بقلم : عبد القادر السباعي
صوت العدالة
رحل منذ سنوات عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة عن عمر ناهز الثمانين عاما، لكن الرجل رحل جسدا وترك لنا فكره ينبض بالحياة. المهدي المنجرة عاش ما يكفي من الزمن ليدرك ويفهم الاجابة عن السؤال،المغرب الى اين.. ؟ معتمدا على مؤشرات علمية، فربط بين ما هو اقتصادي واجتماعي ثم ما هو سياسي مرتبط بالنخب، الرجل .. تنبأ بما سيحدث بعد 30 سنة، كما تشهد بذلك دراساته المعتمدة لدى العديد من المؤسسات الحكومية و المنظمات و كذا المعاهد الدولية، وقد تحقق تنبؤه العلمي، القائم على قواعد علم المستقبليات ومبادئه. حيث ظل المنجرة في حياته يردد دائما، أن هامش الخطأ عنده عموما لا يتجاوز خمسةفي المئة، ليشهد التاريخ انه واحد من أقطاب علم المستقبليات عبر العالم. فهل كان محقا بخصوص المغرب.. ؟
الاكيد، ان المغرب وكباقي البلدان النامية ،قد مر بمرحلة التقليد بعد الاستقلال مباشرة ، حيث سيحاول تقليد تجارب بلدان لبلوغ نتائج اقتصادية وسياسية معينة. و قد تم اعتماد هذا المسار كما يقول المهدي المنجرة عن حسن نية استنادا الى درجة من الوعي في المجتمع. هذا المعطى تغير مع الزمن.. اذ يبدو أن المغرب حاليا في حاجة ماسة، بل وأكثر من أي وقت مضى، إلى احداث نموذج مختلف كليا عن النماذج التقليدية القائمة على التقليد واعادة بناء تجارب الاخرين، انه النموذج المؤسس على عوامل داخلية، انطلاقا من معطيات وقيم اجتماعية وثقافية خاصة مبنية على التركيز والاستجابة لحاجيات المجتمع، افرادا وجماعات .. فهل هذا حدث بالفعل؟
في نظر الدكتور المهدي المنجرة، والتي رسمها منذ سنوات خلت، فمغرب الغد سيولي أهمية أكبر لمفهوم العدالة الاجتماعية فيما يخص توزيع الثروات المادية و غير المادية ..دون التمييز او اعتبار التموقع الطبقي أو الانتماء الاجتماعي.. يقول المهدي المنجرة بأن الجيل الذي سيتحمل المسؤولية غدا بالمغرب، سيكون جيلا منفتحا وأقل إحساسا بالنقص مقارنة بالأجيال السابقة له التي تلت مرحلة الاستقلال..لاسيما و أنه سيكون مضطرا للاعتماد على الذات، و سيتوفر على ثقة أكبر في المحدد الثقافي و الاجتماعي، فهو بذلك الجيل المتعلم ذو الكفاءة و المعرفة العالية، أنه مغرب الغد الحافل بالاطر والكفاءات… فهل هذا حدث؟!!.
يؤكد المهدي المنجرة في كتاباته انه خلال سنة 2020 يبلغ عدد سكان المغرب رقما يناهز 45 مليون نسمة، مشيرا ان متوسط الاعمار سيتراوح بين 70و 65 سنة، مما سيحدث تغييرا كبيرا على مستوى الهرم الديموغرافي، بل والرجل قدم وصفا دقيقا فاشار ان أكثر من 50 في المائة من الساكنة ستكون من الشباب اقل من 25 سنة. معطى حاسم اشار اليه وحذر منه في نفس الوقت ، فهو يراه عاملا أساسيا لا مناص من أخذه بعين الاعتبار لتهييء ما يستلزمها استعدادا لمغرب للغد اليافع الشاب، فهل هذا حدث؟!!.
الاكتفاء الذاتي.. في نظر المهدي المنجرة فمغرب 2020 قادر على تحقيق 90 في المائة من الاكتفاء الذاتي الغذائي، مما سيجعل البلاد والعباد في مأمن، وسيجعلها ممسكة بزمام الامور في قضايا التنمية. خاصة وانه انذاك سينصب الاهتمام على تقليص معدلات الأمية إلى حدود 25 في المائة، محققا قفزة نوعية وكمية في ان واحد.. في خطوة لخلق توازن بين العالمين المنفصلين مجاليا والترابطين اجتماعيا.. القروي والحضري، مع التركيز اكثر على العالم القروي.. فهل هذا حدث؟!!
في نظر المهدي المنجرة.. مغرب 2020 سيكون قطيعة مع مسلسل الماضي.. سيستفيذ جل سكان المعمور من الماء الصالح للشرب تكرييا لمبدأ العدالة الاجتماعية و تأكيدا علي كرامة الإنسان باعتبارها من الأولويات. انه مغرب العدالة الاجتماعية وتسجيع الكفاءات الشابة ،واشاعة روح التنافسية بما يضمن تحقيق ذات الفرد، حيث اشار الى اننا تأخرنا بشكل ملحوظ عن مسار سيرورة تطور البحث العلمي على الصعيد العالمي، ويرى ان ما يزيد الطين بلة تذمر الباحثين المغاربة فيما يخص التعامل مع ميدان البحث العلمي بالمغرب من طرف القائمين من لهم سلطة والوصاية على القطاع.. إذن هناك تأخر بفعل درجة السرعة التي يسير بها العالم في هذا المجال، مما يطرح ضرورة التعامل مع اشكال التعليم بحنكة واسناد الامور الى اهلها لان هذا القطاع هو صمام الامان .. فهل هذا حدث؟!!
الفرصة التاريخية.. نشير ان المنجرة قد تحدث عن التغيير الذي طرحناه منذ ازيد من عقد من الزمن.. وتنبه الى المعيقات وادرج حلولا مقترحة ،وبادر الى اعطاء نماذج كانت الى غهد قريب تعيش تحت وطأة مخلفات الاستعمار لكنها تجاوزت الازمة بفعل النوايا الحسنة للنخب والسياسيين .. يقول ان لم يتحقق هذا الامر فأنذاك نكون قد فتحنا باب تهجير الشباب والكفاءات من ابناء هذا الوطن نحو الخارج.. فهل هذا حدث ؟!!!
