من أكادير، المدينة التي وصفها جلالة الملك محمد السادس بـ”الوسط الحقيقي للمملكة” بعد استرجاع الأقاليم الجنوبية، انطلقت إشارات سياسية ذات دلالات استراتيجية، خلال اجتماع المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار برئاسة عزيز أخنوش، مساء الجمعة.
الاجتماع، الذي لم يكن روتينياً في مضمونه ولا في توقيته، جاء ليعكس انسجام الممارسة الحزبية مع التحولات العميقة التي يعرفها المشهد الوطني، سواء على مستوى قضية الصحراء المغربية أو على صعيد ترسيخ الجهوية المتقدمة كخيار تنموي وسياسي لا رجعة فيه.
اللافت في البيان الختامي للمكتب السياسي كان تثمينه العلني للموقف البريطاني المؤيد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وهو ما يُعد تطوراً دبلوماسياً نوعياً في مسار النزاع المفتعل حول الصحراء، خاصة حين يصدر عن عضو دائم بمجلس الأمن الدولي. هذا التحول لا يعكس فقط نجاحا في كسب الدعم الدولي، بل أيضاً يعزز مشروعية النموذج المغربي باعتباره بديلاً واقعياً وجدياً لحل النزاع، في مقابل انسداد الأفق أمام الأطروحات الانفصالية.
غير أن الاجتماع لم يكتف بالدبلوماسية، بل شدد أيضاً على التحولات التي تعرفها أكادير وجهة سوس ماسة، في تجسيد فعلي للخطاب الملكي لسنة 2019، الذي رسم معالم مشروع تنموي متكامل ينطلق من الجهوية المتقدمة ويصب في العدالة المجالية.
ما بين إشادة بالتنزيل الترابي لسياسات الدولة، وتثمين لنجاحات الدبلوماسية الوطنية، يتضح أن حزب التجمع الوطني للأحرار أراد لهذا الاجتماع أن يكون رسالة مزدوجة: تأكيد الانخراط في الدينامية الوطنية من موقع الفاعل السياسي، وتجديد الالتزام بمواكبة توجهات الدولة العميقة، التي ما عادت مركزية في التخطيط فقط، بل باتت أكثر قربا من المواطن عبر نَفَسٍ جهوي متجدد.
فهل ينجح الحقل الحزبي المغربي، عبر مثل هذه المحطات، في تجاوز أعطابه البنيوية ومواكبة الانتظارات الشعبية؟ أم أننا بصدد لحظة استثنائية ستظل حبيسة البلاغات الرسمية؟ الجواب، كما هو الحال دائما، سيكون في الميدان.