بقلم:عبد السلام اسريفي
تثير التصرفات الأخيرة الصادرة عن بعض الجهات التونسية تجاه المواطنين المغاربة علامات استفهام كبرى، وتضع العلاقات المغربية–التونسية أمام اختبار غير مسبوق من النضج والمسؤولية. فمشاهد التضييق التي رواها عدد من المسافرين المغاربة في مطار قرطاج الدولي ليست مجرد وقائع معزولة أو أخطاء إدارية، بل مؤشرات مقلقة على تراجع منسوب الاحترام المتبادل بين بلدين جمعتهما عبر التاريخ وشائج الأخوة والعروبة والدين.
المفارقة المؤلمة أن هذه الممارسات تأتي في وقت يحتاج فيه الفضاء المغاربي إلى رص الصفوف وتجاوز الخلافات لمواجهة التحديات المشتركة، لا إلى إذكاء التوترات وخلق الحساسيات. تونس التي طالما اعتُبرت بلد الانفتاح والحكمة، تبدو اليوم وكأنها تغامر برصيدها الرمزي لدى المغاربة عبر قرارات وسلوكيات يصعب فهم منطلقاتها أو تبريرها.
وليس خافياً أن العلاقات بين الرباط وتونس شهدت في السنوات الأخيرة سلسلة من الإشارات الملتبسة، بدءاً من الموقف الغامض من قضية الصحراء المغربية، مروراً بقرار وقف تصدير التمور نحو المغرب، وصولاً إلى ما يحدث اليوم من إجراءات تمس كرامة المواطن المغربي. هذه الوقائع، وإن بدت منفصلة في ظاهرها، إلا أنها ترسم صورة لنهج سياسي جديد في تونس يتعامل ببرود مع المغرب ويغفل عمق الروابط التاريخية والوجدانية بين الشعبين.
ومع ذلك، فإن المغرب اختار كعادته ضبط النفس، مؤمناً بأن العلاقات بين الدول لا تُبنى على الانفعالات، بل على الرؤية الاستراتيجية والاحترام المتبادل. فالمغرب، بثقله الإقليمي والدولي، ليس في موقع الرد الانفعالي، لكنه في الوقت ذاته لن يقبل المساس بكرامة مواطنيه أو الإساءة إلى صورته لدى أشقائه.
لقد آن الأوان لأن تُراجع تونس بوصلتها السياسية تجاه الرباط، فالأخوة لا تُقاس بالشعارات، بل تُترجم في المواقف والسلوك. والمغاربة، الذين احتضنوا على الدوام أشقاءهم التونسيين بمحبة واحترام، ينتظرون من تونس موقفاً ناضجاً وشجاعاً يُعيد الأمور إلى نصابها، ويُحصّن العلاقات من أي منزلق قد يهدد وحدة الصف المغاربي التي طالما حلمت بها شعوب المنطقة.

