صوت العدالة- معاذ فاروق
في عوالم السياسة والإعلام، حيث الكلمات أحيانًا أقنعة، والمواقف خيوط تُنسج في الظلال، تتجلى ظاهرة تبديل المواقف كأنها رقصة تنكرية تخفي وراءها أعماقًا من النفعية، إذ يتبدل الثابت ويتلوّن المطلق، وتتخذ الحقيقة هيئة مراوغة لا تُدركها العقول إلا عند انكشاف القناع.
السياسة، ذلك المسرح الذي يضجّ بالأضواء والهمسات، غالبًا ما تصبح فيه المواقف مرآة مائلة تعكس المصالح أكثر من المبادئ، حيث ينحني الخطاب أمام عواصف المصالح، ويتحوّل القَسَم إلى مفردة فضفاضة تُبدّل معناها حسب الحاجة، كما يُبرّر بعض الساسة تبدل مواقفهم بزعم “التكيّف مع الظروف”، لكن الحقيقة، في كثير من الأحيان، هي خضوع الإرادة الشخصية للبراغماتية المهيمنة، حيث تصبح المبادئ في متاهات السياسة مجرد رماد تذروه رياح المصالح، أما الإعلام، فيغدو مرآة أكثر مراوغة، فهو ليس فقط ناقلًا للأحداث، بل أحيانًا صانعًا لها، إذ تتحول بعض المنابر إلى أبواق تنفث رؤى متناقضة في أوقات متقاربة، وكل ذلك خدمةً لأجندات خفية، وحين تتبدل المصالح، يتبدل معها الخطاب الإعلامي كأنه ظل يتبع مصدر الضوء. ينادي اليوم بما كان يهاجمه بالأمس، ويروّج لما أنكره سابقًا، فتتلاشى مصداقية الإعلام في أعين المتابع، كمن يطارد طيفًا بلا جوهر، غير أن الظاهرة تتجاوز كونها مجرد تبديل مواقف، بل تصبح انعكاسًا لانحدار قيم النزاهة والمبدئية أمام سطوة المصلحة الفردية أو الجماعية وتتحول النزاعات الفكرية إلى مصالح تجارية، ويُطمس جوهر الصدق في زخم التلاعب بالمواقف، كما يُصبح التناقض سمة، والمراوغة فضيلة، بينما يُتجاهل السؤال الحقيقي: أين يكمن الثابت في عالم يسوده المتغير؟ إن الحديث عن تبديل المواقف لا يمكن أن ينفصل عن فلسفة الزمن وتحوّلاته، فالبعض يراه حكمة، وآخرون يرونه خيانة. وفي خضم هذا الجدل، تظل الحقيقة الوحيدة أن التبدل المستمر دون مرجعية أخلاقية أو فكرية هو كالوقوف على رمال متحركة، لا يؤدي إلا إلى الغرق في هاوية المجهول، فالمواقف ليست مجرد كلمات تُقال، بل هي شاهد على زمنٍ تُصاغ فيه المبادئ وفق المصالح، وتُترك القيم معلقة على مشجب الانتظار، وربما لن يُكتب للتاريخ أن يُنصف المتلونين، لكنه حتمًا سيتذكرهم كأنغام نشاز في سمفونية المواقف الإنسانية.