسجيلها وحجزها المتعلقة بالمواد من (108 إلى 116) ق.م.ج
• إصدار أوامر دولية بإلقاء القبض.
لنعود ونبرز مميزات النيابة العامة التي تتمثل فيما يلي :
1- وحدة النيابة العامة
2- عدم مسؤولية النيابة العامة
3- التسلسل الرئاسي
4- استقلال النيابة العامة
5- عدم تجريح النيابة العامة
6- عدم ارتباط النيابة العامة لمطالبها
7- النيابة العامة طرف أصلي في الدعوى العمومية.
وسنقوم بالتطرق لكل ميزة من هذه الميزات في فقرة مستقلة.
كما ان النيابة العامة تشكل هيئة واحدة ، يعمل ممثلوها على الدفاع عن الحق العام فالفرق بين أن يباشر الإجراء وكيل الملك أو الوكيل العام شخصيا أو نائب من نوابهما سواء في حضور الجلسات أو استنطاق المتهمين أو ممارسة طرق الطعن أو غير ذلك ، بل أن الإجراء الذي يبدأه عضو من أعضاء النيابة العامة لا يمنع القانون عضوا آخر من إتمامه.
و ممثل النيابة العامة لا يسأل عن الأخطاء التي قد تحصل منه أثناء مباشرة عمله بالمتابعة أو الحفظ أو غير ذلك ، حيث انه وعيا من المشرع بالمهام المسندة إلى هذه المؤسسة فقد خولها الحرية في العمل لاتخاذ ما تراه مناسبا حسب ظروف كل قضية على حدة وفي إطار سلطة الملائمة المخولة لها “وقد قضت محكمة النقض الفرنسية في نقض جنائي بتاريخ 06/07/1982 أنه لا يسأل وكيل الجمهورية الذي حفظ الشكاية عن إنكار العدالة لأن ذلك القرار يدخل في نطاق سلطته التقديرية لملائمة المتابعة التي تنص عليها المادة 40 من قانون الإجراءات الجنائية”
لكن ، إذا كان ممثل النيابة العامة لا يسأل عن أخطائه المهنية مسؤولية مدنية ، فإنه يبقى على كل حال خاضعا للقانون الأساسي للوضيعة العامة باعتباره موظفا عموميا بمفهوم الفصل 224 ، وبالتالي فهو يسأل عما قد يرتكب من أفعال جرمية، مسؤولية جنائية طبقا للمادة 2 ق.م.ج وكذا وفق المسكرة المنصوص عليها في المواد 265 ق.م.ج والمتعلقة بقواعد الاختصاص الاستثنائية للحكم في الجرائم المنسوبة لبعض القضاة وسامي الموظفين.
اما التسلسل الرئاسي ما هو إلا مبدأ قار في إطار الوظيفة العمومية، تم تكريسه لضمان العمل المضبوط، والسير الحسن لمرفق النيابة العامة باعتباره نمطا من أنماط الإدارة العامة التي يرتبط به الشأن العام للمجتمع الذي تعمل باسمه ولحسابه.
وبناءا على هذا فإن وزير العدل كرئيس للنيابة العامة يقع على رأس الهرم ويعد الرئيس الأول لقضاة النيابة العامة الذين يعملون تحت إمرته، ويخضعون لسلطته ولسلطة رؤسائهم المباشرين كما مر معنا، وتظهر التبعية الرئاسية خاصة من خلال المواد 38 و 51 ق.م.ج اللتان تقابلان على التوالي الفصلين 36 و 48 من القانون الملغى وكذلك م 560 و 567 ق.م.ج اللتان تقابلان الفصلين 609 و614 من القانون الملغى.
إلا أن السؤال المطروح يتعلق بطبيعة التبعية المذكورة ؟ هل هي تبعية مطلقة أم نسبية ورمزية ليس إلا ؟ بمعنى ما هو الجزاء الذي يترتب على مخالفة ممثل النيابة العامة لتعليمات وأوامر رؤسائه في مباشرته لإجرائها.
الحقيقة أنه من النادر جدا أن يخالف ممثل النيابة العامة أمرا من أوامر رئيسه، اللهم إذا وقع في خطأ ما، إلا أن الإجراء الذي قد يقع مخالفا لتعليمات رئيس النيابة العامة ينتج أثره ومفعوله ولا يتم إبطاله، بل يمكن لرئيس النيابة العامة شخصيا أو بناءا على تعليماته الصادرة لأحد نوابه، أن يمارس الطعن المخول في هذا الصدد، هذا بالإضافة إلى المبدأ المقرر بمقتضى م 38 ق.م.ج وهو ما يعبر عنه اللسان حر والقلم أسير، بحيث أن ممثل النيابة العامة حر في بسط ملاحظاته وآرائه الشفوية والتي يراها ضرورية لفائدة العدالة، ودون التقيد بالملتمسات والإجراءات الكتابية، وهذه الإمكانية المتاحة في إطار المادة 38 ق.م.ج السابقة هي التي قيل بشأنها أن ” قضاة النيابة العامة موظفون في مكاتبهم وقضاة في جلسات الحكم ” وقد كتب الأستاذ محمد حنين في هذا الصدد”… ويختلف تفاعل المرؤوس فيما يتعلق بالتعليمات الموجهة إليه من رئيسه حسب إذا ما كانت التعليمات كتابية أم شفوية”.
فالتعليمات الكتابية تجعل المرؤوس حسب اعتبار البعض مثل الوسيط لا إرادة له في تغييرها لأن كامل المسؤولية يتحملها الرئيس في حالة وجود خطأ نتج عنه ضرر.
إلا أنه إذا كانت غاية النيابة العامة هي الدفاع عن القانون وحماية حقوق وحريات الأفراد والجماعات فإن من واجب المرؤوس أن يتحلى بالشجاعة لتغيب التعليمات الكتابية غير القانونية وغير العادلة، ويدافع عن موقفه أمام أية جهة مختصة…
و النيابة العامة مستقلة عن أطراف الدعوى العمومية، وكذا اتجاه الإدارة، فممثلوها ليسوا موظفين إداريين بالمفهوم الضيق، اللهم ما بيناه سابقا بخصوص تمثيلهم للسلطة التقديرية وخضوعهم لوزارة العدل.
وعدم اتصاف ممثلي النيابة العامة بصفة الموظف الإداري بالشكل الحرفي الضيق للكلمة هو ما جعلنا نتغاضى عن إصباغ صفة الموظف عليهم وفق الفصل الثاني من ظهير 24/02/1958 بمثابة قانون الوظيفة العمومية، وبصفة الموظف وفق الفصل 224 من القانون الجنائي فيما يتعلق بالجرائم التي قد يرتكبونها أثناء أدائهم لمهامهم، بل إن الأمر ليس عند هذا الحد، إذ نجد الفقه يطلق على ممثل النيابة العامة الصفة المزدوجة، لكونه يمثل الإدارة من جهة والمجتمع والسلطة القضائية من جهة ثانية.
والحقيقة أن ممثل هذه الازدواجية يقع فيها قاضي الحكم بدوره، عندما يباشر عملا يكتسي الصبغة الولائية .
هذا ويستقل ممثل النيابة العامة عن المحكمة، بحيث ليس لها أن توجه له أي تعليمات، سواء شفويا أثناء مناقشة القضية أو في حكم مكتوب، وفي هذا الصدد ذهبت محكمة النقض المصرية إلى أنه ” يترتب عن استقلال النيابة العامة أمران: الأول أن يكون لها الحرية التامة في بسط في بسط آرائها لدى في الدعوى العمومية بدون أن يكون للمحاكم أي حق في الحد من تلك الحرية إلا ما يقضي به النظام العام وحقوق الدفاع، والثاني أن ليس للقضاء أي سلطة على النيابة العامة تبيح له لومها أو تعييبها مباشرة بسبب طريقة سيرها في أداء وظيفتها.”
وقد ذهب المجلس الأعلى إلى تكريس استقلالية النيابة العامة عن المحكمة لما قرر أن ” المحكمة لا يجب عليها أن تنبه الخصوم إلى ما في حججهم من عيب، بل الواجب على طالب الحق أن يكون حجة سليمة مما يبطلها تلقائيا، من غير إرشاد المحكمة لأن موقفها موقف حياد”.
والملاحظ عمليا أن رؤساء الجلسة عند تسييرهم للجلسات يتطاولون على هذا الاستقلال بلجوئهم إلى عبارات غريبة بعض الشيء مثل ” تكليف النيابة العامة بأصل الشكاية” أو “تكليف النيابة العامة بمحض الاستماع” … والحال أن النيابة العامة لا تكلف من طرف المحكمة بل يجب أن تستقل عنها إلى أبعد مدى، وغير بعيد عن هذا يقول الدكتور أبو المعاطي حافظ أبو الفتوح، ومن النتائج المترتبة على مبدأ استقلال النيابة عن القضاء، أن المحكمة لا يجوز لها أن تأمر النيابة العامة بإجراء تحقيق في دعوى مرفوعة أمامها أو برفع دعوى ضد شخص، فالاتهام من عمل النيابة العامة، بينما التحقيق النهائي من وظيفة المحكمة التي رفع إليها الأمر وإذا تعذر تحقيق دليل أما المحكمة فلها أن تندب أحد أعضائها أو قاضيا آخر لتحقيقه.
“وفي ذات السياق نقضت محكمة النقض الفرنسية قرارين، جاء في الأول أنه نظر للأثر السيئ الذي أحدثته” مطالبة النيابة العامة على الجمهور فإن المحكمة ترجو ممثلي النيابة العامة أن لا تنسى احترام القضية المبرمة.
أما القرار الثاني الذي نقضته محكمة النقض الفرنسية، فقد انتقدت فيه المحكمة النيابة العامة نظرا لكون مطالبها استغرقت وقتا طويلا.
ولا يمكن تجريح قضاة النيابة العامة، وذلك بصريح المادة 274 م.ج المقابلة للفصل 276 من القانون الملغى، وهذه نتيجة منطقية لدور النيابة العامة باعتبارها طرفا في الخصومة الجنائية بحيث لا يصح أن يحرم الخصم من الحضور ومناقشة القضية التي هو طرفا فيها وإبداء أوجه دفاعه بشأنها.
و النيابة العامة حرة في إبداء مطالبها، فهي لا تتقيد بملتمساتها، بحيث لها أن تعدل عما أبدته إذا تبين لها عدم صوابه، وهذا دعم لقاعدتي النيابة العامة خصم شريف في الدعوى وكذلك اللسان حر والقلم اسير، كما أن لها علاقة أيضا بقاعدة عدم مسؤولية ممثلي النيابة العامة، في هذا الصدد يمكن للنيابة العامة أن تطعن في حكم حتى إذا صدر فوق ملتمساتها، وهذا خلاف للمبدأ القائل: “لا يحق لأحد أن يطعن في حكم إذا لم يلحق به ضررا” وتقضي القاعدة الفقهية في هذا السياق أن الرجوع عن الخطأ خير من التمادي فيه، أو كما قال أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه في رسالة القضاء وجهها لأبي موسى الأشعري “…إن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل …”
وقد جاء في قرار لمحكمة التمييز السورية: أنه …” ولما كان من حق النيابة العامة أن تستأنف الحكم لخلل تراه، ولو جاء وفقا لطلباتها، إذ أنها لا تتقيد مطلقا بطلبها السابق، بل لها أن ترجع فيه إلى غيره إذا ما بدا لها وجود مصلحة قانونية في الرأي الثاني المعاكس”.
ويجب التمييز جيدا بين صفة عدم ارتباط النيابة العامة بمطالبها، وبين تنازلها عن الدعوى العمومية أو التصالح بشأنها، فإذا كان الصلح يتم في حدود خاصة وقبل إثارة المتابعة أو أثناء سير الدعوى العمومية في إطار المادة 372 ق.م.ج كما سنرى ذلك في معرض حديثنا عن بدائل المتابعة، فإن النيابة العامة لا تملك التنازل عن الدعوى خارج هذا الإطار الضيق، لأنها ليست ملكها وإنما هي ملك للمجتمع.
ويقول الدكتور محمد عياط في هذا الصدد، أن النيابة العامة طرف في الدعوى العمومية ولكنه مدع من نوع خاص، فهو من جهة لا يملك دعواه لأنها ملك للمجتمع ككل فلا يمكنه أن يعقد بشأنها مصالحة أو يتنازل عنها ولا أن يتنازل ولو ضمنيا عن استعمال طرق الطعن في الأحكام الصادرة بشأنها، ثم انه من جهة ثانية مدع له حقوق تتجاوز حقوق المدعي العادي (عدم المسؤولية) لأنه يمثل الأجهزة الإدارية الرسمية التي يفترض فيها أيضا أن تصون مصلحة المجتمع.
و تبدو النيابة العامة دائما كطرف أصلي رئيسي في القضايا الجنائية بحيث هي التي تثير الدعوة العمومية (المتابعة) وتتابع ممارستها بتقديم ملتمساتها وإبداء آرائها. وهذا على عكس دورها أمام القضاء المدني بحيث تكون في الغالب طرفا منضما هذا، إذا استثنائنا قضايا الأسرة بحيث أصبحت النيابة العامة طرفا رئيسيا فيها جميعها، وذلك طبقا للمادة 3 من مدونة الأسرة، وبالرغم من صفتها هاته فإن دليل وزارة العدل المتعلق بمدونة الأسرة لم يلزمها بحضور الجلسات.
واعتبارا لما سبق كان طبيعيا أن تتمتع مؤسسة النيابة العامة بمجموعة من الصلاحيات في عملها، وهو ما سنتطرق له عند الحديث عن سلطتها أثناء المتابعة.
المطلب الثاني : مؤسسة قاضي التحقيق:
إن قاضي التحقيق هو الساهر الأول على إنجاز التحقيق الإعدادي، فقد قال فيه الأستاذ بيي دوفي المحامي العام بمحكمة الاستئناف بالرباط في ندوة وزارة العدل المنعقدة بتاريخ 20 أبريل 1959 بان هذا الرجل الذي يملك سلطات واسعة ويتصرف في حرية المواطنين وشرفهم يباشر مهمته ضمن شبكة القوانين العسيرة حيث لا ينبغي له أن يستعمل عمله وخبرته، لكن في نهاية الأمر إنما هي صفته الأخلاقية وضميره وفضائله التي تكسب مهمته عظمتها الأخلاقية.
وحيث أن الفصل 6 من الظهير بمثابة قانون رقم 1-74-448 الصادر بتاريخ 11 رمضان 1394 موافق ل 28 شتنبر 1974 المتعلق بالإجراءات الانتقالية قد حصر القضاة المكلفين بالتحقيق في محاكم الاستئناف فإن المادة 52 من ق.م.ج الجديد قد أحدثت قضاء للتحقيق بالمحاكم الابتدائية إذ نصت على أنه “يعين القضاة المكلفون بالتحقيق في المحاكم الابتدائية من بين قضاة الحكم فيها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل بناءا على اقتراح من رئيس المحكمة الابتدائية”، يعين القضاة المكلفين بالتحقيق في محاكم الاستئناف من بين مستشاريها لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بقرار لوزير العدل بناءا على اقتراح من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف .
ويعتبر إبقاء القانون على هذه المؤسسة من المكتسبات بالنظر لما توفره من ضمانات قانونية للمتهم والمجتمع على حد سواء مما يعين على الوصول إلى الحقيقة في مجال لا يخلوا من التعقيد وهو المجال الجنائي الذي يهيمن عليه مبدأ حرية الإثبات والقناعة الوجدانية للقاضي الجنائي.
وبالرجوع إلى المادة 52 من قانون المسطرة الجنائية الجديد نستشف أن المشرع المغربي تبنى ثنائية التحقيق وذلك يجعل التحقيق على مستوى المحاكم الابتدائية بالإضافة إلى تواجده بمحاكم الاستئناف أسوة ببعض التشريعات المقارنة كالتشريع المصري الذي سبق له أن سلك هذا المنحنى وذلك من خلال المادة 64 من قانون الإجراءات الجنائية المصري التي نصت على أنه”إذا أرادت النيابة العامة في مواد الجنايات والجنح أن تحقيق الدعوى بمعرفة قاض التحقيق أكثر ملائمة بالنظر إلى ظروفها الخاصة جاز لها في أية حالة كانت عليها الدعوى أن تخابر رئيس المحكمة الابتدائية وهو يندب أحد قضاة المحكمة لمباشرة هدا التحقيق”.
إذا لقد تم إحداث هذه المؤسسة كسلطة تحقيق واتهام هنا، ولو أن البعض يرى أن قاضي التحقيق ينفرد بمهمة التحقيق من غير تحريك المتابعة (الدعوى العمومية) ولربما سندهم في ذلك هو المبدأ الذي يقضي بالفصل بين سلطات المتابعة الاتهام وسلطات التحقيق، لكن الحقيقة هو أن هذا الرأي يبقى محل نظر ذلك أنه إذا كان من الأمور المسلم بها هو اختلاف وظائف التحقيق والمتابعة والحكم، مما يحتم ضمان الاستقلال بين السلطات التي تضطلع بها الوظائف، فإن قاضي التحقيق هو أول المهتمين بها (التحقيق والاتهام) بحيث يحقق ولا يحيل الملف على محكمة الحكم إلا إذا قرر متابعة المتهمين، ونجد في هذا السياق مؤلفا صادرا عن وزارة العدل ذهب شراحه إلى القول” … فعهد (أي القانون) بالمتابعة إلى النيابة العامة من غير أن تنهض بأعباء التحقيق. ومنح لقاضي التحقيق وحدة الاختصاص للقيام بإجراءات التحقيق الإعدادي دون تحريك الدعوى العمومية” لكن هذا في الحقيقة يبقى كلاما نظريا أكثر منه عمليا، بحكم أن النيابة العامة لا تتابع في سائر الأحوال، بل تزاحمها في ذلك مختلف الجهات التي بيناها، ومن جهة أخرى فإن الملف عندما بحال من النيابة العامة مباشرة إلى المحكمة فإنها تكون قد تابعت، بل وهذه هي الحالة الوحيدة التي تعبر عن متابعة النيابة العامة.
أما من دون ذلك فإن النيابة العامة تكون قد أحالت القضية على قاضي التحقيق أو على قاضي الأحداث أو على المستشار المكلف بالأحداث (في حالة الجرائم المرتكبة من طرف حدث) … إلخ وليس لها في مثل هذه الأحوال إلا التماس ما تراه مناسبا مع عدم تقيد الجهات المذكورة بملتمسات النيابة العامة.
وبالتالي فإن قاضي التحقيق لا يستطيع أن يبادر إلى إجراء تحقيق من تلقاء نفسه، وعليه أن ينتظر حتى تكلفه النيابة العامة بذلك بواسطة ملتمس…” لكن هذا لا علاقة له بمتابعة النيابة العامة، فهي كل ما فعلته أنها أحالت الملف على التحقيق، ولم تسطر المتابعة قط، بحيث ملتمسها إلى قاضي التحقيق انصب على طلب القيام بعمليات التحقيق في النازلة، ولهذا الأخير قوله الفصل بعد ذلك في تقرير ما يراه ملائما مما يصدر أمره بعدم المتابعة، وإما يصدر أمره بالمتابعة (أمر الإحالة).
فمن المعلوم أن قاضي التحقيق يقوم بجميع الإجراءات والعمليات التي يراها مفيدة في الكشف عن الحقيقة، وقد خوله المشرع صلاحيات واسعة في هذا الباب لكن نظرا لكوننا سنتحدث عن هذه الصلاحيات في معرض حديثنا عن أمر الإحالة كصك للمتابعة، سنقتصر هنا على نقطتين لهما علاقة وطيدة بسلطة قاضي التحقيق في الاتهام والمتابعة وهما الأمر بالإحالة والأمر بعدم المتابعة، باعتبار قاضي التحقيق يتوفر على السلطة المطلقة في هذا المجال، ومن غير أن يتقيد بأية تعليمات أو قيود، فإنه حر في اتخاذ الأمر الذي يراه مناسبا بشأن انتهاء التحقيق.
أولا: أمر قاضي التحقيق بعدم المتابعة
تنص المادة 216 ق.م.ج على ما يلي: يصدر قاضي التحقيق أمرا بعدم المتابعة إذا نبين له أن الأفعال لا تخضع للقانون الجنائي أو لم تعد خاضعة له أو أنه ليست هناك أدلة كافية ضد المتهم أو أن الفاعل ظل مجهولا، يبث في نفس الوقت في شأن الأشياء المحجوزة. يصفي صوائر الدعوى، وإذا كان فيها طرف مدني يحكم عليه بالمصاريف كلا أو بعضا، غير أنه يملك إعفاء الطرف المدني إذا كان حسن النية من أداء هذه المصاريف بموجب مقرر خاص معلل ما لم يكن هو الذي أقام الدعوى العمومية .
يفرج حالا عن المتهمين المعتقلين، ما لم يكونوا معتقلين لسبب آخر رغم استئناف النيابة العامة. أمام الحرية في العمل، وسلطة الاختيار المخولة لقاضي التحقيق فهو يصدر أمرا بعدم المتابعة إذا لم يرى فائدة بعرض القضية على المحكمة بعد تمحيصه للأدلة والشبهات التي حامت حول ارتكاب الجريمة، وأمر قاضي التحقيق بعدم المتابعة قد ينبني على أسباب قانونية كما قد ينبني على أسباب واقعية، ومن أمثلة هذه الأسباب القانونية تقادم الواقعة الجرمية أو توافر سبب من أسباب التبرير، أو أن يرى قاضي التحقيق أن الفعل لا يشكل أية مخالفة للقانون الجنائي، أو أن الفصل الذي يتعلق بتلك المتابعة قد ألغي… إلخ، أما الأسباب فهي كثيرة أيضا وهي مثل عدم وجود أدلة إثبات أو عدم كفايتها أو بقاء المتهم مجهولا…إلخ.
فإذا بنى قاضي التحقيق أمره بعدم المتابعة على أساب قانونية، فمعنى ذلك أن القضية باتت في حكم العدم اللهم إذا تم هدا الأمر أمام الغرفة الجنحية وألغته بحيث لها أن تحيل القضية على محاكم الحكم، أما إذا بني أمر بعدم المتابعة على أسباب من الواقع فإنه لا مانع يمنع من إعادة التحقيق في القضية على إثر زوال العائق الذي تقررت عدم المتابعة على أساسه مثل ظهور أدلة جديدة، أو عثور الضابطة على الشخص الذي كان مجهولا.
– ويتميز أمر قاضي التحقيق بعدم المتابعة عن مقرر النيابة العامة بحفظ القضية في كونه ذو طبيعة قضائية بحيث يمكن استئنافه، كما أن القانون أوجب تسبيبه، ومن جهة أخرى فإن النيابة العامة تملك سلطة الملائمة في هذا الصدد بحيث يمكنها حفظ القضية حتى ولو توافرت أركان الجريمة كاملة مع أسباب إثباتها ونسبتها إلى المتهم وذلك كأن يكون الضرر تافها أما قاضي التحقيق فلا يملك هذه السلطة في التقدير.
كما أن المطالب بالحق المدني لا يملك حقا مطلقا في تحريك الدعوى العمومية بتقديمه مطالبه على إثر ظهور أدلة جديدة بعد صدور الأمر بعدم المتابعة بل أن ذلك رهين بتقدير النيابة العامة لملائمة المتابعة.
ثانيا: أمر قاضي التحقيق بالإحالة (المتابعة)
في الحالة التي يرجح فيها قاضي التحقيق أسباب الإدانة، يحيل الملف على المحكمة المختصة.
أ‌.قاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف:
تنص المادة 218 ق.م.ج على ما يلي ” إذا تبين لقاضي التحقيق لدى محكمة الاستئناف أن الأفعال تكون جناية، أصدر أمرا بإحالة المتهم على غرفة الجنايات”.
فقاضي التحقيق يصدر الأمر بالإحالة الذي يعد صكا للمتابعة، والذي لا يمكن أن يطعن فيه في هذه الحالة إلا بالنقض وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 524 ق.م.ج
ب‌.قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية
تنص المادة 217 ق.م.ج على ما يلي: ” إذا تبين لقاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية أن الأفعال تكون مخالفة، أحال الملف على النيابة العامة وأمر بوضع حد للوضع تحت المراقبة القضائية وبالإفراج عن المتهم المعتقل ما لم يكن معتقلا لسبب آخر.
إذا تعلق الأمر بجنحة أصدر قاضي التحقيق أمر بإحالة المتهم على المحكمة المختصة.

المبحث الثاني : دور النيابة العامة في تحريك وممارسة الدعوى العمومية ومدى ارتباطها بإجراءات التحقيق :
للنيابة العامة اختصاصات متنوعة وتتقارب إلى حد كبير مع اختصاصات قاضي التحقيق فالعلاقة بينهم جدلية أخد ورد فالنيابة العامة تقدم ملتمساتها إلى قاضي التحقيق وهدا الأخير إما يقبل أو يرفض كما تمارس النيابة العامة الدعوى العمومية فكيف تمارس النيابة هده الدعوى؟ وهل هذا التقارب في اختصاصاتها مع قاضي التحقيق يحد من صلاحيتها؟
المطلب الأول : إقامة الدعوى العمومية ومراقبة تسييرها وحالات الإحالة على التحقيق :
إن حق النيابة العامة بتحريك الدعوى العمومية يستوجب لقيامه وقوع الجريمة، وانعقاد الاختصاص للمحاكم الوطنية والتحريك هو الاختصاص الأساسي في عمل النيابة على اعتبار أنها ممثلة المجتمع أمام المحكمة الزجرية. ويقع على عاتقها مسؤولية الدفاع عن حقوقه لذلك هيأ لها المشرع المناخ الملائم للقيام به ودلك بجعل قضاة النيابة العامة بمنأى عن كل تجريح حتى لا يترددون في القيام بعملهم ولا يتوانوا في مكافحة الجريمة غير أن صلاحيتهم ليست مطلقة وترد عليها بعض القيود في أحوال معينة حددها القانون ، من دلك مثلا أنه في بعض الجرائم كالسرقة ضد الأصول والخيانة الزوجية وإهمال الأسرة لا يمكن فيها تحريك الدعوى العمومية إلا بناء على شكوى من المجني عليه.
ومن القيود أيضا ما ينص عليه الفصل 8 من القانون المنظم لمحكمة العدل الخاصة من أن تحريك الدعوى العمومية في الجرائم المرتكبة من طرف الموظفين العموميين التي تنظر في هده المحكمة لا يتم إلا بأمر كتابي من وزير العدل كذلك يتعر متابعة أي برلماني خلال انعقاد دورات مجلس النواب ما لم يتم الحصول على إذن من هدا المجلس اللهم إذا كان النائب قد جادل في النظام الملكي أو الدين الإسلامي أو ضبط متلبسا بارتكابه جريمة صار دلك حسبما ينص عليه الفصل 37 من الدستور المغربي كما أن إقامة الدعوى العمومية قد يتوقف على تقديم طلب من الجهة المختصة من دلك أن المتابعة في بعض الجرائم المرتكبة خرقا لقانون الجمارك لا تتم إلا بعد تقديم طلب بدلك من إدارة الجمارك وقد لا تتحرك الدعوى العمومية بداية من طرف النيابة العامة، ولكن من طرف أشخاص وجهات أخرى أعطاها القانون هدا الحق ومن دلك المطالب بالحق المدني الذي يتقدم بشكاية مباشرة إلى قاضي التحقيق أو المحكمة الجنحية متى توفرت الشروط القانونية في هده الشكاية. وكذلك المتابعة والحكم في جرائم الجلسات التي يخولها القانون لهيأت الحكم والمجلس الأعلى وتحريك الدعوى العمومية من طرف إدارة المياه والغابات في الجنح والمخالفات.
وينطلق التحقيق الإعدادي بإحدى الصورتين الأول هو الملتمس بإجراء التحقيق المقدم من النيابة العامة، والتاني الإدعاء المصحوب بالمطالب المدنية، المقدم من المتضرر من الجريمة.
ولا يجوز لقاضي التحقيق، أ، يقوم بالأعمال المنوطة به، إلا بتكليف من النيابة العامة أو بعد توصله بشكاية مصحوبة بالإدعاء المدني من المتضرر من الجريمة.
ويمكن توجيه الملتمس بإجراء التحقيق ضد شخص معلوم، أو ضد شخص مجهول وتختار النيابة العامة من يحقق إذا تعدد قضاة التحقيق في المحكمة الواحدة .
وتأكيدا للقاعدة القاضية بأن قاضي التحقيق، لا يجوز له أن يباشر التحقيق إلا بموجب ملتمس، فإنه إذا بلغت إلى عمله أعمال لم يشر إليها الملتمس بإجراء التحقيق ، وجب عليه أن يرفع حالا إلى النيابة العامة الشكايات والمحاضر التي تثبتها ودلك وفقا للمادة 84/4 من قانون المسطرة الجنائية ويجب أن يتقيد في حدود الوقائع المحالة عليه، والتي كاف بالتحقيق فيها، بحيث لا يجوز له أن يتجاوز له أن يتجاوزها، غير أنه بإمكانه توجيه الاتهام لأي شخص ودلك وفقا لمبدأ ” التحقيق عيني وليس شخصي ”
إن الملتمس بإجراء تحقيق، هو الصورة التي تجسد الإحالة من النيابة العامة، وهو شكل من أشكال تحريك الدعوى العمومية.
والملتمس بإجراء تحقيق على نوعين: أصلي وإضافي.
الملتمس الأصلي : يتخذ شكل صك مكتوب، يتضمن طلبا موجها من النيابة العامة إلى قاضي التحقيق، تلتمس من خلاله إجراء تحقيق ضد شخص معروف أو مجهول، في شأن وقائع محدودة منسوبة إلى هدا الشخص.
أما الملتمس الإضافي: هو الآخر صك مكتوب، تتدخل النيابة العامة عن طريقة، من أجل القيام بكل إجراء تراه مفيد الإظهار والحقيقة. ويجوز لها طلب الإطلاع على الإجراءات بشرط أن ترجع الملف من طرف لا يتعدى 24 ساعة.
وبالإضافة إلى الملتمس الأصلي والإضافي، هناك ملتمس تخلي القاضي التحقيق عن القضية ويتخذ شكل طلب معلل الانسياب، توجيهه النيابة العامة للغرفة الجنحية أو يوجهه المتهم أو المطالب بالحق المدني وتبت الغرفة الجنحية في 10 أيام ولا يقبل قرارها أي طعن.
كما أجاز المشرع لكل شخص ادعى أنه تضرر من الجريمة القابلة للتحقيق، أن ينصب نفسه مطالبا بالحق المدني، وقت تقديم شكاية إلى قاضي التحقيق المختص ويترتب عليها في حالة قبولها تحريك الدعوى العمومية والمدنية معا.
ويتعين على المطالب بالحق المدني أن يودعه المبلغ المالي الواجب كصائر الدعوى ما لم يكن مستفيدا من المساعدة القضائية، كما يتعين تحديد موطن بدائرة تقود المحكمة.
وبعد توصل قاضي التحقيق بالشكاية المصحوبة بالإدعاء المدني، يأمر بتبليغها للنيابة العامة لتقديم ملتمساتها، والأصل أن النيابة العامة ملزمة بمباشرة الدعوى العمومية في مثل هده الحالة، غير أنه يجوز لها أن تضمن ملتمساتها طلبا بعدم التحقيق، وذلك في الحالتين:
1-الحالة الأولى: إذ كانت الواقع المعروضة، لا تستوجب قانونا المتابعة لوجود أسباب تمنع إقامة الدعوى العمومية، كموت المتهم أو إبرام الصلح الذي يسمح به القانون.
2-الحالة الثانية: إذا كانت الوقائع لا تقبل أي تكييف جرم أو كانت الجريمة من النوع الذي لا يقبل التحقيق.
وقد سمح المشرع بتقديم المطالبة بالحق المدني في أي مرحلة من مراحل التحقيق ودلك بعد فتحه وكيفما كان نوع الجريمة المحالة على التحقيق.
و إذا كانت الشكاية المصحوبة بالإدعاء المدني مقام ضد قاضي أو موظف عمومي أو عون تابع للسلطة أو القوة العمومية، وظهر أن الدولة يمكن أن تتحمل المسؤولية المدنية من إجراء أعمال تابعها ، تعين على قاضي التحقيق إشعار الوكيل القضائي بالمملكة.
المطلب الثاني: علاقة النيابة العامة بقضاء التحقيق :
تنظم العلاقة ما بين النيابة العامة و قاضي التحقيق مجموعة من المقتضيات القانونية وذلك راجع للدور المهم الذي تقوم به خلال مرحلة التحقيق الإعدادي حيث تبقى على ارتباط مستمر بقاضي التحقيق الذي يقوم بإشعارها بمختلف القرارات التي يتخذها خلال سير أعمال التحقيق الإعدادي و هي من ناحيتها تبدي جميع الملتمسات التي من شأنها حسن سير التحقيق كما أن القانون خول لها الإطلاع على ملف التحقيق في جميع مراحل التحقيق إلى غاية انتهائه باتخاذ قاضي التحقيق القرار النهائي إما بإحالة المتهم على المحكمة المختصة أو بإصدار أمر بعدم المتابعة
و يتخذ قاضي النيابة العامة مجموعة من الإجراءات و القرارات ومن بينها تقديم ملتمس بإجراء تحقيق في النازلة حيث تكون هذه المطالبة إلزامية في الجنايات المعاقب عليها بالإعدام و السجن المؤبد و كذا الجنايات المقترفة من طرف الأحداث و كون للنيابة العامة الاختيار في طلب التحقيق في الجرائم الغير معاقب عليها بالعقوبات السابقة فان أرادت طالبت به فيها و إلا أحالته على غرفة الجنايات و من أمثلة ذلك الحالة التي تكون فيها آجال الحراسة النظرية قد انتهت في حق المبحوث معهم و يتبين لقاضي النيابة العامة أن من شان إجراء التحقيق في القضية الكشف عن جناة آخرين متورطين في جرائم مرتبطة بوقائع القضية أو لا يمكن فصلها عنها غير إن هذا التمديد يجب إن يكون معللا باسباب. وهذا ما دهبت اليه محكمة الاستئناف بفاس حيث اقرت انه بامكان النيابة العامة إن تمنح اذنا بتمديد فترة الحراسة النظرية بموجب مقرر معلل الاسباب و كذا في الجنايات التي يكون عدد المتهمين فيها كبيرا و تكون وقائعها متعددة ومتشابكة حيث يكون لقاضي التحقيق متسع من الوقت في التحقيق الإعدادي الشيء الذي لا يتوفر لقاضي النيابة العامة أتناء استنطاقه للمتهمين و نفس الشيء بالنسبة للحالة التي يتبين فيها لقاضي النيابة العامة أن حالة المتهم تقتضي إجراء خبرة عليه كما لو لاحظ عليه معالم إصابته بخلل ذهني و غير ذلك من الحالات وهذه المطالبة يكون غير ملزم بتبريرها .
كما يمكن أن تتقدم بملتمس لإجراء تحقيق إضافي إذا أشعرها قاضي التحقيق بأفعال أغفلتها في المطالبة الأصلية أو في الحالات التي يضاف فيها متهمون جدد كانوا في حالة فرار أو كشف عنهم أتناء سريان التحقيق الإعدادي و لهم صلة بالقضية المحقق فيها أو في حالة ما إذا ظهرت أدلة جديدة في الموضوع أي الجريمة أو الجرائم لا يمكن فصلها عن القضية الرئيسية أو ذا ارتباط وثيق بها
كما يمكن أن تقدم الملتمسات الإضافية في الأحوال التي تحرك فيها الدعوى العمومية بصفة استثنائية مثل حالة التزوير في دمغات الذهب .
و يشمل ملتمس المطالبة بإجراء التحقيق مجموعة من البيانات الأساسية سواء كان أصليا أو إضافيا أهمها الإشارة صراحة إلى أنها مطالبة بإجراء التحقيق و كذا الإشارة لصفة قاضي النيابة العامة و المحكمة التي يباشر فيها مهامه و الهوية الكاملة للمتهم و ملخص للوقائع و تحديد الأفعال التي تنسبها للنيابة العامة للمتهم و فصولها القانونية و طلب التحقيق فيها بصفة قانونية و اتخاذ القرار المناسب .
و إذا كانت بالمحكمة عدة غرف للتحقيق فعلى النيابة العامة أن تحدد في ملتمسها الغرفة المطلوب منها إجراء التحقيق في القضية و هذا ما تنص عليه المادة 90 من ق.م. ج.
كما يمكن لكل من النيابة العامة و قاضي التحقيق الامر بالتقاط المكالمات و الاتصالات المنجزة عن بعد اذ سمحت بذلك المادة 108 و ما بعدها من م ج لهتين الجهتين القضائيتين القيام بذلك حيث حددت الاطار التي تامر فيه النيابة العامة بالتقاط المكالمات و ذلك اما عن طريق ملتمس يقدمه الوكيل العام للملك للرئيس الاول لمحكمة الاستئناف أو بامر تلقائي عند توفر حالة الا ستعجال و التي حصرها بجرائم محددة كما هو وارد بالمادة 108 من ق م ج و يشعر فورا الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف الذي يصدر خلال اجل 24 ساعة مقررا بان يبقيه أو يلغي الامر الصادر عن النيابة العامة و هذا ما سار عليه المجلس الاعلى حينما ذهب إن المادة 108 خولت لقاضي التحقيق اصدار الامر بالتقاط المكالمات الهاتفية دونما حاجة الى ملتمس الوكيل العام للملك بشانها و دون التقيد بانواع الجرائم المنصوص عليها في المادة المدكورة ما دامت قد تثبت له حالة الضرورة انطلاقا من وقائع و ظروف القضية و الطريقة التي ارتكبت بها الافعال موضوع التحقيق اما بالنسبة لقاضي التحقيق فلم يقيد المشرع سلطته باي قيد لا من حيث الجريمة و لا ظروفها و انما كلما اقتضت ضرورة البحث ذلك
كما يمكن للنيابة العامة التخلي عن النازلة لقاضي التحقيق المختص محليا إذا تعلق بجناية متلبس بها حيث يقوم قاضي التحقيق بكل أعمال ضباط الشرطة القضائية حيث أعطى قانون المسطرة الجنائية الجديد خاصة المادة 75 منه الحق لقاضي التحقيق إذا كان حاضرا بمكان وقوع الجريمة المتلبس بها في أن يتخلى له الوكيل العام للملك أو وكيل الملك أو ضباط الشرطة القضائية بقوة القانون عن عملية البحث إلا أن المادة 84 من ق م ج ورد فيها أن قاضي التحقيق لا يستطيع إجراء تحقيق إلا بعد أن يتلقى من النيابة العامة ملتمسا بإجراء التحقيق و لو كان قاضي التحقيق يقوم بالمهام المخولة له في حالة التلبس .
و يكون قاضي التحقيق ملزم بإرسال المحضر والمستندات المتعلقة بالجريمة المتلبس بها إلى النيابة العامة و التي يمكن لرئيسها أن يلتمس في مكان الجريمة من قاضي التحقيق المختص إجراء تحقيق في القضية و الذي يعد شروعا في التحقيق لان المشرع اعتبر أعمال البحث في حالة التلبس من إجراءات التحقيق و نفس الشيء بالنسبة لحالة الوفاة المريبة أو المشكوك فيها.
كما قد يتبين للنيابة العامة إن شكاية المطالب بالحق المدني مستوفية لشروطها القانونية فتلتمس إجراء تحقيق فيها و يمكن أن تطالب بالعكس و ذلك برفض إجراء التحقيق كما لو كانت الأفعال المطالب التحقيق فيها لا تتصف على فرض ثبوتها بصفة جنائية أو غير مجرمة أو طالها التقادم و إذا رفض قاضي التحقيق معارضة النيابة العامة في شكاية المطالب بالحق المدني بمقتضى أمر معلل يتعين عليه أن يبلغ هذا الأمر إليها حتى يتسنى لها عند الاقتضاء استئنافه أمام الغرفة الجنحية داخل اجل 3 أيام من هذا التبليغ و يجب أن يبلغ هذا الرفض في نفس اليوم الذي صدر أما إذا كان المطالب بالحق المدني تقدم بشكاية أمام قاضي التحقيق و تكون هذه الشكاية غير معللة تعليلا كافيا أو تعززها أدلة غير كافية لنسبة التهمة للمشتكي به تقوم النيابة بالمطالبة بفتح تحقيق مؤقت و بناءا على هذا التحقيق يمكن للنيابة العامة تقديم ملتمس كتابي بإجراء تحقيق رسمي ضد أي شخص تبين لها تورطه في القضية وفق المادة 93 من ق م ج .
و تقوم النيابة العامة أيضا بالحضور مع قاضي التحقيق في التفتيش المجرى خارج الساعات القانونية أي التفتيش الاستثنائي و الذي لا يحق إلا لقاضي التحقيق القيام به وذلك في الحالات الإستعجالية و اشترط للقيام به حضور وكيل للنيابة العامة أو من يقوم مقامه من قضاتها و إلا اعتبر تفتيشا غير قانوني و حضور النيابة العامة في شخص الوكيل هو من الضمانات الممنوحة للشخص المراد تفتيش منزله و تقوم النيابة العامة أيضا بإبداء رأيها فيما يتعلق بطلب استرجاع المحجوز و ذلك داخل 3 أيام من تاريخ التبليغ و إذا اصدر قاضي التحقيق أمرا مخالفا لملتمسها أما مثلا لاستعمال المحجوز في جريمة أو يعتبر دليلا يمكن للنيابة العامة استئنافه أمام الغرفة الجنحية في اليوم الموالي لصدوره .
كما تلتمس النيابة العامة من قاضي التحقيق إحضار شاهد أمامه لتغريمه و ذلك إذا ما توصل الشاهد باستدعائين وتخلف عن الحضور أمامه دون عذر غير أنها يمكن أن تطالب بإعفائه من التغريم إذا برر عدم حضوره .
و إذا كانت الأفعال المنسوبة للمتهم تمثل جناية أو جنحة معاقب عليها بعقوبة سالبة للحرية و كان في حالة فرار يقوم قاضي التحقيق باستشارة النيابة العامة قبل اتخاذ أمر بإلقاء القبض و التي غالبا ما توافق على ذلك.
و قد تطلب النيابة العامة من قاضي التحقيق الإفراج عن المتهم في حالات معينة كالظروف الاجتماعية للمتهم و حالته الصحية أو قد تطلب العكس في حالة ما إذا قد تم هذا الطلب من طرف المتهم أو قاضي التحقيق مخالفا كما لو خشية فرار المتهم أو حماية له.
و إذا صدر قرار قاضي التحقيق مخالفا لما طلبته النيابة العامة يمكنها استئنافه أمام الغرفة الجنحية كما يمكن للنيابة العامة استئناف أمر قاضي التحقيق بشان عدم اختصاصه بالنظر في قضية ما
و تتقدم النيابة العامة كذلك بملتمس ختامي بعد توصلها بملف النازلة مرفوقا بقرار قاضي التحقيق بشان انتهاء التحقيق و ذلك داخل اجل 8 أيام ابتدءا من يوم تبليغها و يتضمن الإشارة إلى رقم ملف القضية و كون المتقدم به هو السيد الوكيل العام للملك و يشار فيه إلى المطالبة الأولية بإجراء تحقيق في القضية و تاريخها و أسماء المتهمين و الأفعال المنسوبة إليهم و فصولها القانونية و ملخص للوقائع كما تم تدوينها في محضر الضابطة القضائية و كذا الإشارة إلى مختلف المراحل التي مر بها التحقيق الإعدادي و تدلي النيابة العامة في الأخير بمستنتجاتها التي تبدي فيها رأيها النهائي بشان الجرائم المحقق فيها إذا تبين لها ثبوت الجريمة في حق المتهم طالبت بإحالته على غرفة الجنايات لكي تحاكمهم طبقا للقانون و يشار في الأخير إلى قاضي النيابة العامة الذي حرر الملتمس الختامي و توقيعه و توقيع الوكيل العام للملك و طابع النيابة العامة و التاريخ الذي أنجز فيه .
و في بعض الأحوال قد تطالب النيابة العامة بإعادة التحقيق و ذلك في حالات معينة كما لو ظهرت أدلة جديدة ضد المتهم الذي انتهى التحقيق معه إلى انه لا مبرر لمتابعته كشهادة الشهود و الوثائق و يبقى من حق النيابة العامة استئناف جميع أوامر قاضي التحقيق إذا صدر مخالفة لملتمساتها .

الخـاتمــة:
و في الختام نستشف من خلال تحليلنا لهذا الموضوع مجموعة من التناقضات و الإشكالات التي تطرحها الممارسة العملية للمتابعة الزجرية و هذه العملية التي تتداخل فيها اختصاصات كل من النيابة العامة و قضاء التحقيق فحاولنا أن نبين هذه النقاط قدر المستطاع مع أمل أن نكون قد أحطنا إلى حد ما بالموضوع من شتى الجوانب و استطعنا تسليط الضوء على جل الإشكالات التي يبرزها هذا الطرح.

إعداد:ذ/رشيد إدريسي

الرجوع الى أعلى الصفحة

مشاركة