أنس خالد | صوت العدالة
مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف، تتجه أنظار المواطنين والسياح نحو المدن الساحلية للاستجمام، ومن أبرزها مدينة السعيدية، المعروفة بـ”لؤلؤة البحر الأبيض المتوسط”. لكن بدل أن تكون وجهة للراحة والهدوء، تحولت المدينة إلى مصدر جدل واسع بسبب الأسعار المرتفعة في المقاهي والمطاعم، والتي دفعت البعض إلى التساؤل: هل أصبحت السعيدية أغلى من أوروبا؟
أشعلت صورتان لفاتورتين من مقهيين، الأولى بمدينة بنيدورم الإسبانية والثانية من السعيدية المغربية، موجة من التفاعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي. الفاتورتان كشفتا تناقضًا مثيرًا في الأسعار، رغم تفاوت مستوى الدخل والمعيشة بين البلدين.
- في إسبانيا، بلغت تكلفة طلب 6 مشروبات (قهوة، عصائر، ومشروبات غازية) ما مجموعه 14.80 يورو فقط، أي حوالي 160 درهمًا مغربيًا.
- في المقابل، بلغت قيمة فاتورة بسيطة في السعيدية 268 درهمًا مقابل إفطار يتكون من بعض المشروبات والفطائر.
في حديث مع عدد من زوار السعيدية، أكد العديد منهم أن الأسعار في المقاهي “خارج المنطق”، وأن بعض المقاهي لا تضع تسعيرات واضحة، ولا تمنح الزبون فاتورة إلا بعد الإلحاح. أحد الزوار عبّر قائلاً:
“تناولت فطورًا بسيطًا مع أبنائي ودُهشت حين طلب مني النادل دفع 250 درهمًا! لو كنت في فرنسا لما دفعت هذا المبلغ على نفس الطلب!”
في المقابل، يرى بعض أرباب المقاهي أن ارتفاع الكلفة التشغيلية، والطلب الموسمي، وغياب الدعم، كلها أسباب تدفعهم إلى رفع الأسعار.
يؤكد خبراء اقتصاديون أن الغلاء غير المنضبط في المدن السياحية المغربية يهدد السياحة الداخلية، ويشجع الأسر على البحث عن وجهات خارجية أرخص وأكثر احترافية في التعامل مع الزبائن، خاصة في ظل عدم وجود رقابة حقيقية على الأسعار.
ويضيفون أن غياب تسقيف للأسعار، وعدم فرض نشر القوائم على أبواب المحلات، يفتح الباب أمام الاستغلال، مما يضر بصورة الوجهات السياحية الوطنية.
انتشرت الفاتورتان بشكل واسع على منصات التواصل، وعلق البعض بسخرية:
“في السعيدية… تشرب عصير الأفوكادو وكأنك في باريس!”
“إذا كانت القهوة أرخص في إسبانيا، فكيف نفسر هذا الغلاء في وطننا؟”
تقع مسؤولية مراقبة الأسعار على السلطات المحلية، والمندوبية الإقليمية للسياحة، ومكتب حماية المستهلك. غير أن الواقع يبين غياب تدخل فعّال يحد من تجاوزات بعض المحلات، مما يشجع على التسيب ويضعف ثقة المواطن في العرض السياحي المحلي.
تشير هذه الواقعة البسيطة إلى خلل عميق في المنظومة السياحية المغربية، التي تحتاج إلى:
- تسقيف الأسعار في المدن السياحية خلال المواسم.
- فرض نشر القوائم الرسمية داخل وخارج المقاهي والمطاعم.
- تعزيز دور المراقبة من طرف لجان مختلطة.
- تشجيع المنافسة النزيهة بين المحلات بما يخدم الزبون.
- توفير منصات لتقييم الخدمات والأسعار لتوجيه السياح المغاربة والأجانب.
في النهاية، تبقى المقارنة بين “بنيدورم” و”السعيدية” ليست مجرد مقارنة بين فاتورتين، بل مؤشرًا صارخًا على اختلالات تستحق وقفة عاجلة… فالسياحة لا تبنى فقط بالشواطئ، بل بثقافة الاستقبال واحترام الزبون.

