الرئيسية آراء وأقلام حفلات الطلاق..حرية تعبير أم انحلال قيمي؟

حفلات الطلاق..حرية تعبير أم انحلال قيمي؟

IMG 20250807 WA0074
كتبه كتب في 7 أغسطس، 2025 - 9:33 مساءً

رضوان النايلي: باحث في العلوم القانونية والاجتماعية

شهد المغرب في السنوات الأخيرة بروز سلوكيات اجتماعية جديدة أثارت الكثير من الجدل القانوني والأخلاقي، من أبرزها ظاهرة “حفلات الطلاق” العلنية، التي توثَّق بالصوت والصورة وتُبث على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. في هذه الحفلات، يُقدم الطلاق كإنجاز شخصي يستحق الزغاريد والتهليل، لا كقرار استثنائي مؤلم يستوجب المراجعة والمحاسبة.

فهل يمكن إدراج هذا السلوك ضمن حرية التعبير المضمونة دستورًا؟ أم أنه يمثل مساسًا بالنظام العام الأخلاقي وخرقًا لفلسفة التشريع المغربي المستمدة من المرجعية الإسلامية؟

من الجانب القانوني فالطلاق في مدونة الأسرة هو ميثاق لا يُستهان بفكه، اذ تنص المادة 4 من مدونة الأسرة على أن الزواج “ميثاق تراض وترابط شرعي”، يقوم على المودة والرحمة والمسؤولية المشتركة. وعليه، فالطلاق ليس مجرد فك رباط قانوني، بل هو تقويض لبناء اجتماعي له امتداداته النفسية والتربوية والاقتصادية، خاصة حين يكون هناك أطفال.
وقد أحاط المشرع المغربي الطلاق بقيود شكلية وجوهرية، أبرزها:

  • إلزام القاضي بمحاولة الصلح قبل الإذن بالطلاق المادة 82 وما بعدها
  • مراعاة مصلحة الأطفال بعد الانفصال المادة 97
    وبالتالي، فإن تصوير الطلاق كتحرر واحتفال علني يتعارض مع فلسفة المدونة التي تتعامل مع الطلاق كملاذ أخير، لا كمناسبة اجتماعية للتباهي.

من جهة حرية التعبير وحدود النظام العام، يقر الدستور المغربي لسنة 2011، في الفصل 25، حرية الرأي والتعبير، غير أن هذه الحرية ليست مطلقة، بل مقيدة بحدود النظام العام والآداب العامة. ومن أبرز المقتضيات القانونية ذات الصلة:

الفصل 483 من القانون الجنائي الذي يجرّم كل فعل علني مخل بالحياء.

قانون الصحافة والنشر الذي يمنع نشر محتوى يمس الحياء العام أو يحرض على الفجور.
وبالنظر إلى مضمون هذه الحفلات، من رقص وإشارات تهكمية وألفاظ إيحائية، يمكن تكييف بعض هذه الوقائع كأفعال مخلة بالحياء العام، بل وقد ترتب مسؤولية مدنية أو جنحية إذا اقترنت بتشهير أو قذف أو نشر صور تمس بالحياة الخاصة (الفصل 447 من القانون الجنائي، المادتان 83 و84 من قانون الصحافة والنشر

من حيث المرجعية الإسلامية فالرؤية الشرعية للطلاق ودورها في حفظ الأسرة في الإسلام، الزواج هو رباط مقدس مبني على الرحمة والمودة والسكينة، وهو أساس بناء الأسرة والمجتمع. وعلى الرغم من أن الطلاق جائز شرعًا كحل أخير في حالة تعذر استمرار العلاقة الزوجية، فإن الإسلام يؤكد على أنه “أبغض الحلال إلى الله” كما ورد في الحديث الشريف.
قال النبي محمد ﷺ:
“إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فيقول: ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته، فيدنيه منه ويقول: نِعْمَ أنت” رواه مسلم .

هذا الحديث النبوي يبيّن خطورة التفريق بين الزوجين، فهو عمل مكروه يغذيه الشيطان ويسعى لتدمير الروابط الأسرية التي هي صلب استقرار المجتمع. لذلك، يحث الإسلام على بذل الجهود كافة للصلح والتسامح، ويضع الضوابط التي تقلل من وقوع الطلاق، محافظًا على وحدة الأسرة قدر الإمكان.
إن تحويل الطلاق إلى مناسبة للفرح أو الاحتفال العلني يتناقض مع هذه المبادئ الدينية السامية، ويُمثل انقلابًا على الروح التي جاء بها الإسلام والتي تدعو إلى التروي والحكمة في معالجة الأزمات الأسرية.

في المجتمع المغربي، الذي يستمد تشريعاته من المرجعية الإسلامية، تُعَد مدونة الأسرة تجسيدًا لهذه القيم التي تسعى إلى الحفاظ على وحدة الأسرة، وتوفير الحماية القانونية للأطفال والزوجين على حد سواء.

وبالتالي، فإن احتفالات الطلاق علنًا وترويجها على وسائل التواصل الاجتماعي يُعدّ خروجًا عن هذه القيم، وينذر بانزياح خطير في المفاهيم الاجتماعية والدينية، يستدعي تدخلًا واعيًا من المؤسسات الدينية والقانونية والثقافية للحفاظ على الأسرة وصونها من التفكك.
رابعا: آثار اجتماعية ونفسية مدمرة.

من منظور علم الاجتماع، الأسرة هي الخلية الأولى لبناء المجتمع، وأي سلوك علني يُضعف هيبتها يعد شكلًا من أشكال التفكك الرمزي قبل أن يكون واقعيًا. الاحتفال بالطلاق علنًا يبعث رسائل خطيرة للأجيال الناشئة، منها:

  • التطبيع مع التفكك الأسري.
  • تشويه صورة الزواج وتحويله إلى مشروع مؤقت لا يحتاج إلى صبر أو تضحية.

تعميق أزمة الهوية لدى الأطفال الذين يشاهدون آباءهم أو أمهاتهم يحتفلون بانهيار أسرهم، مما يغرس لديهم ثقافة اللامبالاة الأسرية.

وحسب إحصائيات وزارة العدل، يسجل المغرب ما يقارب 24 ألف حالة طلاق سنويًا، ما يجعل أي ترويج رمزي للطلاق كـ”مهرجان تحرر” خطرًا مضاعفًا على استقرار الأسرة.

و ختاما، حماية الأسرة بين القانون والوعي المجتمعي
حفلات الطلاق ليست تعبيرًا بريئًا عن حرية شخصية، بل مساس مباشر بمكانة الأسرة في الوعي الجماعي. وهي ظاهرة تستدعي:

تشديد الرقابة القانونية على المحتوى الرقمي الذي ينشر مظاهر احتفالات الطلاق، خاصة إذا تضمن خرقًا للحياء العام أو إساءة للحياة الخاصة للأفراد.

تفعيل القوانين الزجرية ضد من ينشرون أو يروّجون لمثل هذه المحتويات التي تضر بالقيم الأسرية والاجتماعية، بموجب القانون الجنائي وقانون الصحافة والنشر.

تطوير آليات قانونية جديدة لمواكبة ثورة التواصل الرقمي، لضبط المحتوى بشكل أكثر فاعلية وحماية الأسرة من التشويه الإعلامي.

تعزيز البرامج التربوية في المدارس لترسيخ القيم الأسرية الأصيلة، وتعريف الناشئة بأهمية الزواج والأسرة ودور الصبر والتسامح في استقرارها.

تحفيز الإعلام المسؤول على تقديم محتوى يبرز أهمية الوحدة الأسرية، ويعكس دور الأسرة في بناء المجتمع بدلاً من الترويج للتفكك والفرقة.

دعم الدور التوعوي للمؤسسات الدينية في التأكيد على قدسية الزواج، وتحذير المجتمع من مخاطر الطلاق المفرط وتحويله إلى حدث احتفالي.

تشجيع المبادرات المجتمعية التي تساند الأسرة وتوفر لها الدعم النفسي والاجتماعي، وتعمل على التوعية بخطورة المظاهر السلبية المرتبطة بالطلاق.

إجراء دراسات وأبحاث اجتماعية مستمرة لرصد تأثير مثل هذه الظواهر على استقرار الأسرة والمجتمع، واستغلال النتائج في صياغة سياسات وقائية.

مساندة الأسر المتضررة نفسيًا واجتماعيًا من الطلاق، خاصة الأطفال، بتوفير خدمات استشارية ونفسية تهدف إلى الحد من تداعيات الطلاق السلبية.

فالأسرة ليست عقدًا هشًا يُكسر أمام عدسات الهواتف، ولا مسرحًا للتباهي الشخصي، بل مسؤولية شرعية وقانونية وأخلاقية. ومن يفرغها من معناها، إنما يعبث بأمن المجتمع واستقراره قبل أن يعبث بحياته الخاصة.

مشاركة