روابط الفرد بالدولة..

نشر في: آخر تحديث:

الدولة كموضوع لعلم السياسة له عدة تعريفات والتي تميل في الغالب إلى أن الدولة هي شكل من أشكال التنظيم الاجتماعي القائم على أساس وجود مجموعة بشرية (الشعب) متواجدة ومستقرة فوق بقعة جغرافية سياسية محدودة تسمى الإقليم تتوفر على نظام وسلطة يخضع لها الجميع (السلطة السياسية).
لا يتصور وجود دولة دون وجود مجموعة من البشر فوق ذلك الجزء من الأرض الذي تقطنه هذه المجموعة. لكن ما نوع العلاقة بين المكونات الثلاثة للدولة؟
للشعب مفهومان، المفهوم الاجتماعي والمفهوم السياسي.
ويعني مفهوم الشعب السياسي: الأفراد الذين يتمتعون بحق ممارسة الحقوق السياسية.
أما مفهوم الشعب الاجتماعي فيقصد بـه : كافة الأفراد الذين يقيمون على إقليم الدولة، وينتمون إليها، ويتمتعون بجنسيتها.
إذن فالجنسية هي علاقة قانونية ورابطة اجتماعية وسياسية بين الفرد والدولة ، يترتب عنها بعض الإلتزمات على الدولة في مواجهة الفرد الحامل لجنسيتها تكون في صورة حقوق سياسية ومدنية كما يترتب عنها التزامات تتمثل بواجبات قانونية مثل دفع الضرائب.
وتعتبر الجنسية من أهم المواضيع المكونة للقانون الدولي الخاص، ويترتب على اكتساب الجنسية تحديد انتماء الفرد السياسي والاجتماعي للدولة التي يحمل جنسيتها، وبالتالي يمكن التمييز بين مواطني الدولة وبين الأجانب فيها، وفقا للجنسية التي يحملونها، وبالتالي يمكن تحديد الحقوق والواجبات الوطنية التي يتمتع بها المواطن ويتميز بها عن الأجنبي، كما أن الجنسية تمثل ضابطا عمليا لتحديد القانون الذي يحكم المسائل المتعلقة بالشخص، ولهذا كانت الجنسية من المسائل المهمة التي تعتمد عليها الدولة في استمرارها ووجوده.
صحيح أن الدولة صاحبة الحق المنشئ للجنسية، وهي وحدها التي تنظم أحكامها بما ينسجم ومصالحها العليا، إلا انه لا يمكن تصور إنسان بلا جنسية وبالتالي بلا حقوق مدنية وسياسية، ولهذا ولاعتبارات إنسانية، ولتجسيد المصلحة العامة للمجتمع الدولي، فقد تم الاعتراف بحق كل إنسان بأن يتمتع بجنسية دولة ما وذلك بالنص في معاهدة جنيف عام 1930 على هذا الحق، ثم مبدأ حرية الدولة في إسناد الجنسية أي أنه يحق لكل دولة، بواسطة تشريعها أن تعين من هم مواطنوها ومن هم الأجانب، وذلك من خلال تنظيم الجنسية، وهذا ما أقرته المادة الأولى من اتفاقية لاهاي 1930 بشأن بعض المسائل المتعلقة بتنازع القوانين حول الجنسية. وكذلك في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948؛ الذي اعتبر هذا الحق واحدا من الحقوق الأساسية للإنسان؛ فقد نصت الفقرة الأولى من المادة 15 منه أن ” لكل إنسان الحق في أن يكون له جنسية” ولتأمين ذلك فقد أقر المجتمع الدولي أنه
لكل فرد الحق في أن يكون له جنسية منذ الولادة وحتى وفاته باعتبار أن الجنسية حق ملازم للشخصية القانونية التي تبدأ بالولادة وتنتهي بالوفاة. و عدم جواز نزع الجنسية عن الشخص تعسفا . أما بالنسبة للمعاهدات الدولية المبرمة بشأن توحيد قواعد القانون الدولي الخاص، فقد أكدت اتفاقية لاهاي في ديباجتها الأولى على “أن من المصلحة العامة للجماعة الدولية العمل على تسليم كافة أعضائها بأن لكل فرد يجب أن تكون له جنسية وألا تكون له إلا جنسية واحدة، وان المثل الأعلى الذي يجب أن تتجه إليه الإنسانية في هذا الخصوص هو القضاء على حالات انعدام الجنسية وتعددها.
وطبقا لهذه المعايير فإن قانون الجنسية بالمغرب لم يمنح الدولة حق تجريد أي مواطن مغربي من جنسيته إلا في ثلاثة حالات حسب الفصل 22 من القسم الثاني المتعلق بالتجريد من الجنسية من الباب الرابع من قانون الجنسية المغربية” كل شخص اكتسب الجنسية المغربية يمكن أن يجرد منها
أولا؛ إذا صدر عليه الحكم من اجل اعتداء أو اهانة نحو الملك أو أعضاء الأسرة المالكة، أو من أجل عمل يعد جناية أو جنحة تمس بسلامة الدولة الداخلية أو الخارجية، أو من أجل عمل يعد جناية ترتبت عنها عقوبة تزيد على خمس سنوات سجنا.
ثانيا؛ إذا تهرب من القيام بواجباته العسكرية.
ثالثا؛ إذا قام لفائدة دولة أجنبية بأفعال تتنافى مع صفته المغربية أو تمس بمصالح المغرب.
و لا يترتب التجريد من الجنسية عن الأعمال المشار إليها أعلاه و المؤاخذ بها المعني بالأمر إلا إذا وقع القيام بها ضمن أجل عشر سنين اعتبارا من تاريخ اكتسابه الجنسية المغربية و لا يمكن أن يعلن عن التجريد من الجنسية إلا ضمن أجل خمس سنين اعتبارا من تاريخ القيام بتلك الأعمال.
مقابل إمكانية التخلي عنها في حالات محددة على سبيل الحصر، ذكرت في الفصل 19 من قانون الجنسية المغربي الذي ينص ، على أنه يفقد الجنسية المغربية كل من
أولا؛ المغربي الرشيد الذي يكتسب عن طواعية في الخارج جنسية أجنبية والمأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية
ثانيا؛ المغربي- ولو كان قاصرا- الذي له جنسية أجنبية أصلية و المأذون له بموجب مرسوم في التخلي عن الجنسية المغربية
ثالثا؛ المرأة المغربية التي تتزوج من رجل أجنبي و تكتسب من جراء زواجها جنسية زوجها و المأذون لها في التخلي عن الجنسية المغربية بموجب مرسوم يصدر قبل عقد الزواج
رابعا؛ المغربي الذي يعلن عن تخليه عن الجنسية المغربية في الحالة المنصوص عليها في الفصل 18 من هذا القانون ” ويسوغ أن تمنح وثيقة التجنيس الجنسية المغربية لأبناء الأجنبي المتجنس القاصرين الغير المتزوجين غير أن الأولاد القاصرين الذين كانوا يبلغون 16 سنة على الأقل في تاريخ تجنيسهم يجوز لهم أن يتخلوا عن الجنسية المغربية بين السنة الثامنة عشر و الحادية و العشرين من عمرهم”
خامسا؛ المغربي الذي يشغل وظيفة في مصلحة عمومية لدولة أجنبية أو في جيش أجنبي و يحتفظ بها أكثر من ستة أشهر بعد ما تنذره الحكومة المغربية للتنازل عنها.
الجنسية باعتبارها مؤسسة قانونية تمتاز بخاصيتين أساسيتين، يمكن حصر الأولى في كون أنها صفة تندمج في ذات الفرد الذي يتمتع بها؛ ما يعني أن الشخص الذي يحصل على جنسية الدولة التي ينتمي إليها، كجنسية أصلية أو مكتسبة، يصبح متمتعا بهذه الجنسية، باعتبارها صفة تندمج في ذاته، بصفة مطلقة، بحيث لا يمكن لأحدهما رفع هذه الصفة عن الآخر، إلا بنص في القانون، وهذا ما يفسر بأنها تنتقل من السلف إلى الخلف وذلك رغما عن الدولة والفرد معا لتلازمها من حيث الوجود والعدم، ويفهم من هذه الميزة أن الجنسية هي صفة فردية تخص الشخص الذي يتمتع بها فقط وذلك انطلاقا من شخصيته القانونية التي تخول له هذه الجنسية كفرد وليس كجماعة، وهذا ما توضحه الفصول المتعلقة بالآثار المترتبة عن اكتساب الجنسية بحكم القانون أو التجنيس، وذلك لأن هذه الفصول توضح بان الفرد في حالة تمتعه بهذه الجنسية لا يستفيد منها، إلا بصفته فردا، لا بصفته جمعا، لأنه هو وحده الذي يتمتع بالشخصية القانونية، ومن ثم فإن قواعد قانون الجنسية تخاطبه بهذه الصفة سواء تعلق الأمر بسحب وثيقة هذه الجنسية أو استرجاعها أو التخلي عنها، أو التجريد منها إلا ما قرره بنص خاص.
ويمكن حصر ثانيها في كون أنها أداة توزيع الأفراد بين الدول أي أن الجنسية لا ترتبط بالأمة كظاهرة اجتماعية وإنما ترتبط بالدولة كظاهرة سياسية وهذا يعني أمرين أساسين
ويفيد بأن الدولة لا يمكن أن تقوم بتنظيم الجنسية، إلا إذا كانت تتمتع بالشخصية القانونية الدولية وأن تنظيم الجنسية، إذا كان يرتبط بسيادة الدولة التي لها وحدها حق هذا التنظيم فان هذه السيادة، لا ينحصر نطاقها في الإقليم فقط وإنما يمتد إلى خارج الإقليم، وذلك من خلال أفرادها الذين لا يخضعون إلا إلى قانون الدولة التي يتمتعون بجنسيتها باعتباره مظهرا من مظاهر سيادة هذه الدولة، أو من خلال بعض الأشياء المادية التي تتجسد فيها هذه السيادة كالسفن والطائرات .
ينصرف مفهوم المصلحة الوطنية إلى كل ما يتعلق بالأمن والاقتصاد والتكاثر الطبيعي للسكان، فلا يمكن للدولة أن تسمح عند تنظيم جنسيتها بالتمتع بهذه الجنسية لأشخاص ممن هم يشكلون خطرا على مصالحها العليا.
لقد اعتبر القضاء المغربي أن “الجنسية مظهر من مظاهر السيادة الدولية، وأن تصريح القضاء بانتساب شخص ما إلى جنسية بلد أخر، يكون مساسا بسيادة ذلك البلد الذي يختص وحده بالاعتراف بجنسيته لذلك الشخص أو إنكارها عليه ومن جهة أخرى أن الدولة أصبحت في الوقت الحاضر، تهتم بتنظيم جميع أحكام قواعد القانون سواء كانت خاصة أو عامة، ولذلك فليس هناك ما يمنع من انفراد الدولة بتنظيم هذه الأحكام، في نطاق قواعد الجنسية كرابطة قانونية، سياسية و مظهرا من مظاهر سيادة الدولة وبالتالي فإن الجنسية ذات طبيعة مزدوجة وذلك من حيث اعتبارها رابطة عقدية وقانونية في نفس الوقت. فهي رابطة عقدية، لأن الفرد في بعض الحالات هو الذي يعرض على الدولة إيجابه باكتساب جنسيتها أو التخلي عنها وهي رابطة قانونية، لأن الدولة وحدها هي التي تتكفل بتنظيم الأحكام المتعلقة بها، سواء في حالة إسنادها كجنسية أصلية أو في حالة سحبها، أو منعها أو استرجاعها كجنسية مكتسبة.
الفرد في الأول والأخير هو إنسان؛ والإنسان لا يمكنه في أي حال من الأحوال أن يعيش إلا في ظل مجتمع، و الفرد هو نواة المجتمع، و الدولة تديره وترعى مصالحه وتنميها وتذود عنها، ومفهوم الدولة يختلف عن وكلاء الدولة. فالدولة تعني مؤسسات الدولة التي تدير شؤون المجتمع والأفراد؛ والحكومة هي التنظيم الذي أوكل بإدارة مؤسسات وأجهزة الدولة الرسمية. والدولة لا تدير نفسها من أجل نفسها ولنفسها، فهي أساس الضبط والعناية والتنظيم، إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن استمراريته؛ ما يحتم وجود رابط قوي بين الفرد والدولة لا يقتصر على المصلحة.

الحفيرة يوسف.
طالب باحث في ماستر التواصل السياسي.

اقرأ أيضاً: