محمد البشيري – متابعة
صوت العدالة
إن أكبر جريمة ترتكب في حق مستقبل المغرب دولة وشعبا.. هي جريمة التخلي عن اللغة العربية كلغة للعلم…واللجوء إلى اللغة الفرنسية …
لأن بإبعاد اللغة العربية من المجالات العلمية، سيتم التخلي عن الهوية المغربية، ومحو البصمة المغربية وطي التاريخ المغربي..
لن أتحدث هنا عن تاريخ العرب والأمازيغ، ولا عن التاريخ الإسلامي وحمولته الفكرية والعلمية والروحية والعقائدية. ولا عن التطور والنماء الغربي المبني أساسا على ركام العقول العربية والأمازيغية والإسلامية..
لكنني سأكتفي بالتذكير أن التطور العلمي لا يفرض بالضرورة استعارة لغة تواصل أجنبية، وأن هناك دولا تعاني قصورا لغويا، لكنها لم تلجأ إلى استعارة لغات أخرى. بل واظبت واجتهدت من أجل تطوير لغاتها الأصلية .. وبنت بقصورها اللغوي آليات للتنمية، مكنتها من بناء قصورا وأمجادا .. والنماذج هناك … في اليابان والصين والهند وتركيا والكوريتين الشمالية والجنوبية وألخ…
سأكتفي بتذكيرهم بأن العيب ليس في اللغة العربية وأن العيب فينا نحن. وأن من يريدون (فرنسة التعليم)، لا يهمهم مصلحة المغرب، ولكن يهمهم تنفيذ الأوامر والتعليمات، التي تهدف إلى إبقاء المغرب تحت رحمة الاستعمار الفكري، بعدما تتمكن من محو لغاته وتاريخه وهويته وثقافته..
سأكتفي بالتأكيد لكم أن المغرب لم يعرف يوما عملية تعريب للمواد العلمية التعليمية. وأن ما تم تطبيقه من (تعريب وتعميم ومغربة) بالتعليم المدرسي، هو فقط محاولات لتمييع التعليم، وإتلاف جذوره وبنيانه وأهدافه.. كانت زراعة ببدور فاسدة، من أجل الحصول على أجيال مستهلكة فقط… كان الهدف من هذا المخطط هو إقناع المغاربة بأن اللغة العربية غير جديرة بتعليم المغاربة العلوم والتقنيات.. وهذا ما وقع فعلا.. حيث أصبح العديد من المغاربة من عموم الشعب، ينادون بتدريس أطفالهم باللغة الفرنسية. ليدركوا ما أدركه أبناء وبنات الأثرياء والنافذين من فرص للعمل والشغل والاستثمار..
سأكتفي بالكشف لكم عن بعض الحجج والقرائن، التي تؤكد أن (عملية التعريب كانت فاسدة).
أولها : عند تعريب المواد العلمية في عهد (صاحب المبادرة)، وزير التعليم حينها عز الدين العراقي. عمد المشرفون على عملية تعريب الكتب والمناهج. إلى إلغاء المناهج الفرنسية التي كانت عصارة علماء وباحثين تربويين ومتخصصين. وعرضوا مقررات لكتب مدرسية، تفتقد لكل المقومات الديداكتيكية، كما تفتقد للترابط المنطقي والتسلسل المعرفي..
بل الأفظع من هذا أنهم استغنوا عما يعرف ب(المفاهيم العامة)، في التعريف ببعض المواضيع والنتائج والخصائص العلمية، واكتفوا بعرض مجموعة من الأمثلة فقط لكل مفهوم علمي. مما أبقى على ضبابية المفاهيم العلمية. وأدى إلى اكتساب التلاميذ معارف علمية مشتتة وغامضة. ورسخ في أذهانهم فراغات وثقوب علمية.. تجعل المدرس (الأستاذ) غير قادر على تشخيص وضعية التلميذ ومستوى ذكائه، رغم تعريضه لعدة اختبارات علمية. بل قد تجد تلميذا يفك لغزا أو تمرينا قد يصعب على من هم أعلاه في المستوى الدراسي. لكن بالمقابل تجده يقوم بأخطاء قد تصنفه ضمن خانة البلداء.
ثانيها : قامت وزارة التعليم بإحداث أو صنع مئات المفردات، من أجل ترجمة المفردات الفرنسية واللاتينية العلمية… مفردات قد تجد لها معان أخرى في اللغة العربية المتداولة.
مفردات يرغم التلميذ على حفظها وفهم معانيها والتواصل بواسطتها في كل المواد العلمية بالتعليم الابتدائي والثانوي بسلكيه الإعدادي والتأهيلي.. لكن التلميذ مطالب بالاستغناء عنها بمجرد ما ينال شهادة البكالوريا شهر يونيو أو يوليوز.. وأن يبدأ رحلة البحث عن ترجمتها باللغة الفرنسية، من أجل متابعة التعليم العالي بالكليات والمدارس والمعاهد العلمية المفرنسة. رحلة البحث مدتها حوالي شهرين فقط. حيث ناذرا ما يوفق الطلبة في استيعابها، وهو ما يسبب فشلهم الدراسي بالتعليم العالي.
ما يؤسف له، أن تجد أن بلدان عربية، تقوم بتعريب موادها العلمية في التدريس. بدون أدنى تنسيق أو تدارس جماعي.. والنتيجة أن هناك رياضيات عربية مغربية، وهناك رياضيات عربية مصرية، وهناك رياضيات عربية سورية.. ومثلها في باقي المواد التعليمية العلمية والتقنية.. وكان بالإمكان التأسيس لمعهد عربي جهوي دائم للترجمة.
ما يؤسف له أن تقرأ كلمة في مادة علمية بمعنى محدد، وأن تجد لتلك الكلمة معنى آخر..
كالحديث عن اللاعب رقم 16 أو 11.. أمام تلميذ درس في الرياضيات، أن الأرقام هي من 0 إلى 9 فقط، وأن ما فوق الرقم تسعة، هي أعداد مكون من أرقام..
ما يؤسف له أن الآلية العلمية والركيزة الأساسية لتعليم العلوم والتقنيات، هي درس المنطق. الذي يعرف التلميذ بالروابط المنطقية، وأنواع البرهان. وغيرها من آليات التعامل مع الأوضاع والتمارين والمسائل العلمية. إلا أن درس المنطق لا يدرسه التلميذ إلا بالمستوى الأولى ثانوي. بمعنى أن التلميذ قبل مستوى الأولى ثانوي كان يتلقى تعليما علميا عشوائيا بلا منطق.
ما يؤسف له أن مادة الفلسفة التي اعتبرها العلماء والعباقرة عبر التاريخ، هي أم العلوم. لم تلحق في عهدنا مقام خادم أو (خماس) العلوم.
الفلسفة الآن ليس سوى مجموعة دروس تميل أكثر إلى كل ما هو أدبي تبليدي أو تلقيني.. حيث يجبر التلاميذ على سياسة الشحن والتفريغ. بعيدا عن أية وسائل تمكنهم من الإبداع والاجتهاد..
أم العلوم لا من يهتم بها سواء في صفوف (التلاميذ ذوي الميولات العلمية والتقنية)، أو (التلاميذ المحسوبين على شعب الآداب والعلوم الإنسانية)…
كثيرة هي الأسباب التي تؤكد بالملموس أن المغرب لم يعرف تعريبا للتعليم. وهو ما يفرض علينا أن نرفض التخلي عن اللغة العربية من أجل لغة هي بالأساس لم تعد لغة علم ولا أدب، ولا حتى لغة الأنس.
لم تعد لها مكانة في العالم المعاصر. بل إنها لغة تسعى إلى الانتعاش والاسترخاء والتوسع على حساب اللغة العربية، التي يدرك الكل أنها أقوى لغة في العالم، لكن للأسف بقدر قوتها، بقدر ضعف وجبن من خلقت لأجلهم.
إنها رسالتي لكل المغاربة .. التي توضح بجلاء أنني .. براء من جريمة التخلي عن اللغة العربية
…. بقلم الكاتب والصحفي : بوشعيب حمراوي