الرئيسية آراء وأقلام دعوى إيقاف تحصيل الديون الضريبيةبين النص القانوني والعمل القضائي بالمغرب. 

دعوى إيقاف تحصيل الديون الضريبيةبين النص القانوني والعمل القضائي بالمغرب. 

IMG 20250209 WA0069
كتبه كتب في 9 فبراير، 2025 - 11:49 مساءً

عبد العزيز موهيب / دكتور في الحقوق /أستاذ زائر بكلية الحقوق بسطات
 
  إن الإيرادات الضريبية تشكل مصدرا هاما من مصادر الموارد المالية للدولة، عمل المشرع على تنظيمها بشكل يضمن  حسن سير عملية تحصيلها وضخها بالخزينة العامة للملكة، كما متع إدارة الضرائب بالعديد من الحقوق والضمانات القانونية باعتبارها جهازا مكلفا بتأسيس وتحصيل هذه الموارد وخولها مجموعة من الامتيازات القانونية، فإلى جانب كونها تتمتع بسلطة الشخص العام، فهي تتوفر على العديد من الميكانزيمات القانونية التي تساعدها على القيام بدورها على الوجه المطلوب منها قاعدة الأداء الفوري للدين الضريبي وعدم التراجع بشأن ذلك، ولو كان هذا الدين محل مطالبة أو منازعة قضائية، غير أن  التطبيق الحرفي والصارم لهذه القاعدة قد يضر بمصالح الملزم المدين في بعض الحالات، وخاصة في الحالات التي تكون فيها حقوق الملزم مهددة بسبب التنفيذ الجبري المعجل، مما دفع  المشرع إلى إدخال نوع من التعديل على القاعدة العامة، فسمح برفع المطالبة النزاعية أمام القضاء المختص لإيقاف  تنفيذ الديون العمومية  شرطة توفر الشروط القانونية، كضمانة هامة من الضمانات القانونية الممنوحة للملزم من أجل تحقيق عدالة جبائية تحافظ على الموارد الضريبية من جهة وحتى لا  تضييع حقوق الملزم.
Article Summary:
 Tax revenues constitute an important source of financial resources for the state. The legislator has worked to organize them in a way that ensures the smooth running of the collection process and their injection into the Kingdom’s public treasury. He has also granted the Tax Administration many legal rights, guarantees as an agency charged with establishing and collecting these resources, and has granted it a set of legal privileges. In addition to having the authority of a public person, it has many legal mechanisms that help it perform its role in the manner required of it, based on the principle of immediate payment of the tax debt and not backing down from that, even if this debt is the subject of a claim or legal dispute. However, the literal and strict application of this rule may harm the interests of the obligated debtor in some cases, especially in cases where the obligated debtor’s rights are threatened by urgent compulsory execution, which prompted the legislator to introduce a type of amendment to the general rule. It allowed the filing of a dispute claim before the competent court to stop the implementation of public debts, provided that the legal conditions are met, as an important guarantee of the legal guarantees granted to the obligated party in order to achieve tax justice that preserves tax resources on the one hand and so as not to waste the obligated party’s rights.
 
  من المسلم به أن الضريبة تشكل أهم صور المساهمة في تحمل الأعباء والتكاليف العامة، وأداة فعالة في النهوض بالجانب السوسيو اقتصادي لكل بلد، حيث تسهم الإيرادات الجبائية في حسن تدبير الشؤون السياسية للدول على اختلاف مستويات نموها وتقدمها، لذلك اهتم المشرع المغربي بتأطيرها على غرار مجموعة من التشريعات المقارنة، وقد خول للإدارة الضريبية، كجهاز إداري مسؤول عن تطبيق السياسة الجبائية أمر فرضها وتحصيلها، وسن لها قواعد إجرائية، تقنن مجال تدخلها للمحافظة على هذه الموارد مزودة في ذلك بسلطات الشخص العام لتنظيم هذا القطاع وضبط مختلف  الوقائع المنشئة للضرائب، وفي مقابل ذلك نص على مجموعة من الضمانات القانونية لحماية الملزم من كل تعسف أو شطط  قد ترتكبه الإدارة الجبائية في حقه، غير أنه وبالنظر للتدخل المستمر لها في إطار ممارسة المهام المنوطة بها قانونا، وبالنظر أيضا للعديد من العوامل الموضوعية أهمها كثرة النصوص القانونية وتعقيدها وصعوبة تفسيرها وتطبيقها وتشعب الإحالات الواردة بهذه النصوص، فقد تتسبب هذه العوامل مجتمعة في نشوب منازعات بين الطرفين،  ولتسويتها أوجد المشرع المغربي مجموعة من الوسائل على المستوى الإداري، حيث أعطى الفرصة للملزم في طلب تصحيح الأخطاء والتجاوزات التي قد تقع فيها الإدارة باللجوء إلى الطعن الإداري، لحل الخلاف الذي بينه وبينها، كما فتح باب القضاء أمام الطرفين في الحالة التي تفشل فيها  الاليات الإدارية في تسوية المنازعات بينهما[1].

      وحرصا منه على حسن سير عملية تحصيل الديون الضريبية[2] وحماية الموارد المالية للدولة باعتبارها ديونا عمومية تخلدت بذمة الملزم المدين، أحاطها المشرع المغربي بالعديد من الحقوق والضمانات القانونية من أهمها قاعدة الأداء الفوري للدين الضريبي وعدم التراجع بشأن ذلك، ولو كان هذا الدين محل مطالبة أو منازعة قضائية[3]،

حيث نصت المادة 117 من م ت د ع على أنه بصرف النظر عن أي مطالبة أو دعوى، ينبغي على المدنيين أن يؤدوا ما بذمتهم من ضرائب ورسوم وديون أخرى، طبقا للشروط المحددة في هذا القانون، غير أنه وبغض النظر عن أهمية هذه القاعدة لما لها من طابع حمائي، ودور فعال في الحفاظ على الموارد العامة للدولة وذلك بقطع الطريق أمام جميع الحيل الهادفة للتملص من أداء الضريبة، تبقى قاعدة قابلة للنقاش كما تبقى ضرورة إدخال بعض التعديلات أو الاستثناءات عليها مسألة ملحة سيما وأن التمسك  بحرفية هذه القاعدة  قد يجهز على الكثير من الحقوق التي أقرها المشرع لفائدة الملزم في حالات معينة ، وهو الأمر الذي حدا به إلى إدخال بعض الاستثناءات على المبدإ العام حتى يتماشى وطبيعة المنازعات في المادة الجبائية، وما تتميز به من خصوصيات، فأجاز بذلك للمدين الذي ينازع  كلا أو بعضا في المبالغ المطالب بها، أن يوقف الجزء المتنازع فيه ، شريطة أن يكون قد رفع مطالبته داخل الآجال المنصوص عليها في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل[4]، وأن يكون قد كون ضمانات من شأنها أن تؤمن تحصيل الديون المتنازع فيها[5]، وبذلك يكون المشرع قد  لطف من مبدإ الأداء الفوري للدين الضريبي وعدم التراجع بشأنه من خلال النص على إمكانية سلوك مسطرة إيقاف التنفيذ المؤقت  التي تباشر أمام القضاء الاستعجالي بالمحاكم الإدارية إلى حين البث في جوهر النزاع، وأهمية مسطرة الإيقاف تبرز بشكل أساسي من حيث كونها  تحمي الملزم المدين من التنفيذ الفوري على ممتلكاته وما يترتب على ذلك من أضرار بليغة بها، كما تضمن نوعا من الاستقرار النفسي والمادي للمنفذ عليه من خلال إصلاح ما يمكن أن يتسرب لمسطرة المتابعة والتحصيل من أخطاء[6].   
   إن معالجة موضوع إيقاف متابعة إجراءات التحصيل الجبري للديون الضريبية تستمد أهميتها من الموضوع ذاته حيث يطرح العديد من الإشكالات الميدانية بين الإدارة كجهاز مكلف بتأسيس الضريبة وتحصيلها وبين الملزم الذي يحاول الدفاع بقوة على حقوقه المالية، مما نجد معه أنفسنا ملزمين بالإجابة على إشكالية مركزية هي:
  إلى أي حد استطاع المشرع المغربي وضع الإطار القانوني لتدخل قاضي المستعجلات في مسطرة إيقاف متابعة إجراءات التنفيذ الجبري للديون الضريبية بهدف تحقيق الحماية السريعة للمراكز القانونية لأطراف النزاع؟
وهي إشكالية تفرعت عنها العديد من الأسئلة الجزئية من قبيل:
·       هل يمكن حماية حقوق أطراف النزاع في إيقاف متابعة إجراءات التنفيذ الجبري للديون الضريبية من خلال اللجوء إلى قضاء الموضوع؟
·       هل يمكن الحديث عن وجود نصوص قانونية صريحة تخول الاختصاص للقضاء الاستعجالي في مسطرة إيقاف متابعة إجراءات التنفيذ الجبري للديون الضريبية؟
·       ألا ينتج عن إيقاف تنفيذ الدين الضريبي إفراغ الأحكام القضائية بهذا الشأن من محتواها؟
للإجابة على الإشكالية المحورية وما تفرع عنها من أسئلة جزئية نرى تقسيم الموضوع إلى محورين إثنين نتناول في أولهما شروط تدخل قاضي المستعجلات في مسطرة وقف تنفيذ الدين الضريبي، ونخصص المحور الثاني للحديث عن خصائص دعوى إيقاف التنفيذ الجبري للدين الضريبي أمام القضاء الاستعجالي.  
 المحور الأول: شروط تدخل قاضي المستعجلات في مسطرة وقف تنفيذ الدين الضريبي
       أغفل المشرع المغربي التعريف بالقضاء الاستعجالي مكتفيا بتحديد اختصاصاته وخصائصه وذلك في القسم الرابع من قانون المسطرة المدنية المتعلق بمسطرة القضاء الاستعجالي بمقتضى الفصول من 149إلى 154 ق. م. م  بإسهاب ، مقارنة بالقضاء الاستعجالي في المادة الإدارية، الذي خصه بمادة واحدة فقط وهي المادة 27 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية، وكذلك  نفس الشيء فيما يخص القانون12.81 المحدث لمحاكم الاستئناف الإدارية من خلال المادة السادسة، فهو قضاء استثنائي يختلف عن قضاء الموضوع في كونه لا يفصل في جوهر المنازعة، وإنما يعالج قضايا وقتية وتحفظية، ترتبط بمال الملزم أو حريته، ونظرا كذلك لطبيعة الطلبات الموجهة إلى المحاكم في هذا الصدد[7] ، لكن الفقه  تدارك هذا الفراغ  محددا المقصود به حيث اعتبره البعض” القضاء المختص بالفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق، وإنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين”.[8] أو بكل ببساطة هو القضاء الذي يتخذ “إجراءات استثنائية سريعة ومختصرة تسمح للأطراف بالحصول على قرار قضائي وقتي يكون معجل التنفيذ يصدره قاض فرد يسمى قاضي الأمور المستعجلة من شأن تأخره في البت أن يلحق أضرارا محققة، لكن دون أن يمس بموضوع النزاع “[9].
 وهو بذلك فرع متميز ومستقل عن العمل القضائي العادي وعن التنفيذ القضائي، يمتاز بمسطرته المختصرة وطابعه والاستثنائي كما يتميز بمصاريفه القليلة .[10]
 إن منطلق القضاء الاستعجالي هو الحفاظ على الحقوق، وذلك بإسعاف الأطراف بأحكام سريعة في المنازعات التي قد لا تحتمل التأخير في الفصل فيها إذا ما تم تطبيق القواعد والإجراءات العادية، بحيث يخشى عليها من فوات الأوان بهدف تحقيق الحماية السريعة للمراكز القانونية للأطراف، إذ ينظر القاضي في الطلبات المستعجلة المقدمة إليه، ويبحث في مدى توفر الشروط المطلوبة فيها، ويتثبت من وجودها وهو في ذلك مقيد بألا يمس جوهر الحق المتنازع فيه، وإنما يقتصر على ظاهره، وبذلك تتميز مسطرة المنازعات في المادة الضريبية بالسرعة والطابع الوقتي، وفق مسطرة مختصرة واستثنائية وسريعة، فإلى جانب الشروط الأساسية المطلوبة في الدعوى الاستعجالية، والمنصوص عليها ضمن القواعد العامة، كعنصر الاستعجال وجدية الطلب الذي يستهدف موضوعه الحكم في إجراء وقتي، والمحدد زمانا ومكانا ولا يمس جوهر هذا الحق لابد من توافر شروط أخرى لقبول هذه الدعوى والمتمثلة في ضرورة، سلوك الملزم الراغب في تقديم الطعن مسطرة التظلم الإداري أولا، فلا تقبل المنازعة المرفوعة رأسا إلى القضاء.
  ومن جهة أخرى يقصد بمسطرة التحصيل  مجموع العمليات والإجراءات التي تهدف إلى حمل مديني الدولة والجماعات المحلية وهيأتها والمؤسسات العمومية على تسديد ما بذمتهم من ديون بمقتضى القوانين والأنظمة الجاري بها العمل، أو ناتجة عن أحكام وقرارات القضاء أوعن الاتفاقات[11]، أما مسطرة وقف أداء الدين الضريبي فهي تلك المسطرة الإدارية التي تباشر أمام القابض والتي بمقتضاها يطلب المدين من الجهة الإدارية المختصة أن توقف إجراءات المتابعة إلى حين البت في شكايته المتعلقة بالدين موضوع الطلب،  شريطة أن يكون قد رفع مطالبته داخل الآجال المنصوص عليها قانونا مع تقديم الضمانة الكفيلة بأداء الدين الضريبي المنصوص عليها في المادتين 117 و 118 من مدونة تحصيل الديون العمومية ضمن الباب السابع منها تحت عنوان المطالبات[12].
   وقد حددت مدونة تحصيل الديون العمومية الحالات التي يمكن للمدين موضوع أي إجراء من إجراءات التحصيل الجبري أن يتعرض على  تحصيل تلك الديون[13]، كعدم قانونية الإجراء المتخذ من حيث الشكل أو عدم اعتبار أداءات يكون قد  قام بها المدين[14]  وعلى المستوى العملي تحصل العديد من المشاكل التي تترتب عنها صعوبات قانونية في التنفيذ، كأن تخرق الإدارة المكلفة بتحصيل الدين الضريبي بعض القواعد الشكلية،  فتباشر مثلا  إجراءات تنفيذ وتحصيل الديون الضريبية  دون احترام تسلسل الإجراءات وتراتبيتها بغض النظر عن مراعاة القواعد المسطرية، من ذلك اللجوء إلى مسطرة التحصيل الجبري قبل مباشرة إجراءات  التحصيل الرضائي من تبليغ المعني بالأمر وإنذاره بأداء ما بذمته عن طواعية.
كما بين الجهة التي ينبغي للمدين تقديم هذه الطلبات أمامها وذلك تحت طائلة عدم القبول حيث نصت المادة 120 منها على ما يلي: “ترفع المطالبات المتعلقة بإجراءات التحصيل الجبري تحت طائلة عدم القبول، إلى رئيس الإدارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل المعني أو إلى من يمثله” كما حددت نفس المادة الاجل القانوني الذي ترفع فيه هذه المطالبات وهو ستين يوما الموالي لتاريخ تبليغ الإجراء مدعمة بجميع المستندات التي تثبت تكوين الضمانات طبق للقانون.[15]    
   وفي حالة المطالبة بالأثاث وغيره من المنقولات المحجوزة، أو في حالة طلب فصل أشياء غير قابلة للحجز، يجب على المطالب أن يوجه مذكرة إلى رئيس الادارة التي ينتمي إليها المحاسب المكلف بالتحصيل أو إلى من يمثله، مدعمة بجميع الحجج اللازمة، وذلك بالبريد المضمون مع إشعار بالتوصل.  
   عند عدم الرد داخل أجل ستين يوما (60) ابتداء من تاريخ التوصل بالمذكرة المشار إليها أعلاه، يمكن للملتمس أن يرفع دعوى أمام المحكمة الإدارية.  
   يجب أن ترفع الدعوى أمام القاضي، تحت طائلة عدم القبول، داخل أجل ثلاثين يوما (30) الموالي لتاريخ تبليغ قرار الادارة أو انقضاء أجل الرد الممنوح لها يمكن إيقاف تنفيذ بيع الاشياء المطالب بها إلى حين البت النهائي في المطالبة أو طلب الفصل[16].
   وتعتبر المطالبة بإيقاف التحصيل كالمنازعات الضريبية ذات خصوصيات منها عدم قبول الطلبات التي ترفع رأسا إلى المحكمة الإدارية، إذ لابد من المرور عبر المرحلة الإدارية تحت طائلة عدم القبول، وهنا نتساءل عن السند القانوني الذي يخول للقضاء الاستعجالي النظر في دعاوى إيقاف تنفيذ الأحكام الرامية إلى تحصيل الدين الضريبي؟
  ويستند  القضاء الاستعجالي  للنظر في المنازعة الضريبية على مقتضيات المادة 19 من قانون 90-41 التي لم تحدد بشكل دقيق حالات اختصاص القضاء الاستعجالي، وجاءت بصيغة عامة تفيد شمول اختصاص القاضي الاستعجالي لكل الإجراءات التي تتصف بطابع التوقيت وليس لها مساس بالجوهر، خلافا لمقتضيات الفصل 149 من ق. م.م الذي عدد حالات اختصاص قاضي المستعجلات، قبل أن يورد لفظا عاما هو عبارة ” أو أي إجراء آخر تحفظي”، والحالات التي أوردها ق.م.م المغربي هي الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية إضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل148 من ق. م. م خاصة إثبات حال[17].
فصياغة المادة 19 من قانون 90.41 التي تفيد العموم تسمح بإدخال جميع الطلبات المتعلقة بالضرائب ما دامت هاته الطلبات تتسم بطابع التوقيت والتحفظ، سواء تعلقت بالإنذار القانوني أو مسطرة الحجز أو مسطرة البيع، ومنه ولمقاربة تدخل القضاء الاستعجالي في النزاع الضريبي يتطلب استحضار الشروط المحددة لاختصاص القاضي الاستعجالي ثم مظاهر تدخله في المادة الضريبية[18].
   والواقع أن غياب النص القانوني الصريح  الذي يعطي الشرعية القانونية لاختصاص قاضي الأمور المستعجلة بالنظر في إيقاف تنفيذ تحصيل الدين الضريبي، كمسطرة استثنائية  طرح جملة من الإشكالات العملية، وأنتج العديد من التأويلات للنصوص القانونية، كما فتح باب الاجتهاد أمام القاضي الإداري، الذي أصبح  يرى أن في القواعد العامة للمنازعات الاستعجالية، ما يسمح له بالتدخل لإيقاف تنفيذ الدين الضريبي[19]، كما نتج عن غموض النصوص القانونية إشكالات عملية تستدعي اجتهاد كل من القضاء الإداري وإدارة الضرائب مع ما يتبع ذلك من إصدار دوريات تخدم مصلحة هذه الأخيرة وتدخلها بالتالي في نزاع مستمر مع الخاضع للضريبة.
   إنه وأمام ضرورة تدخل القضاء الاستعجالي في مسطرة إيقاف تنفيذ الديون الضريبية لما توفره من حماية قانونية لفائدة الملزم والحيلولة دون إلحاق الضرر بأمواله، وفي غياب نصوص قانونية خاصة وصريحة تمنح القاضي الاستعجالي حق النظر في الطلبات التي ترمي إلى إيقاف تنفيذ الديون الضريبية، التجأ القضاء الاستعجالي للبحث في القواعد العامة علها تسعفه في قبول مثل هذه المطالبات التي تنازع في إيقاف مسطرة التنفيذ على ديون الملزم المدين.
  غير أنه لكي ينعقد الاختصاص للقضاء الاستعجالي في إيقاف تنفيذ الدين الضريبي، كمسطرة استثنائية، يحتاج الأمر توفر مجموعة من الشروط الشكلية، التي تتصل بكيفية تقديم الدعوى ومسطرة سلوكها وكذا صفات أطراف المنازعة الجبائية (أولا). كما يشترط بعض القواعد الموضوعية منها ضرورة توفر عنصر الاستعجال الذي يخول للقاضي شرعية النظر في النازلة المعروضة أمامه للفصل فيها، كما يمنع عليه أن يمس أصل النزاع، ويشترط في موضوع المنازعة أن يتسم بالجدية الكافية لتدخل القضاء الاستعجالي، وقد استقر الاجتهاد القضائي المغربي على ضرورة توفر هذه القواعد الجوهرية (ثانيا)، والتي تتعلق بالنظام العام بحيث لا يمكن الاتفاق على تجاوزها، وسوف نفصل في هذين النوعين من الشروط على الشكل التالي:  
أولا: الشروط الشكلية:
        تتميز إجراءات الدعوى أمام القضاء الاستعجالي بالتشريع المغربي عن  الإجراءات المسطرية أمام  القضاء العادي بمجموعة من الخصائص ترتبط أساسا بطبيعته الاستعجالية التي تهدف الفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق، والمحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين، فخلاف قضاء الموضوع الذي  يتطلب جملة من الشروط الشكلية لقبول الدعوى، حيث يتقدم المدعي أو وكيله بمقال مكتوب موقع عليه أو بتصريح يدلى به المدعي شخصيا ويحرر به أحد أعوان كتابـة الضبط المحلفين محضرا يوقع من طرف المدعي أو يشار في المحضر إلى أنه لا يمكن له التوقيع، وتقيد القضايا في سجل معد لذلك حسب الترتيب التسلسلي لتلقيها وتاريخها مع بيان أسماء الأطراف وكذا تاريخ الاستدعاء، تم بعد تقييد المقال مباشرة يعين رئيس المحكمة بحسب الأحوال قاضيا مقررا أو قاضيا مكلفا بالقضية،[20] مع أداء الرسوم القانونية وما يتبع ذلك من ضرورة تحديد تاريخ الجلسة واستدعاء الأطراف طبقا للفصول 37، 38 و39 من ق.م.م، وباقي الإجراءات المسطرية التي تسلكها المحكمة  للفصل في الدعوى وهي إجراءات بقدر ماهي ضرورية لنظاميتها بقدر ما تكون معقدة تستغرق وقتا طويلا ، فإن العكس يبقى صحيحا حيث  فرض الطابع الاستعجالي  على  المشرع التزام المرونة انسجاما مع حالات الاستعجال التي تطبع هذا النوع من القضايا ، حيث منح مشرع المسطرة المدنية بموجب الفصل  150  من ق.م.م  للمعني بالأمر إمكانية تقديم  دعواه أمام قاضي المستعجلات في سائر الأيام ولو في أيام العطل الأسبوعية أو العطل الرسمية وقبل تسجيل  الدعوى بكتابة الضبط و أداء الرسوم القضائية  المتعلقة بها، وقد تقدم الدعوى الاستعجالية إن اقتضى الحال في حالة الاستعجال القصوى في بيت الرئيس[21]، وفي هذه الحالة يعمل الرئيس على استدعاء كاتب الضبط لمنزله[22] للبت في القضية على أن تؤدى الرسوم القضائية فيما بعد[23]، وبعد تقديم المقال يعين رئيس المحكمة المختص القضية في إحدى الجلسات ويستدعي لها الأطراف بالطرق العادية المنصوص عليها في الفصول القانونية المشار إليها أعلاه( 37 و 38 و 39 من ق.م. م ) وتبقى السلطة التقديرية في تحديد توفر حالة الاستعجال القصوى من عدمه لرئيس المحكمة الابتدائية الإدارية أو الرئيس الأول بمحكمة الاستئناف الإدارية بحسب الأحوال، وهكذا يعالج  القضاء الاستعجالي الأمور التي تحتاج إلى بث سريع والتي لا تسمح به الاجراءات العادية للدعوى التي تتسم بالبطء وتعقد الإجراءات المسطرية مما قد يفوت على المعني بالأمر حماية الحق موضوع الدعوى.
ثانيا: الشروط الموضوعية:
  لكي ينعقد الاختصاص للقضاء الاستعجالي بالنظر في المنازعات الجبائية بصفة عامة ومنها بطبيعة الحال دعوى إيقاف إجراءات تنفيذ الدين الضريبي إلى حين البث في جوهر المنازعة المرفوعة أمام قضاء الموضوع، لابد أن تتوفر هذه الدعوى على شروط ثلاثة حددها قانون المسطرة المدنية بموجب الفصول 149-152-436 وهي:
-الشرط الذي يقضي بضرورة توفر عنصر الاستعجال
      يمكن تعريف الاستعجال على أنه” ذلك الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه والذي يلزم وقفه بسرعة ولا يكون عادة في القضاء العادي ولو قصرت مواعيده”.
   وبخلاف المشرع المغربي الذي لم يعرف بعنصر الاستعجال واكتفى بتأطيره قانونا، نجد بعض الأنظمة القانونية المقارنة قد أعطت تعريفا له كما هو الشأن بالنسبة لقانون المرافعات المصري في المادة 45 منه التي جاء فيها ما يلي:” يندب في مقر المحكمة الابتدائية قاضي من قضاء الأمور المستعجلة ليحكم بصفة مؤقتة ومع عدم المساس بالحق في المسائل المستعجلة التي يخشى عليها من فوات الوقت”، ولا يكون عنصر الاستعجال متوفرا إلا باستجماع بعض الشروط منها:
ü    أن يكون ثمة خطر حقيقي يهدد حقا مشروعا جديرا بالحماية السريعة، وبمفهوم المخالفة إذا لم يرق السبب إلى درجة الخطورة فإن الاختصاص لا ينعقد للقضاء الاستعجالي، أما شرط المشروعية في الحق فهو شرط أساسي لتدخل القضاء بصفة عامة، لأنه لا يتصور أن يحمي القضاء حقا غير مشروع.
ü    أن يكون الخطر مما لا يمكن تداركه، ومما يخشى تفاقم أمره إن لم تتم مواجهته على وجه السرعة، وعمل قاضي الأمور المستعجلة هنا تدبيرا فوريا لا يحسم جوهر النزاع بقدر ما يحمي الحق المستهدف مؤقتا أي خطر قد لا تتم معالجته عند حدوثه.
ü    أن يكون هذا الخطر عاجلا يقتضي تلافيه سلوك مسطرة استعجالية خاصة غير مساطر القضاء العادي، وإلا انعقد الاختصاص للقضاء العادي ووفق المساطر والإجراءات المتبعة أمام قضاء الموضوع، كما تجب الإشارة إلى أن عنصر الاستعجال الذي يعتبر مناط اختصاص القضاء الاستعجالي يشترط توفره في الدعوى منذ رفعها أمام الجهة المختصة وإلى حين الحكم فيها، بحيث أنه  متى تخلف بأي مرحلة من مراحل الدعوى انتفى شرط من شروط انعقاد الاختصاص لقاضي المستعجلات وتعين  عليه  عدم النظر في هذه الدعوى [24]، حيث يرجع الاختصاص إلى قاضي الموضوع الذي يباشر النظر في الدعوى وفق الإجراءات المسطرية العادية.
ü    الشرط الذي يقضي بعدم مساس قاضي المستعجلات بالجوهر.
     يقصد بعدم المساس بالجوهر أن قاضي الأمور المستعجلة، لا ينبغي عليه بأي حال من الأحوال وتحت أي مسوغ، أن يصدر حكما في أصل الحقوق والالتزامات والاتفاقات، مهما أحاط بها من استعجال أو ترتب على امتناعه عن القضاء من ضرر بالخصوم[25] لأن الاختصاص للنظر في الجوهر ينعقد لقاضي الموضوع وحده، ومعنى أصل الحق كل ما يتعلق بهذا الحق وجودا أو عدما، فيدخل في ذلك ما يمس صحته أو يؤثر في كيانه أو يغير فيه، و كذا في الأثر القانوني التي يرتب القانون لهذا الحق، وعلى هذا إذا رفعت الدعوى بطلبات موضوعية، فإنها لا تدخل في نطاق القضاء الاستعجالي، فاختصاص قاضي الأمور المستعجلة يقتضي ألا يكون في حكمه مساس بما يمكن أن يقضي به في موضوع الدعوى وجوهرها.
 وللاعتداد بمبدإ عدم المساس بالجوهر، لا بد من توفر شرطين أساسين وهما: أن يكون الإجراء وقتيا، وأن يبحث في ظاهر الأوراق والمستندات، حيث ال ينظر في جوهر الحق، فالشرط الأول يتمثل في قيام قاضي الأمور المستعجلة باتخاذ إجراء وقتي فحسب[26]، والمؤكد أن الأوامر الاستعجالية غير حاسمة، في الموضوع، ولكنها تبقى أوامر إسعاف تقوم أساسا بحماية مؤقتة للحق، ووقايته بدفع الخطر عنه، كما أنه لا يحوز إلا حجية مؤقتة في حدود ما لم يستجد من الوقائع والأسباب التي كانت معروضة على أنظار قاضي المستعجلات[27].
–        الشرط الذي يقضي بتوفر جدية الوسائل المرتكز عليها في الدعوى
   ينص الفصل 436 ق.م.م على أنه ” لكي يتم الأمر بإيقاف التنفيذ عند إثارة صعوبة واقعية أو قانونية، فإنه يجب أن تكون الصعوبة جدية، أما إذا كانت الادعاءات المتعلقة بالصعوبة مجرد وسيلة للمطالبة والتسويف ترمي إلى المساس بالشيء المقضي به فإنه يتعين صرف النظر عن ذلك.”
  أمام صراحة النص القانوني فإن مسطرة إيقاف التنفيذ لا تكون إلا عند إثارة صعوبة في  هذا التنفيذ، والتي إما أن تكون واقعية أو قانونية، غير أن المشرع اشترط أن تتسم  تلك الصعوبة بالجدية اللازمة لاعتبارها سببا مقنعا لإيقاف التنفيذ، وتبقى للسلطة التقديرية للقاضي أهميتها البالغة في التمييز المطلوب[28]،  وهنا لابد من الإشارة أيضا أن القاضي الاستعجالي يدقق كثيرا في قياس مسألة جدية الوسائل المثارة أمامه للوقوف عند مدى انعقاد الاختصاص لقضاء الاستعجال من عدمه، بحيث باستطاعته الرجوع إلى ملف المنازعة لتقدير ما إذا كانت الوسائل المثارة جدية أم لا، والمحاكم المغربية عادة ما تقضي في حالات اختلال هذه الشروط أو إحداها بعدم قبول الطلب، كما أن الصعوبة يجب أن تتناول المسائل التي يتم فيها الفصل، ولا يمكن أن تكون وسيلة يتدرع بها المحكوم عليه للمس بالحجية التي يتمتع بها الحكم المطلوب تنفيذه الشيء الذي يكون سببا مباشرا في تضييع حقوق الغير.
   وغني عن البيان أن التقييم الصادر عن القاضي الاستعجالي إنما الهدف منه حماية  الحق بالفصل في المنازعات التي يخشى عليها من فوات الوقت فصلا مؤقتا لا يمس أصل الحق، و إنما يقتصر على الحكم باتخاذ إجراء وقتي ملزم للطرفين بقصد المحافظة على الأوضاع القائمة أو احترام الحقوق الظاهرة أو صيانة مصالح الطرفين المتنازعين، ولا يرقى الوصف  القانوني الذي تمنحه المحكمة لتلك الوسائل المثارة في دعوى الموضوع -في مرحلة الصعوبة – لدرجة القوة القانونية الكفيلة بحسم موضوع النزاع، وتبقى الغاية الأساسية منه كما قلنا العمل على  تفادي الإضرار التي يمكن أن تترتب عن التنفيذ المعجل للحكم، وتفادي الضرر أو الخطر المحدق بمصالح الملزم المدين، وهو تقدير غير ملزم لمحكمة الموضوع بطبيعة الحال في شيء، بحيث يمكن لهذه الأخيرة أن تصدر حكما أو قرارا مخالفا لما ذهب إليه قضاء الأمور المستعجلة.
المحور الثاني: دعوى إيقاف التنفيذ الجبري للدين الضريبي بين التشريع والعمل القضائي.
     مما لا شك فيه أن مشرع المسطرة المدنية قد حسم جهة الاختصاص بالنظر في النزاعات الضريبية، وذلك بإسناده إلى رئيس المحكمة الإدارية الابتدائية أو أقدم القضاة بنفس المحكمة بصفته نائبا عنه، كما ينعقد الاختصاص أيضا إلى الرئيس الأول أومن ينوب عنه إذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف الإدارية[29].  ويتضح ذلك من خلال مقتضيات الفصل 149 ق م م التي تنص على أنه” يختص رئيس المحكمة الابتدائية وحده بالبت بصفته قاضيا للمستعجلات كلما توفر عنصر الاستعجال في الصعوبات المتعلقة بتنفيذ حكم أو سند قابل للتنفيذ أو الأمر بالحراسة القضائية أو أي إجراء آخر تحفظي سواء كان النزاع في الجوهر قد أحيل على المحكمة أم لا، بالإضافة إلى الحالات المشار إليها في الفصل السابق والتي يمكن لرئيس المحكمة الابتدائية أن يبت فيها بصفته قاضيا للمستعجلات.
 * إذا عاق الرئيس مانع قانوني أسندت مهام قاضي المستعجلات إلى أقدم القضاة.
 * إذا كان النزاع معروضا على محكمة الاستئناف مارس هذه المهام رئيسها الأول.
 *    تعين أيام وساعات جلسات القضاء المستعجل من طرف الرئيس”.
  فمنطوق الفصل أعلاه كما هو واضح يؤكد صراحة على أن الأصل هو إسناد مهمة قاضي الأمور المستعجلة لرئيس المحكمة حصرا، إما رئيس المحكمة الابتدائية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف حسب الأحوال، ولا يمكن التوسع في إسناد مهام قاضي الأمور المستعجلة لكونها واردة على وجه الحسم، وتبقى متعلقة بالنظام العام لا يجوز مخالفتها وإلا كان القرار الصادر باطلا.
   والجدير بالذكر بهذا الصدد هو أنه و بعد إنشاء المحاكم الإدارية بموجب  القانون رقم 90-41 [30] أسند الفصل 19 منه مهمة قاضي الأمور المستعجلة لرئيس المحكمة الإدارية [31]، الذي  يعتبر قاضيا  مرتبا  بالدرجة الثانية ضمن درجات السلك القضائي على الأقل[32]، ويبقى  خاضعا في مهمته هاته لإشراف و مراقبة الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف الإدارية، بحيث  يصدر بصفته قاضي المستعجلات أوامر قضائية تحفظية مؤقتة سواء تعلق الأمر بدعوى الإلغاء أو نزع الملكية للمنفعة العامة أو تلك النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات أو الانتخابات أو العقود أو المسؤولية الإدارية أو دعوى الضرائب وهو الموضوع الذي نحن بصدد  تناوله من خلال هذه الدراسة ، كما أحال على تطبيق نصوص قانون المسطرة المدنية كشريعة عامة أمام هذا النوع الجديد من المحاكم  و ذلك  مالم ينص القانون على خلاف ذلك [33].
   وهكذا ينظر رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة  في جميع القضايا ذات الطابع الاستعجالي والتي تعرض  عليه بشرط استفائها للشروط القانونية المشار إليها أعلاه ، ومهام القضاء الاستعجالي كواحدة  من اختصاصات  الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف أو رئيس  المحكمة بحسب الأحوال  تهدف المحافظة على حقوق المتقاضين وصيانتها من كل خطر حال أو محدق ومحقق لا محتمل، كما يهدف القاضي الاستعجالي من خلال قرارته العمل على  إيقاف تنفيذ حكم إداري لوجود صعوبة قانونية ولإثبات معالم لا يمكن أن تستمر على حالها مع امتداد الزمن، أو ما يسمى بإثبات حال، ومن ذلك دعوى إيقاف تنفيذ الدين الضريبي لوجود صعوبة قانونية أو واقعية ، حيث يتقدم المدين بمطالبته أمام القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية المختصة التي يهدف  من خلالها إيقاف تحصيل الديون الضريبية بشكل مؤقت إلى حين البث في جوهر النزاع، ولا تقبل هذه الدعوى إلا  بعد استيفاء جميع الشروط القانونية ومنها المنازعة الإدارية.
  ويقصد بدعوى إيقاف تنفيذ الدين الضريبي تلك المسطرة القضائية التي تتيح للقاضي أن يوقف تنفيذ استخلاص الضريبة في انتظار صدور حكم في جوهر النزاع، بحيث تكون لهذا الحكم قوته الإلزامية وكافة اثاره القانونية[34]. وسعيا منا لبحث هذا الموضوع بشكل دقيق يستجيب لكافة عناصر البحث العلمي والأكاديمي نرى ضرورة تحديد الإطار القانوني لمسطرة إيقاف تنفيذ الدين الضريبي كدين عمومي (أولا) مع تحديد القيمة العملية وكذا الخصائص التي تميز هذه المسطرة (ثانيا) كإجراء وقتي، محاولين في نفس الوقت مقاربة الواقع العملي بالمحاكم الإدارية من خلال الوقوف عند مجموعة من الأحكام والقرارات القضائية الحديثة كلما دعت ضرورة تعميم الفائدة ذلك.
أولا: الإطار القانوني لمسطرة إيقاف تنفيذ الدين الضريبي.
   لقد أولى القانون المغربي على غرار التشريعات المقارنة أهمية قصوى للإيرادات الضريبية باعتبارها واحدة من أهم الموارد المالية، حيث أطرها بمجموعة من القواعد القانونية التي تهدف تحقيق الحماية اللازمة لها، ومنع بشكل صريح كل مطالبة أو دعوى تهدف الإخلال بقاعدة الأداء الفوري للدين الضريبي من خلال مجموعة من مواد مدونة تحصيل الديون العمومية، منها المادة 117 التي توجب على المدنيين أن يؤدوا ما بذمتهم من ضرائب ورسوم وديون أخرى طبقا للشروط المحددة في هذا  القانون[35]، غير أن  التطبيق الحرفي والصارم لقاعدة التنفيذ الفوري للديون الضريبية رغم وجود مطالبات ترمي إلى إيقاف هذا التنفيذ لجود صعوبة قانونية أو واقعية إلى جانب خطورتها على حقوق وضمانات المدين، فهي تعترض بشكل صريح مع جميع المقتضيات القانونية التي تعطي لكل متضرر إمكانية اللجوء إلى القضاء لحماية حقه من أي اعتداء، لذلك أدخل المشرع  بعض الاستثناءات على قاعدة الأداء الفوري وبغض النظر على أية مطالبة أو اعتراض كقاعدة عامة، وسمح بالتالي للمدين المتضرر أن يطلب من رئيس المحكمة الإدارية  أو من ينيبه بصفته قاضيا للأمور المستعجلة إيقاف إجراءات المتابعة إلى حين البث في النزاع موضوعيا لوقف الخطر المحذق به، متى كان تمة خطر حقيقي يهدد حقه المشروع ، أو كان الخطر مما لا يمكن تداركه ويتطلب سلوك مسطرة مستعجلة للحفاظ عليه، وقد فصلنا في شروط تدخل القضاء  الاستعجالي في إيقاف تنفيذ  الدين الضريبي أعلاه، والذي يهمنا في هذا المحور من الدراسة هو التفصيل في الأسس القانونية لتدخل القضاء الاستعجالي في مسطرة تنفيذ الدين الضريبي، مع التركيز قدر المستطاع على الشق العملي بهذا الشأن تعميما للفائدة.
   وهكذا بعد إحداث المحاكم الإدارية بموجب القانون رقم 90-41 دخلت المنازعات الضريبية ضمن الإختصاص الأصيل لهذه المحاكم بصريح المادة الثامنة من القانون المذكور، التي تسند لها اختصاص النظر في النزاعات المرتبطة بتطبيق النصوص التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالضرائب وتحصيل الديون المستحقة للخزينة العامة،[36] كما يرجع لها الاختصاص للنظر في كل الطلبات الرامية إلى وقف تنفيذ القرارات الإدارية شريطة أن يلتمس منها طالب الإلغاء بواسطة طلب كتابي صريح[37]  وهنا لا بد من الإشارة أن طلبات إيقاف تنفيذ الديون الضريبية تحل ضمن اختصاص القضاء الاستعجالي وذلك بالنظر إلى مجموعة من الخصائص التي تميزها عن غيرها من أهمها   الطابع الوقتي حيث  يهدف من خلالها المدين حماية حقه من الاعتداء بشكل مؤقت في انتظار حسم قاضي الموضوع في النزاع ، وقرار قاضي الأمور المستعجلة يبقى ذي أثر قانوني محدود في الزمان والمكان، كما يظل مؤقتا بحيث  لا يحوز قوة الشيء المقضي به  بقدر ما يحفظ الحق موضوع النزاع.
   وعلى الرغم من الاختلاف الذي طبع المرحلة الأولى لعمل المحاكم الإدارية بالمغرب حول النصوص القانونية التي تخول لقاضي الأمور المستعجلة – وهو هنا رئيس المحكمة الإدارية أو الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بحسب الأحوال- النظر في الطلبات الاستعجالية الرامية إلى إيقاف إجراءات التحصيل الجبري  للديون الضريبية، لتفادي الأضرار التي يمكن أن تلحق بالملزم المدين لو تم تأجيل النظر فيها إلى حين الفصل في جوهر النزاع،  فإننا نرى أن منطوق المادة 19 من قانون 90-41 جاء صريحا وواضحا لا يحتاج إلى كل هذا التردد في حسم الاختصاص لقضاء الاستعجال بالمحاكم الإدارية  بالنظر إلى هذه الطلبات باعتبارها وقتية وتحفظية ،والتي تنص على ما يلي: “يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عنه بصفته قاضيا للمستعجلات والأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية والتحفظية”.
وهذا الاختلاف في طبيعة القضاء المختص هل هو القضاء الاستعجالي أم القضاء الشامل لا شك أنه أثر بشكل كبير على حقوق الملزم المدين الذي وجد نفسه أمام قضاء يرفض النظر في طلباته المتعلقة بصعوبة التنفيذ مهما كان نوعها صعوبة واقعية أو قانونية ويحيل الاختصاص إلى قضاء الموضوع بوصفه قضاء شاملا على الرغم من وضوح المادة 19 أعلاه، مما فتح معه الباب أمام تأويلات إدارة الضرائب بواسطة دوريات تفسيرية والتي لن تكون في مصلحة الملزم.
   ويرجع بعض الباحثين[38] في المادة الضريبية سبب هذا الاختلاف إلى مجموعة من العوامل، من أهمها الخلط وعدم التمييز الذي وقع فيه القضاء الإداري بين القرارات الإدارية وبين إجراءات تحصيل الديون الضريبية التي لا تشكل قرارات إدارية بالمفهوم الدقيق للكلمة على اعتبارها إجراءات ينحصر الغرض من القيام  بها في تنفيذ أوامر تحصيل الإيرادات الضريبية لفائدة الخزينة العامة وفق المقتضيات المنصوص عليها بموجب النصوص القانونية ،ومن هنا  وجب التأكيد على نقطة قانونية غاية في الدقة وهي أن  الإدارة الضريبية عندما  تباشر إجراءات التحصيل الجبري، إنما تعمل  على رصد المدينين قانونا بأداء الضريبة وحسب ما تقتضيه قواعد القانون الضريبي نفسه من التزامات في حق كل توفرت فيه الشروط التي حددها المشرع وذلك بتوفر الواقعة المنشئة للضريبة ، فلا تحدث بهذه الإجراءات أي مركز قانوني بالنسبة للمدين .
    ونحن نتفصح قرارات القضاء الاستعجالي بالمحاكم الإدارية بالمملكة بخصوص مسطرة إيقاف تحصيل الدين الضريبي، نقف عند أمثلة عديدة رفض فيها القاضي الاستعجالي النظر في مثل هذه الطلبات بدعوى أن الاختصاص ينعقد لمحكمة الموضوع، من ذلك مثلا قرار القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية بالرباط الذي قضى بعدم اختصاصه واستند في قراره على الحيثيات التالية:
“… وحيث إن المدعي تقدم بمقال للمنازعة في الضرائب أمام القضاء حسب ما هو ثابت في نسخة المقال المرفقة بالطلب الاستعجالي، فإن الاختصاص للبت في طلبات إيقاف تنفيذ المقررات الإدارية وكذا الأمر بتحصيل الضرائب ينعقد لمحكمة الموضوع وليس لقاضي المستعجلات، وذلك حسب مفهوم المادة 24 من القانون 41.90، وأن الهدف من ذلك هو تمكين المحكمة من الوقوف على مدى جدية طلب إيقاف التنفيذ من خلال دعوى الموضوع المرفوعة أمامها. وحيث إنه أمام هذه المعطيات يتعين التصريح بعدم اختصاصنا – بصفتنا قاضيا للمستعجلات – بالبت في الطلب…”[39].   
   يتضح من  خلال الحيثية التي ارتكز عليها قاضي المستعجلات بالمحكمة  الإدارية بالرباط للدفع بعدم الاختصاص بالبث في الطلب الرامي إلى إيقاف تنفيذ إجراءات تحصيل الدين الضريبي–وهو غالبا رئيس المحكمة الإدارية أو من ينيبه عليه-  ذلك الخلط الحاصل بين القرار الإداري الذي هو من صميم اختصاص قاضي الموضوع  حيث  يمكنه أن  يبث في طلبات إيقاف تنفيذ المقررات الإدارية وكذا الأمر بتحصيل الضرائب استنادا لمنطوق المادة 24 من القانون 41.90 متى انعدمت العناصر الموجبة لتدخل قاضي المستعجلات وبين قرار الإدارة المكلفة بتحصيل الإيرادات  الضريبية الذي   قد يمس تنفيذه بمصلحة الملزم المدين ويحمل عنصر الاستعجال والخطر المحدق بمصالحه ، مما ينعقد الاختصاص فيه لقاضي المستعجلات.
   إن صعوبة التمييز لدى جانب كبير من القضاء الاستعجالي بين القرار الإداري بمفهومه القانوني والذي يختص بالنظر فيه قضاء الموضوع بالمحاكم الإدارية- كما أشرنا أعلاه- وبين قرار تنفيذ إجراءات التحصيل المتخذ من طرف إدارة الضرائب وفق ما يلزمها القانون به، والذي قد تعترض تنفيذه صعوبة وقتية و تتوفر فيه جميع الشروط المطلوبة لانعقاد الاختصاص لقاضي الأمور المستعجلة  بالنظر في طلبات إيقاف إجراءات المتابعة إلى حين البت في النزاع موضوعيا، أنتجت  بكل تأكيد قرارات مختلفة بين المحاكم الإدارية الابتدائية ومحاكم الاستئناف الإدارية، وقد حسم المجلس الأعلى سابقا الموضوع  حيث  قضى : “… وحيث إنه من الواضح أن الأمر يتعلق بنزاع في الضرائب وأن هذه النزاعات تنظر فيها المحكمة الإدارية كمحكمة قضاء شامل لا كقضاء إلغاء، وتبعا لذلك فإن المعني بأمر الضريبة المذكورة يمكنه أن يطعن في بيانات التصفية ويمكنه في نفس الوقت أن يطلب من رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضي المستعجلات  إيقاف إجراءات المتابعة إلى حين البث في النزاع موضوعيا، وحيث إن مؤدى ذلك أن المحكمة الإدارية المطعون في حكمها قد أخطأت عندما بثت في الطلب في نطاق المادة 24 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية

مشاركة