الرئيسية آراء وأقلام ترسيخ ثقافة الاعتراف بالمناضل والحقوقي الأستاذ صلاح الوديع

ترسيخ ثقافة الاعتراف بالمناضل والحقوقي الأستاذ صلاح الوديع

صلاح الوديع 1
كتبه كتب في 28 نوفمبر، 2017 - 1:36 صباحًا

من أجل ترسيخ ثقافة الاعتراف بالمناضل والحقوقي العزيز أستاذنا “#صلاح_الوديع” يجب استحضار مجمل مقالاته الرصينة، منذ سنة 2003 إلى حين صدور كتابه ” قلق الانتقالات” الذي صدر سنة 2010؛ حيث واكب أكبر المعضلات التي تعوق الانتقال الديموقراطي بالمغرب. فكان رقيبا وناصحا لهذا الانتقال الفجائي من خلال عشر ملاحظات، أذكر منها:
#بصدد_مدونة_الأسرة
ربما لم يعرف القانون المغربي تلكؤا وترددا وممانعة في التطور أكثر مما عرفته مدونة الأحوال الشخصية التي أصبحت تعرف اليوم بمدونة الأسرة، إلى جانب موضوع الإصلاح الدستوري. لقد حاز المغرب على الاستقلال سنة 1956 و أقر دستور 1962 للمرأة المغربية حقها في التصويت والترشيح والمشاركة السياسية وتوالت اقتحامات المرأة للمجالات المهنية المتعددة، ومشاركتها في العمل السياسي الحزبي وبادرت النساء إلى تأسيس الهيئات الحقوقية والمدنية والتنموية وأكدت الإحصائيات النصيب المتواتر لمشاركتهن في كل مجالات النشاط الاجتماعي و الاقتصادي والثقافي والرياضي، بل وتعاظم عدد الأسر المعولة من طرف النساء كربات أسر. وقد كن في هذا وذاك مطالبات بقدر أكبر من الجرأة وتحدي الكليشيهات الاجتماعية والتصورات المختلفة من أقرانهن الذين تعترف لهم العقلية السائدة – وبشكل بديهي – بالأهلية في كل هذه المجالات وغيرها. علما بأنهن لا زلن ضحية للميز على مستوى التشغيل و الأجور والتعيين في المسؤوليات المهنية، فقط باعتبارهن نساء.
إذا كان إصدار مدونة الأحوال الشخصية المغربية سنة 1958 قد ألجم الحقوق المدنية للنساء عقودا وكرس العقلية التقليدية المختلفة عن تطور التاريخ، فإن التعديلات المدخلة على المدونة سنة 1993 – والتي كانت ثمرة ضامرة لكفاح نسائي وحقوقي مستميت خلال العشرية السابقة – بقيت محددوة الأثر. ولا شك أن ضعف التعبئة – وربما الاقتناع – في صفوف الطبقة السياسية قد ساهم في تقلص حظوظ إحراز النقلة النوعية الضرورية الكفيلة بفك التناقض الصارخ ما بين الأهلية الاجتماعية الكاملة التي ما انفكت النساء يؤكدنها يوميا في عملهن و أسرهن، وما بين إطار قانوني مستمد من تأويل فقهي متحجر ومتجاوز يعامل المرأة ككائن ناقص موجب للحجر. وهناك في هذا المجال حالات سريالية تصل إلى حدود مضحكة، تضطر فيها المرأة – وهي مسؤولة مهنيا عن مصائر العشرات من المستخدمين و المستخدمات – إلى طلب الإذن بالحصول على جواز السفر من زوجها…
ومن البديهي أن الأمر لا ينحصر فقط في أهمية إنصاف المرأة عن طريق إحقاق العدل إنصافا لها من زاوية حقها الطبيعي في هذا الإحقاق، بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ضرورة توفير مستلزمات التنمية المستدامة التي تتطلب تحرير النساء – خاصة في البوادي والقرى والأحياء الهامشية – بتسهيل مرورهن من وضع 《التابع》و 《 العالة 》إلى وضع المسؤول المقرر في مصيره القادر على الإسهام في إنتاج الخيرات وتوزيعها. وهو ما يستدعي برنامجا مجتمعيا كاملا يهم التعليم والتأهيل المهني والتأطير الاجتماعي والتربية الأسرية بالنسبة لملايين النساء اللواتي يجدن أنفسهن اليوم أسيرات الأمية والدونية والتبعية وفقدان القرار…

وإنه لمن المؤسف فعلا ألا تحظى قضية مصيرية كهذه بنقاش وطني هادئ وواضح وجريء، رغم العمل الذي قامت به الحركة النسائية والحقوقية. ونذكر جميعا كيف شنت الحرب ظلما على مشروع خطة إدماج المرأة بتناول سياسي مكيافيلي حاول اللعب على الحس الديني للمغاربة من أجل إقبار المشروع، وكيف تم التراجع عنه وكيف تمت إحالة موضوع مراجعة المدونة على التحكيم الملكي، بما يعكسه ذلك من تملص الطبقة السياسية من نقاش الموضوع والحسم فيه بكل مسؤولية وبما يقتضيه الأمر من الوضوح والجرأة والتبصر.
وأزعم اليوم، وقد أنهت اللجنة الاستشارية عملها، أننا لا زلنا في حاجة إلى هذا النقاش الواضح والصريح وأن كل الفرق السياسية خارج البرلمان وداخله مدعوة للتعبير العلني عن موقفها في هذا الشأن والمشاركة في بلورة نتائجه. ولا بد آنئذ أن تتجلى المنطلقات والتصورات المختلفة وتخضع للمحاكمة السجالية من زاوية كفالتها لقيم العدل والمساواة أو ابتعادها عنها.

إن الأمر لا يتعلق فقط بنصوص قانونية يجب تغييرها أو تعديلها، بل يتعلق بالتصور الذي نؤسسه جميعا – داخل التجربة المغربية – لمفاهيم المساواة والمواطنة والحق، ولمشروع الانتقال الديمقراطي الذي يظل المخرج الوحيد للتخلف التاريخي الذي يعاني منه المغرب.

أكتوبر ٢٠٠٣ Salah Elouadie

مشاركة