الرئيسية آراء وأقلام حين يعتلي الجهل مقاعد القيادة: مأساة الكفاءة المقتولة في زمن العشوائيات المؤطرة بالحظ.

حين يعتلي الجهل مقاعد القيادة: مأساة الكفاءة المقتولة في زمن العشوائيات المؤطرة بالحظ.

IMG 20250419 WA0084
كتبه كتب في 19 أبريل، 2025 - 3:43 مساءً


صوت العدالة- معاذ فاروق

في الزمن الراهن، لم تعد الفوضى مسموحًا بها، لا في الاقتصاد ولا في التربية ولا في الفن ولا حتى في أبسط تمظهرات الفعل البشري المنظم. لقد انتهى زمن الصدف العابرة والحظوظ المتسللة من شقوق العجز المؤسساتي، ولم يعد المجال يتسع لغير المكونين والمؤطرين، لأن العالم لم يعد يرحم العشوائية، والمغرب الرقمي، بما يحمله من تحولات بنيوية، لم يعد يحتمل إلا من امتلك عدة فكرية ومؤهلات معرفية تؤهله للانخراط المسؤول في نسق متشابك، تقنيًا، سوسيولوجيًا، وأخلاقيًا. والدليل واضح كالشمس في رابعة النهار، نراه كل يوم في أولئك الذين تَسَلَّلوا إلى مواقع القرار أو إلى مجالات ذات وزن مادي فقط لأنهم امتلكوا القدرة على المجازفة أو الحيلة، لا لأنهم أهلٌ للمنصب أو المجال، فنراهم وقد راكموا الثروة لكنهم فشلوا في إنتاج المعنى، نجحوا في البيع والشراء وفشلوا في التوجيه والتقنين، بل إن التسيير عندهم يُدار بمنطق الارتجال، والخطاب يتأسس على جهل مركب، والرؤية تنبع من هوى داخلي لا من تصور استراتيجي. هؤلاء غالبًا ما يُظهرون هشاشة نفسية حادة، تأرجح داخلي ينعكس على محيطهم، لأن التكوين ليس رفاهًا معرفيًا بل هو درعٌ يحمي الفاعل من سقوط مجاني، ووعي يُنقذ القرار من التهلكة. حين يغيب التأطير، تُختزل الممارسة في طيش، ويُصبح الميدان ملاذًا لغير المؤهلين، وتضيع الكفاءات الحقيقية وسط ضجيج الصدفة، وهذا في حد ذاته شكلٌ من أشكال العنف الرمزي ضد النبوغ، لأن لا شيء يقتل الإبداع أكثر من سلطة الجهل حين تلبس لبوس القيادة. لهذا، لا بد من استحضار مبدأ الصرامة المعرفية في كل ولوج لأي مجال، لا بد من اعتماد مدخل الكفاءة العلمية كتأشيرة ضرورية، وإلا سنبقى في الدائرة المغلقة للعشوائيات المتناسلة، حيث تقودنا العبثية إلى خنق إمكانيات النهوض، وتبقى العقول الرفيعة مرهونة بإرادات عمياء. العلم لم يعد ترفًا، بل صار شرعية وجود، والتكوين لم يعد اختيارًا، بل صار ضرورة وجودية في مغرب يراهن على الرقمنة والذكاء الاصطناعي كأدوات للتحول لا كديكور مرحلي.

مشاركة