الرئيسية ثقافة وفنون تجاعيد السكون

تجاعيد السكون

FB IMG 1617271889027.jpg
كتبه كتب في 28 يونيو، 2021 - 9:51 صباحًا


بقلم هند بومديان
ولي في مدن السماء نظرة نجمة ، و قمر باخع يسكن ردهة الغيم ، و رسائل شوق مربوطة بكعب يمامة شاردة ، و قصائد مخضبة بسلاف عطر ، كتبت بحبر ، و ياسمين ، و ذاك المطر يملئ السواقي بحبر الأمنيات كمن يتتبع الصدى .
لوهلة وقفت كثيرا على الشطآن أطلق عنان الغيث على حواف الليل برذاذ خريف ، أبحث عن طائر يحوم فوق المدى ، ليحاصر موقع قدمي ، دون أن يمحي أثري ، و لم أجد إلا أنا ، و إياك ، و طيفي ، و دمعي بين ثنايا هذا العدم تحت أكاليل الملائكة .
و كم من الوقت انتظرت في ذاك الليل ، حتى نسيت ملامحي ، و صدى صوتي في مرآتي ، و على عاتقة طول السنين رذاذ خرف أنساني كيف أرمم تجاعيد غربتي .
فَجاءَ الصمت كالعاصفة يسألني من أنت ؟
إغفاءات لاواعية علت على رحل مسافر ، تحت أمطاري الثملة و في السماء رسائل لم تكتب و عناوين مخبوءة و نبوءات لم تنزل بعد إلى أرض الديم و كنف الوجد ، تارة تحرك السكون بداخلي ، و تعبئ صمتي المحرم في برك الجنون ، و تارة تستفز أرضي و ترشها بعبق غجري ، ينمو ويتكاثر عند بوابات أنفاسي ، و كل جراحي نازفة .
ف بحثت تحت وسادتي ، حيث ترقد الأحلام بين ثنايا حكاياتي ، عن قصيدة تحاكي عالمي ، عن وطن يلملم كوني و شجوني ، صدقي و ألمي .
أفتش فيه عني ، عن موكب الذكرى التي هجرتني ، و في همسات تترنح بين خبايا الروح، و حلم قصير يدغدغُ خاطري.
لكن و قبيل صحوة الحياة تناثرت أوراقي الحائرة، و دلفت إلى مزارات هدبي، ف هبت بين أحضاني رياح السموم، لتغدو كنجوم كاسفة، غدت تعوِ ك قطعان الذنب في ربوعي الوارفة، و تسألني النفس ؟

  • هل للوصال من أملٍ قريب يشجيني ؟
  • و يجيبني القلب حائرا ، و كل الطرق تعيدني إلي ، إلى هدوء عقلي ، فلا الربيع يزور رباي ، و لا صوت المطر فدى تانك الروح ، فقط اغمرني بالدفء ، و الحنان ، و ألقي بالسلام .
    ف كل السلام لروح السلام ، ذات الظلال الوارفة ، و الآمان المتكاثر، تغير العرف ، و تشق كلماتها كهوف الذكريات الكلمى ، و الأيام و صدى السنين ، لتعلو و تعلو لمدى الحواس ، و الجنون ، تبكي ب رصاصات الغَدر الطائِشة ، ف تمزج ألوانها مع الضياع ، و تعود بيضاء كما كانت تبدد ضجيج الروح من حولها ، ربما تجمل كل شيء شوهه الزمن.
    ف يا حلما عليلا اضاعَ الأمان ، ما بين كان و ما سيكون ، و ترك الحياة ثكلى ، تتمنى المنون بين فيض كفيك ، والنسيم بوجنتي و الرؤى .
    ماذا سأَروي لذاكرتي كي لا تمحوها الأيام العجاف ؟
  • من أنا ؟
    أجبني!!
    و لا تحسبن الأحلام ستمحو ما كان من تأملات لاواعية ، و إن صافحت ذاكرتي ، و مسحت عن وجنتي اللآليء ، لتجعل الشمس خبث تشرق مرتين في عيني القدر .
    فأبصر الأحلام مرة في عيني الأيام ، و مرة أخرى في روحي ، لتضيء عتبات الظروف سهوا ، و تلملم بعثرتها في بوتقة السلام.
    لا وربُّ الفجر أراني بها في كل الأزمان ، أحتويها لتنعكس صورتها علي ، فتتكئ روحي على روحها ، و أمنحها السلام ، و الأمان ، و فاتحة الأشياء ، و أحكيها ك حلم لازوردي يحلق ب أسراب الأمنيات الضائعة ، بين الشرق و الغرب ، ينبش من رحم الكتمان ، سر معزوفة ، و تراتيل صوفية ، كانت تسكن الوجدان كلما حل زمهرير الليل ، و قرع غيابه على طبول النبض ، ف غابت الآمال على عتبات المستحل .
    و أي عزف هذا ، و الحزن تكوم كالجبال ، ليحكيه الهمس من عابر سبيل ، لعابر سبيل ، و ذكراه في سعير نوارسه ، عطشى تترنح أصابعها عند كل قافية ، يملأ عطرها نظرات الشوق الناعسة .
  • من أنت ؟
    لتزرع في حروفي أذرعة لهفة بلا نهاية ، ما بين همس و نبض ر لتهب نوتات الحياة عزفا بيدي القدر ، و دفت الأوتاد بفعل متمرس ولهان يجوب العمر خالدا ، يعبث بمشاوير المروج ، و جدائل النور رنينا يلاحق التياع الغياب ، و يرمم انكسارات و جراح الوقت ، من نبرة طيف على مقاسات هبوب الوتر ، توشوشه تغريد الأمنيات ليسبق السيف العدل في سكون .
    و ما كان ليكون و زهيرات الروح ذابلة ، ليغدو للحياة ظل وريف ، تصيب المرآة بخدر ، و في جوف القلب جرح غائر .
    ينصت بهدوء لحروف ثملة تراقص السهر، و ترتشف على مهل من دموع الليل المتوضئ ، برقص الغجر نبض السكون ، و أساور الضياء .
    أرتق ما مضى ، و أرتل قصيدة من اشتعال النور ، و النار ، لأرنم الحلم بلون تشرين ، و عزف السحر ، يصيبني الدهر و أتوقف عن المسير، ف أبحث عن صراخ روح ، تجثو بخوف و قلق منتزع من كوابيس مصفدة على عتبات شطآني .
    أحلام باصقات تشكو الظمأ ، و عروقها ذابلة يصيبها الدهر، فتنغم في حبر الضياع كما إعصار ، خار عزمه ليجلجل سواعد الأمل.
    و هذا الزمان تدور رحاه ، ف يجود بالجفاء ، و يصول بالعصيان ، و الخنوع ، عساه يتمرد على قوانين البقاء ، ليعود كما كان أيام الوصال ، و أمواج الحروف ، تتسلل إلى هدوئي متأهبة لبوح لم يجد له مكان في التاريخ .
    تبقى السنين حبلى ، بعبق مروري المركون في حنجرة الاختناق ، تفرغ أسراري في خوابي القصائد، كلما التفت حولها أزيز تنهدات ، و وجع يحمله نسيم الصباح على خارطة متاهات الخافق ، لتحتفي ب ربى الوقت اليانعة ، ف تنشر ألوان الحيرة ، و الحنين في ترهلات الذاكرة .
    تجتر لواعج لهفة ، تلهب المدامع بين الصمت ، و الصدى لتضيء الوقت ، و تبدد سواد الليالي الحالكة ، ف يعود الوقت و الضياء مجللا يروي أوردة الأيام ، و يحمل رسائل خطتها الروح من كل حدب ، و صوب ، تصارع الحنين الذي ينهش صدري ، لتسافر في أوردة الأرض ، و بين أكناف النهايات ، هلوسات قلب عاتبة على القدر ، متسولة من طهر النور بعضا من الحياة ، و نجمة شاردة نزلت ذات ليل ، و لم تعدها لفلكها و ترحل ، و قد تفيض أدمعك على رمل ذاكرتك ، فتنسى نفسك حتى يسبقك ظلك بخطوتين.
  • هيا ترجل.
    و رتب طريقي بخفق أنغام عود ، ل أقرأ ، و أكتب ، و أغني ، و أستمع إلى ، لأرسل مع أول قطرة غيث شكوتي ، و همستي ، و هذيان المطر كي لا أفقد حروف الهجاء ، فيتدحرج النبض المنزوي على ناصية الأمنيات ، ك سرب فراشات راقصة حول الضوء ، ليسافر عبر المدى ، و يدون في دفاتر الخيبات سكون مقيت ، يطبق على ردهات الخواطر ، معلنا لحظات رحيل في جوف ليل كئيب النظرات ، كبصيص أمل في متاهة الروح .
  • و هناك في المدى البعيد ،
    أغادرني ، إلى دهاليز العمر العقيمة ، أدخل في حدقاتي لأغفو على وسائد الحلم ، ف تهجر الكلمات ثغري ، كمن يزاحم الريح العقيمة ، و يهيم في اللامدى ، و أكتب تمتمات غير مفهومة في دفاتر الخيبات ، كهسهسات تحتل الحواس ، و الأنفاس ، و على متن النسيم العذب يزهر الروض ، و يلوح بعضا منها ب فلاتي ، ليكون لنا ركب يسير رغم عثرات السنين في مشهد عبثي ، يشجيني صوت المطر يثير حنين نوافذ قلبي الممزق ، لأكتب على بياض الغيم آهات ، كتعرجات لحن سقط سهوا من شفاه نوتات يائسة .
مشاركة