الرئيسية آراء وأقلام ظاهرة المواسم بالمغرب،اقليم الخميسات نموذجا

ظاهرة المواسم بالمغرب،اقليم الخميسات نموذجا

20180505 114632.jpg
كتبه كتب في 7 مايو، 2018 - 12:24 مساءً

29497545 276109792931562 5435977060998709248 n 1

ما إن يقترب الصيف حتى تنطلق القوافل والمواسم حول الأضرحة والزوايا،فلا يمكن أن تمر من إقليم بالمغرب دون أن تعيش على إيقاع مواسم تنظم موسميا إما للذكرى أو للتقرب من الوالي الصالح والسعي نحو بركته.

والمغرب من أكثر الدول العربية والإسلامية احتضاناً للزوايا والأضرحة والمزارات، حيث تكاد لا تخلو قرية أو مدينة من ضريح أو مزار، حتى سمي ببلد الألف ولي. وللزوايا والأضرحة بالمغرب حضورها وأهميتها داخل نسيج المجتمع وحياته، وخصوصاً أن لها جذوراً ضاربة في عمق تاريخه الديني والسياسي منذ الأدارسة الى اليوم، حيث ارتبطت من جهة بالنسب الشريف أو الانتساب لآل البيت وروجت للأيديولوجية الشريفية. كما ارتبطت من جهة أخرى بالتصوف الذي اتخذ أشكالاً متعددة تراوحت بين التصوف الفردي الذي يمثله مزار الضريح، والتصوف المؤسساتي الذي تدخل في إطاره الزاوية التي لعبت أدواراً مهمة في تاريخ المغرب السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وخاصة في فترة ما قبل وأثناء الاستعمار، حيث كانت الزاوية بمثابة سلطة محلية قائمة بذاتها، يساندها أعيان القبيلة وسكانها، وتمكنت من أن تفرض نفسها على “المخزن” (الدولة المركزية) كقوة حقيقية. كما لعبت دور إطعام وتغذية المحتاجين أيام المجاعات، وإيواء الفقراء خصوصاً في فترات الأزمات والحروب. واعتمدت في ذلك على أملاكها الخاصة، بالإضافة إلى تلقيها الهبات والهدايا المتواصلة أو ما يعرف بالزيارة.

وبعد أن تم الاستغناء عن البعض من هذه المواسم لسبب من الأسباب في السنوات الفارطة، نجدها تعود وبقوة، والسبب يرجع بالأساس حسب المهتمين بهذا الموضوع الى كون هذه الزوايا والأضرحة التي تقام حولها المواسم تمثل التعويض الروحي والمادي التي تقدمه  للأغلبية الساحقة من المغاربة؛ والقرويين منهم على الخصوص التي تصبو وتتطلع إلى تحقيق مبتغى الحج ولا تصل إليه بسبب محدودية قدراتها المالية، فإنها تكتفي بزيارة الأضرحة وإكرانها والاحتفال بها، هذه الزيارات التي تعد في بعض المناطق بمثابة حج مصغر ذي قيمة محلية أو وطنية تعادل قيمة الحج إلى مكة بالنسبة لغير ذوي الاستطاعة. كما أن الأضرحة تعتبر نواة مركزية داخل المجتمع، ومهدئ يسكّن آلام مجتمع يتخبط في المعاناة والتناقضات، فما تقدمه الدولة هو تدعيم لشبكة المعتقدات الدينية. وما عسانا أن نقول؛ كيف سنقوم بنقد أفكار ومعتقدات الشريحة التي تتردد وتعتقد في الأولياء والأضرحة، ونصنفها في طور دائرة التخلف طالما الدولة هي القدوة والمثال للمجتمع والجهاز الأمثل، صاحبة القرارات والفكر تدعم الأضرحة وتأطرها بعدة آليات للسماح بالوجود والاستمرارية.

وتذهب أغلب الدراسات في الموضوع أن الداعي الى هذه المواسم التي تقام حول الزوايا والأضرحة ليس روحي محض، بل هناك دوافع سياسية، تسعى الدولة من وراءها الى تكريس قيم تراها تنقص مع الثورة التكنولوجية والعولمة،فوجود هذا العرف يمثل استمرارية لسياسة معينة تمارس بمعزل عن الرقابة الروحية، وتخدم في عمقها أغراض ، الغالبية العظمى من حجاج هذه الأضرحة لا يعلمون مصدرها أوغاياتها.فكل ما يهمهم هو التبرك من الوالي الصالح وقضاء فترات سعيدة مع ممارسة طقوس معينة تعتبر طبيب روحي للممارس في مثل هذه المناسبات.

وبإقليم الخميسات،الذي أكيد لن يكون الاستثناء، تنتشر المواسم في بداية الصيف وتستمر الى غاية بداية الشتاء،تسخر لها كل الامكانيات المادية،وحتى الاعلامية للأسف الشديد،بل تتحول الأضرحة بالاقليم الى محج للزوار ومكان للاحتفال والأكل وأشياء أخرى لصيقة بهذه المناسبات،ويعتقد الزوار أن احتفالهم بهذا الشكل إنما هو تلبية لطلب الشريف ” مول الضريح” واعترافا له بحبهم وإخلاصهم له سنويا، ووسيلة للتقرب اليه والتودد له،لأنه والي صالح كل دعواته مستجابة عند الله.

ومن أهم المواسم المعروفة بالاقليم هناك موسم “مولاي ابراهيم” و”ايت يادين”و أيت عبو، وسيدي الغندور، وأيت واحي، سيدي علال البحراوي، عين الجوهرة،…حيث تخصص لها ميزانية ضخمة،تستهلك في الاحتفال وضيافة المسؤولين،وتهيئة فضاء الاحتفال وأشياء أخرى.

فتتحول المدن بالاقليم الى أشباح أيام تنظيم المواسم،التي غالبا ما تصادف عطل نهاية الأسبوع،فلن ترى إلا وسائل نقل سرية تشتغل أمام الملأ، وعلى مثنها العشرات من السكان متجهين صوب مكان الاحتفال،محملين بالأفرشة والملابس وحتى المؤن ،فتتحول الساحات المجاورة للضريح الى فضاءات للتجارة وعرض السلع والفلكلور المحلي وعروض للفروسية وأحيانا مكان للتعارف والزواج.

وعن هذا الموضوع استقينا بعض الشهادات من حجاج هذه الأضرحة، فهذا اسماعيل، شاب متزوج ويقطن ضواحي الخميسات، سألناه عن الموسم فقال ” الموسم ضروري يكون، حيث خلاواه لينا جدودنا،وميمكنش نفرطو فيه،فيه كنحتفلو ونبيعو ونشريو ونتفرجو في الخيل، ونديرو صلة الرحم مع مناطق أخرى من الاقليم” وأضافت رقية وهي خياطة من أصول بدوية” الموسم هو الوحيد اللي عندنا حنا، حنا مكنمشيو للبحر ما كنسافرو، من العام للعام كنمشيو ليه كنبنيو الخزانة ديالنا ونحتافلو العائلة كاملة، منها كنفوجو ومنها كنديرو صلة الرحيم”.

فحسب هذه الشهادات وأخرى تحمل نفس الاجابة، فالموسم يبقى مكان للترويح عن النفس والاحتفال ومكان للسياحة وصلة الرحم والتعارف، فلم يذكر أحد زيارة الضريح أو التبرك به إلا قلة قليلة. وهذا بالطبع تحول في عمق الموضوع، وهو ما جعل العديد من الهتمين يعتبرون أن الظاهرة في عمقها قد اختفت ، لكن بقيت ظواهر أخرى تولدت عن الظاهرة الأولى، وهي الاحتفالية والتجارة وصلة الرحم وحتى الزواج.

أما من الناحية السياسية، فالدولة تراهن على هذه المواسم للحفاظ على شروط استمرار الفكر العتيق، الذي يروم توفير نوع الثقة ما بين المواطن والمخزن، أي أن الأضرحة والزوايا تلعب دور الوساطة ما بين الدولة والمواطن بشكل يضمن الاستمرارية للأولى والمتعة والمغفرة للثاني.

فحتى ولو صرح الكثير من المهتمين بتخلف تفكير الدولة، فالواقع يظهر للعيان أن المسألة باتت أمر واقع يتقبله المواطن كسلوك يومي لا يمكن التخلي عنه،وهذا يظهر من خلال الاستعدادات التي يقوم بها المواطنون قبيل تنظيم هذه المواسم،وحتى الدعاية الاعلامية التي تواكب هذه الظواهر التي تحولت الى قطب استقطاب شعبي وحتى دولي في بعض المناطق.

فالظاهرة بإقليم الخميسات، تحولت الى قاعدة لا يمكن الاجتهاد حولها،وحتى السلطات بالاقليم تساهم بدورها في تكريس هذه العادات،والغاية دائما هي الحفاظ على آليات تراثية مغلفة بمطالب سياسية على مستوى المركز، هذا في الوقت الذي تطالب فيه بعض الإطارات وجمعيات المجتمع المدني بمراجعة هذا المنطق الذي يكرس التخلف ويعرقل التنمية  ويؤخر تطور المغرب على كل المستويات.فعوض تبديد أموال عمومية في مثل هذه التظاهرات ،كان الأجدى أن يتم صرفها في فتح ممرات طرقية وبناء مدارس ومراكز صحية في جماعات ترابية تعاني ساكنتها الاقصاء والتهميش والفقر، ناهيك عن الفوضى التي قد تعرفها بعض المواسم تنتهي في نهاية المطاف بجرائم المواطن والاقليم في غنى عنها.

 

 

مشاركة